وكالة القدس للأنباء - متابعة
بات استخدام العنف في مواجهة المحتجّين أمام السفارات أو القنصليات المصرية في الخارج سياسة ممنهجة تتبنّاها وزارة الخارجية تحت إشراف الوزير بدر عبد العاطي، بدعم مباشر من أجهزة المخابرات، ضدّ أي تحرّك احتجاجي مرتبط بسياسات القاهرة، وخصوصاً حيال قطاع غزة. ويأتي هذا بعد تسريب فيديو لوزير الخارجية، منذ نحو أسبوعين، يتحدّث فيه مع السفير المصري لدى هولندا عماد حنا، موبّخاً إياه لأنه لم يلجأ إلى العنف ضدّ محتجّين حاولوا إغلاق السفارة في لاهاي بقفل واجهتها وتشويهها، وذلك في إطار الدّعوات إلى التظاهر أمام السفارات المصرية للتنديد بغلق معبر رفح والمشاركة في حصار قطاع غزة.
وظهر عبد العاطي في التسجيل منفعلاً، وموجّهاً اللّوم إلى السفير، الذي اتّهمه بالتقصير في حماية السفارة، معتبراً أنّ ما جرى شجّع على محاولة تكرار الأمر نفسه في دول
أخرى. وقال عبد العاطي: «أنا أقول هذا الكلام على مسؤوليّتي وأنا وزير الخارجية، مَن يحاول وضع قفل على باب السفارة أو وضع دهان (طلاء) عليه، يتمّ الإمساك به وتكتيفه ووضعه داخل السفارة واستدعاء الشرطة، وغير مقبول أن يلمس أحد جدار السفارة».
وتضاف إلى ما تقدّم، سلسلة وقائع شكّلت مؤشّراً واضحاً على إعطاء الضوء الأخضر للدّبلوماسيّين والعاملين في البعثات المصرية، للتعامل العنيف مع المتظاهرين. ومن بين تلك الوقائع، حادثة نيويورك الأسبوع الماضي، التي جرى خلالها احتجاز شقيقين، أحدهما طفل يبلغ 15 عاماً، بعد تعنيفهما واقتيادهما بالقوة إلى داخل القنصلية المصرية، قبل تسليمهما إلى الشرطة الأميركية التي أفرجت عنهما في وقت لاحق، علماً أنه جرى اتخاذ الإجراءات الأميركية ضدّهما بناءً على طلب القنصلية، في وقت أظهرت فيه مقاطع فيديو متداولة إدخالهما إلى مقرّ القنصلية بالقوة من جانب العناصر المصريين.
وفي لندن، تصدّى رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر المعروف بـ«ميدو»، ونائب رئيس الاتحاد، أحمد ناصر، للمحتجّين أمام السفارة المصرية في العاصمة البريطانية، قبل أن تلقي الشرطة البريطانية القبض عليهما، ويسارع عبد العاطي نفسه إلى الاتصال بمستشار الأمن القومي البريطاني، جوناثان باول، لبحث ملابسات التوقيف. وأكّد عبد العاطي للمسؤول البريطاني أنّ الوزارة تتابع الأمر بـ«اهتمام بالغ»، مشدّداً على أنّ مصر لن تتهاون في حماية أبنائها بالخارج.
كما كلّف الوزير السفارة المصرية في لندن بالتواصل مع السلطات البريطانية المتخصّصة لتقديم الخدمات القنصلية اللازمة، ومتابعة مستجدّات التحقيقات عن قرب، الأمر الذي دفع السلطات البريطانية إلى الإفراج عن ناصر مساء أمس، مقابل الإبقاء على عبد القادر، الذي يُعرف بتصدّيه المتكرّر للتظاهرات أمام السفارات المصرية، قيد التوقيف. وعقب الإفراج عنه، قال ناصر، في منشور عبر «فيسبوك»، إنّ «مصر دولة قوية وجبارة والحمد الله أنا خرجت حالاً». وفي منشور آخر، قال: «مصر العظيمة... ألف شكر على موقف متوقّع من أعظم وأشرف دولة في الدنيا، إن شاء الله ابن مصر البطل هيخرج، إن شاء الله.. شكراً يا بلادي»، في إشارة إلى عبد القادر.
وتزامنت خطوات عبد العاطي مع وصف الإعلام الحكومي، أو المحسوب على السلطات، عبد القادر المعروف بتحريضه على المعارضين المصريين في الخارج، بـ«البطل المصري المدافع عن بلاده»، الأمر الذي تعزوه مصادر مطّلعة إلى «توجيه الإعلام الرسمي المصري باتّهام بريطانيا بإزدواجية المعايير، في ظلّ استهداف شاب يعبّر عن دعم بلاده، ورفضه محاولات جماعة الإخوان (الإرهابية) للنيل من صورة مصر".
وبحسب المصادر التي تحدّثت إلى «الأخبار»، فإنّ «النهج الجديد في التعامل مع المحتجّين أمام السفارات، جاء بعدما تشاركت الخارجية والمخابرات في صياغة طريقة للردّ العنيف على المتظاهرين المعترضين على سياسات مصر تجاه غزة».
وبالعودة إلى الفيديو المسرّب، تقول المصادر نفسها إنّ تسريبه كان «مقصوداً»، لافتة إلى أنّ التوجيهات الإعلامية من المخابرات تركّزت على «ضرورة دعم موقف الوزير وحديثه عن المعاملة بالمثل مع السفارات الأجنبية التي لا توفّر دولها حماية للسفارات المصرية، مع تعهّد بتخفيف الحراسة عن سفارة هولندا قبل أن يعلن عبد العاطي تلقّيه اتصالاً من نظيره الهولندي ومناقشة الأمر والاعتذار عنه".
وهكذا، فإنّ هذا التحوّل في أداء الخارجية المصرية يشرعن عملياً منح السفراء والدبلوماسيين سلطات استثنائية لمواجهة المعارضين، ما ينذر بمزيد من التوترات القانونية والسياسية مع الدول المضيفة، وسط تصاعد انتقادات داخلية محدودة، أبرزها من عضو لجنة العفو الرئاسي، المحامي طارق العوضي، الذي وجّه انتقادات لاذعة إلى عبد العاطي، ووضع علامات استفهام حول طريقة «إدارة الأزمة» وغياب القنوات الدبلوماسية التقليدية.