يحذّر مراقبون صهاينة من تضرّر العلاقات الثنائية الوطيدة بين "إسرائيل" وبين الولايات المتحدة، على خلفية “التشريعات القضائية” المنافية للديمقراطية، وإلغاء “فك الارتباط”، وعلى خلفية التصريحات الفاشية لعدد من الوزراء في حكومة الاحتلال. ورغم أن الامتحان للموقف الأمريكي في التطبيق، وفي خطوات عملية لا في تصريحات وانتقادات لفظية، مهما كانت شديدة، فإن هناك من يشخّص أضراراً في العلاقة الثنائية بين الجانبين "الإسرائيلي" والأمريكي، وهي أضرار مرشحة لتكون أكثر فداحة وخطورة.
يحذّر القنصل "الإسرائيلي" العام السابق في نيويورك ألون بنكاس من تصعيد الولايات المتحدة انتقاداتها لـ"إسرائيل"، واحتمال انتقالها من الأقوال إلى الأفعال. موضحاً أن الولايات المتحدة فاض بها، وملّت من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وليس من "إسرائيل" كدولة. ويقول بينكاس، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، يوم الخميس 23/3، إنه بالنسبة لإدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن فإن محاولات نتنياهو ضرب الجهاز القضائي في "إسرائيل" لا تختلف عن الحرب التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الولايات المتحدة. ويضيف بينكاس: “على فَرَض أن الحكومة مستمرة في تشريع القوانين الخلافية، وسط تجاهل الانتقادات والتنديدات، ليس ببعيد اليوم الذي تقوم فيه واشنطن باتخاذ خطوات حقيقية ضد "إسرائيل"، بما في ذلك التصويت ضدها في مجلس الأمن".
منوها أن هناك مركبين في الانتقادات الأمريكية المتصاعدة لبنيامين نتنياهو أولهما دبلوماسي- إستراتيجي، والثاني قيمّ– أيديولوجي. معتبراً أنه، من الناحية الدبلوماسية، فإن الانشغال بنتنياهو تحوّلَ، خلال شهرين، لأمر مزعج ولعبء بالنسبة للبيت الأبيض. ويرى بينكاس أن سلّم أولويات الولايات المتحدة واضح: أوكرانيا- روسيا في المنظورين القريب والمتوسط، المنافسة، وربما النزاع المحتمل مع الصين في المدى البعيد. موضحاً أن هذين الانشغالين المهميّن يستلزمان تكريساً للوقت وموارد وطاقات دبلوماسية بغية صيانة وإدارة تحالفات ومخاطر. منبهاً إلى أن الانشغال الأمريكي بـ"إسرائيل"، إن كان يتعلق بما يجري في الحرم القدسي الشريف، حوارة، المستوطنات، أو قانون الاستقواء، وغيره من القوانين الرامية لإضعاف جهاز القضاء، كل ذلك بالنسبة لواشنطن نوع من صرف الأنظار وفرض أمور مزعجة على الأجندة الأمريكية".
وتبعه السفير "الإسرائيلي" الأسبق في الولايات المتحدة، المؤرخ الكاتب مايكل أورن، الذي أطلق تحذيراً مشابهاً، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، (أمس الخميس)، قال فيه إن “النقص في الرصيد السياسي- الدبلوماسي والخلاف مع الولايات المتحدة يعرّض "إسرائيل" للخطر، إلى جانب اندفاع إيران نحو الطاقة النووية، ويموضعها في وضع أمني خطير للغاية.
يشار إلى أن الخارجية الأمريكية استدعت، (أمس الأول)، سفيرَ الاحتلال في واشنطن، وقيل إنها وبّخته على خلفية تشريع قانون يلغي البنود المتعلقة بمنع المستوطنين من العودة لمستوطنات شمال الضفة الغربية المحتلة، التي تضمنتها خطة “فك الارتباط” عن غزة عام 2015.
