وكالة القدس للأنباء - متابعة
لم يكن العدو يتوقّع أن تعود الحياة إلى مخيم جباليا مجدداً. وحتى الأصدقاء الذين شاهدوا للوهلة الأولى المعسكر الذي دمّر جيش العدو 40 ألفاً من منازله، و50 بئر مياه و250 مسجداً فيه، وحرق كل مدارس الإيواء داخله وأفسد محتوياتها، خرجوا منه موقنين أن الاحتلال سيستنسخ في جباليا، سيناريو مدينة خانيونس، التي دمّرها إلى الحد الذي لم يتعرّف معه إليها أهلها حين شاهدوها، ولم يستطيعوا العودة إليها حتى بعدما انسحب منها جيش العدو نهائياً.
غير أن ما حدث بعد استيعاب الصدمة الأولى ببضعة أيام كان مفاجئاً؛ إذ أن الآلاف من الأهالي الذين كانوا قد نزحوا إلى مناطق شمال غرب غزة، لم يطيقوا مزيداً من البعد، وقرروا العودة إلى المخيم.
وهكذا، بدأت العائلات تشقّ طريقها من بين الركام بالشاحنات والعربات التي تجرّها الدواب، وحتى مشياً على الأقدام، عائدة إلى وسط المخيم بداية، ثم أطرافه ثم آخر شبر فيه.
وفي غضون ذلك، كانت ثمة جهود حثيثة قد بُذلت من اللجان المحلية لفتح الطرقات، فيما بدأت الفرق الشبابية والمؤسسات الخيرية جهوداً طارئة لإغاثة من وصل، عبر توزيع المياه والوجبات السريعة.
وعلى رغم أن الصورة ليست وردية على أي حال، إلا أن ما كان لافتاً، هو ما أبداه أهل المخيم من عزم على إعادة الحياة إليه، بأي طريقة كانت، إذ دأبت المئات من الأسر، طوال الأسبوعين الماضيين، على تنظيف منازلها المدمّرة، ومحاولة استصلاح ولو غرفة واحدة منها للسكن فيها، في مهمة متواصلة تبدو أشبه بالدوام الرسمي منذ ساعات شروق الشمس وحتى ساعات الغروب. ويقول أحمد أبو عزيز إن «المنزل مهدّم بشكل شبه كلي، لدينا غرفة واحدة لم يهو سقفها، نعمل بشكل جماعي على تنظيف البيت حجراً حجراً بشكل يدوي، هذا العمل سيستغرق شهراً على الأقل".
وإلى جانب أبو عزيز، بدأ أبو محمد جنوح، منذ انسحاب قوات العدو، العمل على تنظيف غرفتين من المنزل تصلحان للسكن. يقول الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «ما نقوم به، هو جمع خمس طبقات من الإسمنت تحوّلت إلى أكوام من الحجارة، مهمتنا هي إخراج ركام خمسة طوابق من غرفتين، بشكل يدوي، لنعاود السكن هنا على ما تبقّى من جدران». ويتابع الرجل الذي يعيل عائلة مكوّنة من ست بنات وولدين، أن «فكرة مغادرة جباليا مرفوضة تماماً، ليس لأننا أبطال، إنما لأننا جرّبنا شعور الغربة، حتى في الشيخ رضوان شعرنا بها. أي شكل من أشكال العيش في جباليا سيكون أهنأ منه في أي مكان آخر".
في شوارع «جباليا»، تبدأ في صباح كل يوم معركة البحث عن المياه، بعدما حوّل جيش الاحتلال المخيم والأحياء المحيطة به إلى صحراء بالمعنى الحرفي للكلمة، ودمّر كل آبار المياه الجوفية الصغيرة، والآبار التابعة لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - الأونروا».
وفي هذا السياق، يرى مصدر في «لجنة الطوارئ المحلية» أن «جيش الاحتلال يمتلك خريطة لمواقع كل آبار مخيم جباليا، وبدلاً من أن يتجنب قصفها، تعمّد الذهاب إليها وتخريبها بشكل متعمّد»، لافتاً إلى أن "كل آبار المياه الجوفية في منازل المواطنين، والتي كانت تسد العجز، والآبار الرسمية التابعة لوكالة الغوث" دمّرها العدو أيضاً، مضيفاً أنه "منذ انسحاب جيش الاحتلال، استطعنا تشغيل بئر جوفية واحدة صغيرة فقط، بينما لا تزال كل الآبار متعطّلة عن العمل".(المصدر: يوسف فارس - الأخبار)