وكالة القدس للأنباء – ميرنا حامد
إحياء الذكرى السبعين للنكبة، التي يستذكرها الشعب الفلسطيني، في الخامس عشر من أيار/ مايو من كل عام، واقعة تذكر بجريمة تهجير واقتلاع قصري لشعب أعزل من بلاده، من مدنه وقراه وبلداته على أيدي العصابات الصهيونية التي نفذت مئات المجازر، ولاحقاً دمرت أكثر من 531 قرية فلسطينية. وألبست صفة اللجوء لمئات آلاف الفلسطينيين داخل وطنهم وخارجه..
ورغم حجم وهول المجازر والجرائم وعمليات السلب التي اقترفتها العصابات الصهيونية، ولاحقاً سلطات الاحتلال منذ سبعين عاماً، وباتت تزداد شراسة أكثر فأكثر حتى يومنا هذا، فإن أبناء الداخل المحتل لم يقفوا يوماً مكتوفي الأيدي أمام هذه الممارسات. فهم رفضوا الخضوع لقمع الاحتلال الغاصب، والرضوخ لتضييقاته وإجراءاته من قمع وتنكيل وإذلال متعمد خاصة في ظل الحكم العسكري المحكم عليهم بين عامي (1948-1966). وعقدوا العزم على استئناف أنشطتهم واعتصاماتهم الاحتجاجية عبر انعقاد عشرات المؤتمرات والحركات الشعبية والسياسية المحلية والدولية، للتذكير والتأكيد على حقهم الشرعي في العودة إلى قراهم المدمرة. وذلك وفق القرار الدولي 194 الصادر عن الأمم المتحدة، الذي وافقت عليه حكومة الكيان الصهيوني حين تم إقراره، لتخدع بعدها هيئة الأمم والعالم بعدم تطبيقه.
ولم تعد نشاطات العودة إلى القرى المهجرة عام 1948 في الداخل الفلسطيني مجرد فعاليات عابرة، إنما باتت ترسم منحى جديداً يعزز أواصر العلاقة بين الأجيال الفلسطينية الصاعدة وأرضهم المحتلة وقراهم المدمرة، وترسخ في نفوسهم حق العودة إلى قراهم المدمرة التي اقتلعوا منها، والتي قد تبعد أمتارا قليلة عن أماكن سكنهم، من خلال إحياء الذكرى الخالدة ضمن سلسلة نشاطات على مدار أيام عدة في مختلف القرى المهجرة، لتختتم بعدها في مسيرة قطرية سنوية حاشدة بعنوان "يوم استقلالهم يوم نكبتنا" إلى إحدى القرى المهجرة كالدامون وكفر برعم وأم الحيران وغيرها من القرى مسلوبة الاعتراف.
هذه النشاطات المطلبية من شأنها أن تنمي الوعي الفلسطيني والانتماء الوطني تجاه قضية العودة، وتعزز طموحاتهم وآمالهم باستعادة البلاد المحتلة وإعادة إعمارها، وتعرف الأجيال المتعاقبة على خيرات وتاريخ وحضارة الوطن السليب، وتثبت حضور الأجيال الشابة في مسيرات العودة السنوية
لتبدد رهان القيادات الصهيونية بأن كل شيء سيُنسى بعد رحيل الجيل الأول عن الحياة.
ومع انطلاق فعاليات "مسيرة العودة الكبرى" على حدود قطاع غزة في 30 آذار/ مارس، وصولاً إلى يوم الزحف الحاشد تجاه الأراضي المحتلة عام 48 في الخامس عشر من أيار الجاري، جدد أهالي الداخل المحتل مراراً وتكراراً تأكيدهم على أحقية الشعب الفلسطيني في العودة إلى الوطن المسلوب. وأكدوا بالصوت الواحد وعلى الملأ أنهم ينتظرون عودة أهلهم في قطاع غزة المحاصر وفي كل مكان وصوب، إلى بيوتهم وأرزاقهم ولأماكن التي أخرجوا منها، وسط إجماع شعبي وسياسي على أن الاحتلال زائل لا محالة.
فضلاً عن الوفقات والمسيرات التضامنية التي عقدت في مختلف البلدات المحتلة عام 1948، والتي استفزت الشرطة الصهيونية والمستوطنين ودفعتهم إلى محاولات إفشالها. وآخرها مظاهرة "جمعة عمال فلسطين" التي نظمت على معبر بيت حانون قبالة قطاع غزة، بدعوة من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية. وسط تأكيد سياسي وشعبي خلالها، لاسيما رئيس لجنة المتابعة محمد بركة، على وقوفهم جنباً إلى جنب مع المتظاهرين على الحدود، بالقول: نحن مع الحقوق الكاملة لشعبنا، فنحن حراس الوطن، ننتظر عودتكم، قلوبنا وأراضينا وبيوتنا كلها مفتوحة لكم في انتظار عودتكم، لأن الاحتلال زائل لا محالة".
إن مواجهة أبناء الداخل المحتل لسلطات الاحتلال وقوانيها العنصرية، دفاعاً وحماية للأرض وصوناً للحقوق، هي جزء لا يتجزأ من مواجهة الشعب الفلسطيني المفتوحة مع هذا العدو الذي يحتل الأرض ويغتصب الحقوق ويسلب المقدسات، وهي تأخد في كل مرحلة شكلاً جديداً من أشكال المقاومة، آخرها مسيرات العودة الجبارة التي سطرت عنواناً لمرحلة كفاحية جديدة، التي فرضت قواعدة جديدة في مسألة الصراع مع العدو الصهيوني، وأكدت على مواصلة النضال الفلسطيني حتى تحرير البلاد المحتلة ودحر آخر جندي صهيوني عن تراب فلسطين المقدس وتحقيق العودة الحرة الكريمة إلى أرض الآباء والأجداد.