اهتزاز القاعدة الصلبة
في ورقة عمل مشتركة للباحثين في الشؤون الإستراتيجية الداد شبيط وتشيك فرايلخ، حول العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية"، جاء أنها تشهد اليوم اهتزازاً في قاعدتها الصلبة. ويوضح الكاتبان أنه بعد قطيعة شهرين بادرَ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى إجراء مكالمة هاتفية مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قبل أيام، وينوهان أنه من خلال بيان البيت الأبيض حول المكالمة تبيّنَ أن الرئيس الأمريكي مهتم بالأساس بالقضيتين الأساسيتين اللتين تشكّلان مصدرَ القلق في الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي: الساحة الفلسطينية المتفاقمة، والتشريعات القضائية داخل "إسرائيل". وبما يتعلق بالساحة الفلسطينية يقولان: “شبيهاً ببيانات سابقة، عاد الرئيس الأمريكي إلى طلبه من "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية التعاون من أجل زيادة التنسيق الأمني، وتجنّب القيام بخطوات يمكن أن تخرّب إمكانية الدفع قدماً بحل الدولتين. بارك الرئيس لقاء شرم الشيخ بين شخصيات رفيعة، سياسية وأمنية، "إسرائيلية" وفلسطينية ومصرية وأردنية وأمريكية، الذي استهدف حسب الإدارة تقليص التوتر بين الطرفين".
ويشير الباحثان "الإسرائيليان" إلى أن أقوال الرئيس الأمريكي تضاف إلى تصريحات كثيرة لشخصيات أمريكية رفيعة في الأشهر الأخيرة، عكست تخوفات الإدارة من التطورات في الساحة الفلسطينية وإمكانية التدهور على الأرض.
درس في الديمقراطية
ويقولان إن الإدارة الأمريكية تستخدم الضغط الشديد على "إسرائيل" والفلسطينيين من خلال الإدراك بأن الفترة القريبة القادمة، في بداية شهر رمضان، يمكن أن تؤدي إلى اشتعال، وطلبت منهم، كما تم التعبير في البيان الذي نشر في نهاية لقاء شرم الشيخ، اتخاذ خطوات ملموسة مانعة.
وبما يتعلّق بالتشريع القضائي قالا إن الرئيس الأمريكي قد علّم نتنياهو، في المحادثة الهاتفية، درساً في الديمقراطية، وأشار إلى أن “قيم الديمقراطية وقفت دائماً في أساس العلاقة بين الطرفين، وهكذا يجب أن تكون في المستقبل أيضاً، وأن التغيير الجوهري في جهاز القضاء يجب تنفيذه من خلال الاستناد إلى دعم الجمهور الواسع قدر الإمكان”. وطبقاً للباحثين "الإسرائيليين" فقد عرضَ الرئيس الأمريكي دعمه للجهود المبذولة لبلورة تسوية ترتكز على المبادئ الأساسية المتبعة في المجتمعات الديمقراطية، التي تقتضي إجراء تغييرات جوهرية فقط مع الحفاظ على الأساس الواسع جداً الممكن لتأييد الجمهور.
ويعتقدان أن هذه هي التصريحات الأكثر أهمية حتى الآن للرئيس الأمريكي، والتي تعكس قلقاً حقيقياً من أن خطوات التشريع التي تقودها الحكومة "الإسرائيلية" يمكن أن تمس بالقيم التي شكّلت دائماً الأساس في العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل". ويتابعان: “إضافة إلى ذلك فإن الرؤساء الأمريكيين تجنّبوا بشكل عام التدخل في شؤون "إسرائيل" الداخلية.
بناء على ذلك يبدو أن قرار الرئيس الأمريكي مناقشة القضية في المكالمة الهاتفية مع نتنياهو يدل على القوة الاستثنائية للتخوّفات داخل القيادة العليا في أمريكا من تداعيات التشريع. لا تترك مكالمة الرئيس الأمريكي مع نتنياهو أي مجال للشك بأنه رغم الأساس المتين للعلاقة بين الجانبين والصداقة العميقة للرئيس بايدن مع "إسرائيل"، فإن الإدارة الأمريكية لا تخفي الامتعاض والقلق من الخطوات التي تقوم بها الحكومة".
عدم توجيه دعوة للزيارة
وبرأي الباحثين "الإسرائيليين"، ورأي كثيرين غيرهما، فإن التعبير البارز على ذلك هو تلكؤ الرئيس الأمريكي (أيضاً أثناء المحادثة الأخيرة) في دعوة رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو إلى البيت الأبيض. وطبقاً لهما، تشير عدة تطورات مقلقة أخرى في الساحة الأمريكية إلى خطر حقيقي سيهز القاعدة الصلبة التي أقيمت عليها شبكة العلاقات بين الجانبين، والتي مكّنتهما من الحفاظ عليها حتى رغم الخلافات.
