وكالة القدس للأنباء - ميرنا روحي الحسين
لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا حادثاً عرضياً في تاريخ لبنان، الذي كان يعيش حينها تحت الاحتلال "الإسرائيلي" المباشر، فبين 16 و18 أيلول/سبتمبر 1982 ارتكبت مليشيات لبنانية مسلحة عميلة لـ"إسرائيل"، بتخطيط منها وبرعايتها مجزرة "صبرا وشاتيلا"، وهما من ضمن المخيمات الفلسطينية الـ12 المتواجدة على الأراضي اللبنانية.
كان المخيم مطوَّقاً بالكامل من قبل قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، الذي سهّل وساند دخول الميليشيات العميلة، والتي دخلت فجراً إلى المخيم وبدأت بتنفيذ المجزرة بدم بارد، مستخدمةً الرشاشات و"السلاح الأبيض" في عمليات التصفية الوحشية لسكان المخيم العُزَّل، الذين لم يسلم منهم كل من وقع تحت ناظريهم، من رجال من نساء وعجائز وكبار السن وأطفال، حتى الأجنة في بطون أمهاتهم لم يسلموا من المجرمين القتلة، الذين تركوا خلفهم نحو أربعة آلاف ضحية من الفلسطينيين واللبنانيين والعرب.
اليوم وفي الذكرى الـ41 للمجزرة ما تزال رائحة الموت تملأ المكان، وعيون من بقي حياً، وخرج سالماً من تحت أنقاض المخيم، شاخصة الى أولئك المجرمين القتلة ومرسليهم، وهم معروفون للقاصي والداني، الذين ما زالوا يجاهرون بعمالتهم للعدو الصهيوني!..
البشتاوي: كل فلسطيني سفير للقضية
"حصلت المجزرة خلال 62 ساعة فقط، وسط صمت عربي ودولي، وعلى مشاهد موثقة لجثث مذبوحة بلا رؤوس، ورؤوس بلا أعين، وأخرى مهشّمة، وراح ضحيتها 4 آلاف شهيد وشهيدة، وآلاف الجرحى"..
هذا ما أكده الكاتب والإعلامي الفلسطيني حمزة البشتاوي، خلال حديثه لـ"وكالة القدس للأنباء"، حيث أكد أن "هذه المجزرة ورغم مرور كل هذه السنوات لا تسقط بالتقادم ولا زالت كل حكايا ضحايا المجزرة موجودة في أزقة المخيم وتشكل ذاكرة حيَّة لدى أبناء الشعب الفلسطيني الذين تعرضوا لهذه المجزرة التي وصفت بالمجزرة الأكبر في القرن العشرين".
وأضاف، "عندما نسأل عن صبرا وشاتيلا، تنفتح في الذاكرة مشاهد غاية في البشاعة ومن أهم الدروس والعبر التي يجب أن نستخلصها من هذه المجزرة بأن الشعب الفلسطيني يجب أن يبحث دائماً عن وسائل الدفاع عن النفس ووسائل الحماية لأنه معرض داخل أرضه منذ العام 48 وما قبله إلى المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية.. وهنا خارج فلسطين وبفعل النكبة وجدنا داخل مخيمات مستهدفة من قبل الاحتلال وعملائه.
وأوضح البشتاوي خلال حديثه لوكالتنا أن "العنصر الأساسي الذي يوفر الحماية والأمان للشعب الفلسطيني هو المقاومة، والشعب الفلسطيني تاريخياً هو شعب مقاوم وتصدى للهجمة الاستيطانية الاستعمارية الصهيونية على ارضه قبل العام 48 وقدم الكثير من التضحيات، وهو الآن بعد ما حصل في صبرا وشاتيلا على استعداد أكثر لتقديم التضحيات من أجل الدفاع عن نفسه وعن قضيته الأساسية وهي قضية العودة إلى فلسطين... أما على المستوى العالمي هناك دور كبير، يجب أن يتحول كل فلسطيني إلى سفير للقضية الفلسطينية ولحق العودة، سفيراً لفضح كل الجرائم الصهيونية، والمجازر الوحشية التي ارتكبت وما تزال ترتكب، ما قبل صبرا وشاتيلا وما بعدها".
