"أين قدمي يا أمي وكيف سأعود إلى المدرسة"؛ تتساءل وئام الأسطل بحرقة بين حين وأخر، بالرغم من رؤيتها للبتر الذي سببه لها صاروخ إسرائيلي أصيبت بشظاياه في العدوان الأخير على قطاع غزة.
لكن الطفلة الأسطل (9 أعوام) لا تستوعب فكرة أنها أصبحت معاقة جسديًا، ولذلك فهي لا تتوقف عن البكاء ليس فقط من شدة ألامها الأخرى الناتجة عن إصابتها، وإنما من الآلام النفسية التي سببها بتر قدمها اليسرى.
وتقول والدتها سمية الأسطل التي ترافقها في مستشفى نابلس الوطني بعد مغادرتها لاستكمال مسيرة علاجها هناك "وئام أصيبت بشظايا صاروخ وهي تلعب مع بنات عمها أمام بيتنا وقُطعت رجلها من فوق ركبتها إضافة لكسر في فخدها اليمين وتهتك في أعصاب قدمها اليمين".
وتلتحق الأسطل بإصابتها بقائمة المعاقين في قطاع غزة والبالغ عددهم 38 ألف معاق من بين 113 ألف معاق فلسطيني، أي 2.7% من مجمل السكان، وفق أخر إحصائية للمركز الفلسطيني للإحصاء.
ولكن هذا العدد سيرتفع بإضافة عدد المصابين الذين تعرضوا لإعاقات خلال العدوان الأخير على غزة، والذي لم تحدده جهات رسمية بالرغم من أن إحصائية مبدئية للمرصد الأورومتوسطي تفيد بأن ألف طفل أصيب بإعاقة خلال العدوان.
وأجرى الأطباء عدة عمليات للأسطل لمحاولة توصيل شريانها الرئيسي الذي انقطع نتيجة الإصابة مع وريد في قدمها، ولكنه عاود القطع مرة أخرى مما تطلب تحويلها للعلاج بمشافي الضفة.
3 مراحل
ويمرّ المصاب بإعاقة بثلاث مراحل من العلاج، الأولى مرحلة تلقي الخدمة الطبية في المشافي بعد الإصابة، والثانية تلقي خدمات التأهيل الفعلي، والثالثة الدمج في المجتمع، كما يصنفها مدير وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل بوزارة الصحة بغزة.
ويقول أيمن الحلبي إنه من الصعب الحكم على حالة الجريح فيما إذا كانت ستنتهي بإعاقة أو لا في الفترة الأولى بعد إصابته، لأنه يكون في عداد مرحلة تلقي الخدمات الطبية لاستقرار وضعه الطبي.
وبحسب الحلبي فإنه وبعد إنهاء المرحلة الأولى وانتقاله لمرحلة التأهيل والدعم يمكن الحكم على الجريح بأنه معاق وبالتالي تحديد نسبة الإعاقة التي بناءً عليها تُحدد أشكال عمليات التأهيل التي سيتلقاها.
وهناك أشكال مختلفة لعمليات التأهيل الذي يتلقاه المعاق سواء جسديًا أو عقليا نتيجة لصدمة نفسية كبيرة، وهي تتنوع ما بين التأهيل المركزي والمنزلي أو خدمات التأهيل بالخارج وتتراوح أقل وأبسط هذه العمليات ما بين 3 شهور.
وبدأ الطفل حمزة الجدي (عامين ونصف) بالاعتماد على نفسه في المشي قبل بضع أشهر كباقي أقارنه في هذا العمر، لكنه ومنذ إصابته بتاريخ الـ29 من أغسطس المنصرم بقذيفة دبابة إسرائيلية بعموده الفقري عاد إلى الوراء وقد لا يكمل مسيرة المشي.
وقطّعت شظايا القذيفة أعصاب العمود الفقري لحمزة ومن حينها لا يتحرك الطفل مطلقًا، فيما لم يحسم الأطباء فيما إذا كانت حالته ستنتهي بإعاقة أو ستتحسن مع مسيرة العلاج.
ويقول والده أشرف (42 عاما) إن حمزة لا يقف ولا يتحرك وقد أبلغنا الأطباء أنه لا يمكن إعادة توصيل الأعصاب مرة أخرى، وما علينا إلا أن نجري له العلاج الطبيعي منذ شهر على أساس تقوية عضلاته.
ومثله الطفلة مها الشيخ خليل (7 سنوات) التي أصيبت بقطع في الحبل الشوكي نتيجة إصابتها في مجزرة إسرائيلية ارتكبها جيش الاحتلال خلال عدوانه في حي الشجاعية واستشهد فيها والدتها وأشقائها الأربعة وجدتها وعمتها.
ويقول والدها حامد إن ابنته مصابة بكسر في فكها إضافة لقطع الحبل الشوكي، وهي لا تحرك سوى رأسها"
ويبكي متمنيًا أن تتحسن حالتها كما شقيقتها فاطمة، قائلاً "مها ما فاقت من صدمتها بعد وأتمنى من الله أن يشفيها وترجع لتتحرك وتلعب معها".
معيقات واحتياجات ضخمة
ومن وجهة نظر الحلبي فإنه وبالرغم من عدم القدرة على تحديد نسبة حقيقية للمصابين بإعاقة نتيجة العدوان الأخير، إلا أنه يؤكد بأن العدد لن يكون بسيطًا.
ويتطلب هذا العدد احتياجات ضخمة على الصعيد الطبي والأدوات والمعدات والأجهزة والمساعدات المالية، وهو ما تعاني المراكز والمؤسسات المختصة بالمعاقين بغزة من عدم توفره نتيجة الحصار المفروض منذ 8 أعوام.
ويتابع الحلبي "نحن نتحدث عن ظروف معقدة ومعاناة مركبة لجرحى هذا العدوان تحتاج لمتابعة ودعم لسنوات، لأن إصابة الجريح بإعاقة لها تبعات اقتصادية سواء أكان المعاق رب أسرة أو فردًا فيها، وتبعات اجتماعية ونفسية.
ويؤكد أن مؤسسات دعم المعاقين تعمل وفق برنامج متكامل وجهود مترابطة كون هذه الفئة لا يمكن لمؤسسة بعينها أن ترعاها، ومن بين هذه الجهات مؤسسة الإعاقة الدولية ومستشفى الوفاء الطبي وأطباء بلا حدود إضافة لمركز الأطراف الصناعية.
ويقول المدير الطبي لمؤسسة "أطباء بلا حدود" الناشطة في دعمهم منذ عام 2007 محمد أبو عابد لوكالة "صفا" إن مؤسسته ترعى الجرحى المصابين بإعاقات وحالات حروق ما بعد العمليات الطبية، عبر العلاج طبيعي وإجراء عمليات تعديل لمنطقة البتر لتجهيز المعاق جسديًا تمهيدًا لتحويله إلى مركز الأطراف الصناعية لتركيب أطراف له.
ولكن الحلبي يؤكد أن من أصيبوا بإعاقات خلال العدوان خاصة الأطفال بحاجة لعملية تهيئة بيئية مع وضعه الجديد سواءً في المنزل أو المجتمع أو الدمج في المدرسة أو الجامعة، إضافة لتوفير خدمات على المستوى البعيد، وتنفيذ ذلك مرهون برفع الحصار.
المصدر: وكالة صفا