يتماهون مع الفلسطينيين أكثر مما مع "إسرائيل"
ويشير الكاتبان، في هذا المضمار، إلى أن استطلاعاً جديداً أجراه معهد “غالوب” يظهر، للمرة الأولى، أن أكثر من 49 % من المستطلعين الأمريكيين المحسوبين على الحزب الديمقراطي يتماهون مع الفلسطينيين أكثر مما يتماهون مع "إسرائيل" (38 %). وأشارت النتائج إلى ارتفاع بنسبة 11 % في تأييد الفلسطينيين فقط في السنة الأخيرة. ويعتبران أن زيادة التأييد للفلسطينيين واضحة أيضاً في أوساط الناخبين الذين يعتبرون أنفسهم مستقلين، وأيضاً في أوساط الذين ما زالوا، في معظمهم، يعبرون عن دعم "إسرائيل". وفي المقابل، لا يوجد أي تغيير في مستوى دعم "إسرائيل" المرتفع في أوساط الناخبين الجمهوريين.
ويؤكدان أنه، في حساب إجمالي، ما زالت "إسرائيل" الرائدة من ناحية دعم الأمريكيين، لكن الفجوة تقلصت. ويضيفان: “تضاف هذه المعطيات إلى المعطيات التي أظهرتها استطلاعات سابقة، عبّرت عن توجّه برزَ في السنوات الأخيرة؛ حتى لو كان معظم الديمقراطيين ما زالوا يتمسكون بموقف إيجابي تجاه "إسرائيل" إلا أن التأييد تآكل، والأكثر أهمية هو الابتعاد عن "إسرائيل" في أوساط الشباب المحسوبين على الحزب الديموقراطي".
اليهود في الولايات المتحدة
كما يشير الكاتبان إلى أن معظم يهود أمريكا يصوّتون للحزب الديمقراطي، وبالتحديد الجناح الليبرالي، إذا لم يكن للجناح التقدمي. وذكّرا بتصريح السناتور الديمقراطي المؤثر، كريس ميرفي، الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط، والمعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل بشدة، ضد سياستها، وقال إن الإدارة الأمريكية يجب أن تزيد الضغط على حكومتها. وحسب قوله فإنه “سواء أكان الأمر يتعلق بوضع شروط لمساعدة "إسرائيل" أو أن تكون هناك شروط للزيارة في الولايات المتحدة، على الإدارة الأمريكية إرسال رسالة واضحة بأن تهديداً "إسرائيلياً" لحل الدولتين سيضر جداً بالعلاقات بين الدولتين على المدى البعيد”. كما يشيران لمهاجمة ميرفي أيضاً إلى خطوات حكومة الاحتلال في الموضوع القضائي، بقوله: “هذا يقوّض الأسس التي تربط بين الإسرائيليين".
ويؤكد الباحثان "الإسرائيليان": أن توجهات مناوئة لإسرائيل برزت حتى الآن بالأساس في أوساط مشرّعين محسوبين على الجناح التقدمي الذي يكثر من تحدي المؤسسة الديموقراطية من اليسار ولكن يبدو مؤخراً أن المقاربة التي تقول إنه يجب اشتراط المساعدات الأمنية المعطاة لإسرائيل بسياستها في القضية الفلسطينية أيضاً تتعزز في صفوف المشرعين الديموقراطيين من التيار الرئيس”. وينبهان أن معظم الشهادات تشير إلى أنه حتى لو حرصت الإدارة الأميركية حتى الآن على التأكيد على التعاطف مع "إسرائيل" وعلى الالتزام بأمنها، فإن التوتر بين الجانبين أصبح يؤثر على العلاقات بينهما.
