/مقالات/ عرض الخبر

حرب غزة تفجر حروباً داخلية في فلسطين و"إسرائيل"... كتب: حلمي موسى

2014/09/09 الساعة 12:50 م

انتهت الحرب "الإسرائيلية" على قطاع غزة ولم تنته. فوقف النار تم على أساس الشروع بمفاوضات في مصر خلال شهر لترسيخ وقف النار هذا والسماح بإعادة إعمار قطاع غزة وفك الحصار المفروض عليه. ولكن وقف النار على الحدود لم يعن أن النار لم تفتح على الجبهات الأخرى سواء في داخل "إسرائيل" أو في الأوساط الفلسطينية. ومن المؤكد أن جهات إقليمية ودولية تحاول أن ترسخ في المفاوضات ما عجزت عن تحقيقه في العملية الحربية.
وبديهي أن أول الحديث هو ما يتعلق بالفلسطينيين أنفسهم. فقد كان كثيرون منهم يقولون انه لو كانت النتيجة الوحيدة للحرب الإسرائيلية على غزة هي توحيد الموقف الفلسطيني لكان هذا وحده كافيا لاعتبار أن هناك إنجازا. لكن بأسرع مما توقع المتشائمون عادت الخلافات لتحتدم بين حماس والسلطة الفلسطينية وعلى أكثر من صعيد وقبل أن تجد أي من المشاكل حلا لها. بل ان ما كان يبدو قديما تجاوزه الزمن عاد لينتصب بقوة، وخلافا للمزاج الشعبي في الضفة والقطاع، ليشكل عائقا قد يصعب التغلب عليه. وحتى إذا كان الهدف الراهن هو فك الحصار عن القطاع وإعادة إعماره أو القفز نحو تحقيق الدولة الفلسطينية باعتراف دولي فإن المؤكد هو أن العودة إلى منطق الانقسام لن يخدم أحدا. ليس في ترسيخ الانقسام ما يخدم المقاومة وليس فيه ما يخدم المفاوضات. لكن ما هو أسوأ من ذلك أن هذه الخلافات تضع الملح على الجرح الفلسطيني وتفركه خصوصا أن المعاناة في القطاع بعد التدمير بلغت مدى بعيدا.
وبديهي أن الواقع العربي لا يسهل على الفلسطينيين لا معالجة جراحهم ولا تطوير آمالهم. بل ان بعض الفلسطينيين صار يرى أن الوضع العربي أشد مرارة من العنف "الإسرائيلي" وهذا كفيل بأن يترك آثارا لاحقة ربما سوف يكون من الصعب علاجه. وفي كل حال فإن الاقتتال العربي العربي والاستقطاب العربي العربي ليسا فقط لا يساعدان الفلسطينيين بل باتا يثقلان عليهم.
وعلى الصعيد الدولي فإن الصراع العربي "الإسرائيلي" بات يثقل جدا على الأسرة الدولية وخصوصا على الاتحاد الأوروبي الذي بات يشعر بأن الصراع مكلف جدا له. فهو يقوم بتمويل السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" تدمر ومن دون أفق وأمل. ولهذا تحاول أوروبا العمل بكل جهدها للاستفادة من الوضع الراهن، خصوصا في ظل التوتر الأميركي مع "إسرائيل". وهناك أحاديث عن مشاريع قرارات في مجلس الأمن الدولي لمحاولة فرض حل على كل من "الإسرائيليين" والفلسطينيين. وبديهي أن هناك نوعا من الكباش المتزايد بين أوروبا وأميركا من جهة و"إسرائيل" من جهة ثانية وخصوصا بشأن المستوطنات.
لكن المستوطنات هي التعبير الأبرز عن أيديولوجيا "إسرائيل" التوسعية وعن فكرها الفاشي. ولأن الحكومة الحالية قامت أصلا على مبادئ الفكر الفاشي وخصوصا جانبه الديني فإنها تحاول اعتبار الاستيطان ديدنها ومنطلق تفكيرها. وليس صدفة أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يحاول استعادة مكانته في صفوف اليمين عبر توسيع الاستيطان. كما أن وزير دفاعه، موشي يعلون يريد كسب مكانة متقدمة في الليكود فلا يجد لذلك سبيلا أفضل من توسيع الاستيطان.
وبين الاستيطان والعسكر تاريخ طويل ولهذا فإن موقع "لواء الناحال" يتحول بسرعة إلى مستوطنة في غوش عتسيون وليس صدفة أنه يراد اليوم من جفعوت أن تغدو مدينة لتكون مركزا يربط الأربعة آلاف دونم المصادرة الأخيرة. ولكن العسكر والأمن على خلاف هنا وهناك مع اليمين المتطرف الذي يعمد إلى وضعهما في موضع شبهة واتهام خلافا لصورة العلاقة القديمة بين الطرفين. ويحاول كثيرون إصلاح العلاقة بين اليمين والعسكر ولكن من دون نتائج واضحة حتى الآن. فالجيش يريد أن يبقى رسميا ولكن اليمين يريده أن يكون دافعا متشددا نحو الحرب.
وفي داخل الجيش "الإسرائيلي" خلافات متزايدة، فكرية وعملياتية وأخرى حول الهيبة. لكن الخلافات الأكبر هي بين الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى وخصوصا بين شعبة الاستخبارات العسكرية والشاباك. ومن الجائز أن الحديث عن الخلافات في التقدير الواردة في تحقيق المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل ليست نهاية المطاف. فهناك في المستوى السياسي من يحملون كلا من الاستخبارات العسكرية والشاباك مسؤولية إطالة الحرب بسبب العجز عن التقييم السليم لنيات حماس وللوضع في قطاع غزة. وقد أشار عدد من الخبراء إلى أن الأمن وجهاز الاستخبارات "الإسرائيلية" انشغلا بالمعلومات الاستخبارية التكتيكية لكنهما أخفقا في الحصول على المعلومات الاستخبارية الاستراتيجية. ولذلك فإنهما أخفقا في قراءة الواقع ولم يعرفا كيف تقرأ المقاومة في غزة الوضع وما الذي تنوي فعله.
وفي كل حال فإن الحرب انتهت، والمعارك الداخلية اندلعت، لكن ليس هناك أحد يستطيع الجزم بأنها لن تستأنف. هناك في "إسرائيل" جهات تحذر من أن استمرار الضغط "الإسرائيلي" على القطاع قد يعيد الفلسطينيين إلى تفجير الوضع من جديد. وإذا حدث ذلك، فإن جهات عربية وفلسطينية تكون أيضا قد ساهمت في الانفجار الجديد.

 


المصدر: السفير اللبنانية




 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/64200

اقرأ أيضا