هذه آخر مجريات التحقيق
وحول أخر مجريات التحقيق في القضية قال البشتاوي لوكالتنا: "مع الأسف التحقيقات في بلجيكا تحديداً اصطدمت بتغيير القانون البلجيكي كي يتم ايقاف المحاكمة وعدم النيل من مجرم الحرب الصهيوني أرئيل شارون المرتكب الأساسي لهذه المجزرة، فهو قدم المساعدات العسكرية والمادية وكل التسهيلات".
ولفت الإعلامي الفلسطيني إلى أن الحكومة البلجيكية تعرضت لضغط دولي كبير، أدى لتغيير القانون البلجيكي، الذي لم يعد معنيا بالنظر بجرائم جرت خارج بلجيكا، كمجزرة صبرا وشاتيلا. ورغم ذلك ما تزال هناك أصوات دولية لا زالت تنادي بمعاقبة المجرمين القتلة، وتطالب بنقل هذه القضية إلى محكمة الجنايات الدولية لأن هذا الكيان يجب أن لا يفلت من العقاب.
وحول إمكانية تنظيم وتهيئة المكان الذي يحتضن ضحايا المجزرة، ليكون مزارا دائما يؤمه الزوار والأهالي، قال البشتاوي: "كان هناك مبادرة من بلدية الغبيري بإعادة تنظيف المكان ووضع نصب تذكاري، وكان "هناك مشروعاً لبلدية الغبيري مصمم هندسياً من أجل إقامة نصب تذكاري ومركز ثقافي ومتحف يتضمن صور ومقتنيات تتعلق بمجزرة صبرا وشاتيلا، ولكن للأسف اصطدم هذا الأمر بدعوة أقيمت ضد بلدية الغبيري من قبل مالك العقار، ورداً على هذه الدعوة، وضعت البلدية إشارة في التنظيم المدني ثبتت بأن هذا المكان للشهداء ولا يمكن تغيير وجهه!..
هذه القضية تحتاج إلى توفير أموال لاستملاك العقار، ومن جهتها البلدية ناشدت السفارة الفلسطينية والفصائل والمؤسسات الأهلية لجمع مبلغ وهو ليس كبيرا من أجل شراء العقار لبناء النصب التذكاري والمعلم الثقافي لكننا حتى اليوم ما زلنا في مرحلة اطلاق النداءات.
أبوردينة: لا أستطيع المجىء إلى مكان وقوع المجزرة
وتروي اللاجئة الفلسطينية نوال أبوردينة، وهي شاهدة على مجزرة صبرا وشاتيلا كيف قضى المسلحون على جميع أهلها وقتلوا كل أشكال الحياة.. قالت لـ"وكالة القدس للأنباء": "أتذكر جيداً تلك المشاهد كأنها بالأمس.. أختي قتلوها أمام عيني في منظر بشع جداً، كان عمرها 19 عاماً وكانت حامل في شهرها الثامن تنتظر مولودها، قاموا بذبحها وإخراج طفلها من أحشائها وخنقه وقتله ووضعوه على صدرها".
وأضافت: "على الرغم من مرور كل هذه السنين أنا لا استطيع المجىء إلى هذا الشارع "مكان المجزرة"، كنا نختبىء هنا جاؤوا إلينا ووصفونا بالمخربين أخرجوا الرجال وتركوا النساء، وأحضروا فأساً وقاموا بضرب 16 شخصا من عائلتي وقتلهم، قتلوا عمي وجدي وجدتي وزوج خالتي واختي وغيرهم".
وختمت أبوردينة حديثها لوكالتنا بالقول: "نحن كأهالي الضحايا نريد أن نعرف ماذا حدث، لماذا قتلوا أهلي بهذه الوحشية ونريد محاكمتهم، إن لم يكن في بلجيكا فهناك دول أخرى كإيطاليا فهي كدولة داعمة للقضية الفلسطينية وخاصة مجزرة صبرا وشاتيلا.. لذا نطالب بمتابعة المحاكم كي نصل إلى حقيقة ويتم محاسبة القتلة".