بؤرة التهديد
ويعتقدان أنه، على المدى القريب، القضية الفلسطينية هي بؤرة التهديد الرئيسة: خطوات "إسرائيلية" تنحرف عن الوعود التي تم الاتفاق عليها في اللقاءات التي أجريت، في المدة الأخيرة، في عمان وفي شرم الشيخ، وخطوات أخرى أحادية الجانب، وضمن ذلك التشريع الذي ألغى الانفصال عن شمال الضفة الغربية (الذي كان في الأصل نتيجة وعود أعطيت للأمريكيين)، يمكن أن تزيد بشكل كبير امتعاض الإدارة الأمريكية. كما يعتقدان أنه في المقابل، يجب التعامل بجدية مع الإشارات التي تطلقها الإدارة الأمريكية، وهي أن تشريعاً من أجل تغيير وجه جهاز القضاء دون إجماع واسع، يمكن أن يغير، حسب رأيها، الطابع الديمقراطي لإسرائيل، ونتيجة لذلك سيقوّض قدرتها على إظهار أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة، على اعتبار أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وحليفتها الإستراتيجية.
قيم مشتركة
وضمن مزاعمهما يقولان إن الأمن القومي لإسرائيل قد تأسسَ مع السنين، ضمن أمور أخرى، على شبكة العلاقات الخاصة التي تم الحفاظ عليها بينها وبين أمريكا، وقد ساعد على ذلك تفهّم واشنطن بأن الطرفين يتشاركان قيماً مشتركة مثل الحرية والديمقراطية وحماية حقوق المواطن، وأنه حتى لو نشأت خلافات إلا أن الطرفين يتفهمان ويحترمان مصالح بعضهما. ويزعمان أيضاً أن الإدارات الأمريكية، الديمقراطية والجمهورية، حرصت، وأحياناً أمام انتقادات داخلية، على التمسك فعلياً بالالتزام بـ “أمن ورفاه” "إسرائيل". ويتابعان: “استند التعاطف في المنظومة السياسية الأمريكية إلى الإدراك بأن الشعب الأمريكي ينظر بإيجابية للعلاقة والالتزام بأمن الدولة اليهودية.
تغيرات عميقة في الولايات المتحدة
وفي الاستخلاصات يوضح الباحثان شبيط وفرايلخ أنه يجب على الحكومة "الإسرائيلية" أن تأخذ في الحسبان بأن التقدير الأمريكي (في الإدارة وفي الكونغرس) بأن “القيم المشتركة تضرّرت”، وأن "إسرائيل" تعمل خلافاً للمصالح الآنية لأمريكا، يمكن أن يضر بالعلاقات الحميمة بين الطرفين، خاصة في هذه الفترة الحساسة، حيث تحتاج التحديات الأمنية، لا سيما من إيران التي تواصل وبشكل حازم الدفع قدماً بمشروعها النووي، إلى تعزيز التنسيق بين الطرفين (ذكر الموضوع الإيراني على هامش بيان البيت الأبيض بخصوص المكالمة بين بايدن ونتنياهو)
ويقولان إنه حتى ولو كان يجب على "إسرائيل" الدفاع عمّا تعتبره مهماً لأمنها القومي، فإنه في الفترة القريبة القادمة يجب إعطاء أهمية عليا، ومنح أولوية للحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، بالأساس القدرة على إبقاء علاقة جيدة بين زعماء الطرفين.
ويرجّحان أن الإدارة الأمريكية لن تتردد في الرد بتحفظ وبصورة انتقادية إذا قدّرت أن "إسرائيل" تعمل بشكل مخالف للقيم الأساسية والمصالح المشتركة، وبالتأكيد إذا تنكرت لوعودها في ما يتعلق بالساحة الفلسطينية.
ويمضيان هما أيضاً في تحذيراتهما، على غرار تحذيرات بينكاس وأورن: “يمكن أن يجد الرد الأمريكي تعبيره في إدانات علنية وفي تآكل مستمر للدعم الذي تحصل عليه "إسرائيل" من الولايات المتحدة في المجال السياسي والاقتصادي والأمني.
سلوك "إسرائيل" وخصائص العلاقة بين الطرفين ستكون لها أهمية كبيرة على المدى البعيد إزاء عمليات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية تَحْدُث في الولايات المتحدة، التي حتى لو كان جزء منها لا يرتبط مباشرة بـ"إسرائيل" إلا أنها ستساهم في تآكل التزام أمريكا بعيد المدى تجاه "إسرائيل". ويخلصان لتحذير شديد بالقول: “يمكن أن يكون التجاهل في "إسرائيل" لهذه الأخطار كارثياً على مصالحها، حيث توجد إمكانية كامنة للمسّ، عاجلاً أم آجلاً، بشبكة العلاقات الخاصة بين الطرفين".