تشير مشاريع التوسعات الاستيطانية الأخيرة التي أعلنت عنها حكومة الاحتلال الصهيوني إلى إخفاق وعجز رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في تحقيق الأمن للمستوطنين، الأمر الذي جعله يفر إلى الإعلان عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية لاسترضائهم وامتصاص سخطهم من تصاعد العمليات الفدائية الفلسطينية ضد المستوطنين.
وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أول من أمس عن اتفاقية سرية عقدها وزير الداخلية الحالي جلعاد أردان، و بموجبها قامت (إسرائيل) بإخلاء مستوطنة "هألبوناه" المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة مقابل بناء 300 وحدة استيطانية في مستوطنة "بيت أيل" شرقي رام الله.
وقد طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً من وزير المالية يائير لبيد منح 70 مليون شيقل لإخلاء معسكر لما يسمى "حرس الحدود" في جيش الاحتلال في مستوطنة "بيت أيل" لتنفيذ هذا الاتفاق، ولكن وزير المالية رفض ذلك مبررا حاجته لقرار من الحكومة الإسرائيلية، ويمتنع نتنياهو حتى اللحظة عن طرح الموضوع على الحكومة خوفا من كشف الاتفاقية مع المستوطنين.لكن اتضح بعد ذلك بأن الوزير أردان عقد صفقة مع المستوطنين بموجبها يتم بناء 90 وحدة استيطانية للمدرسة الدينية "يشفاه" في مستوطنة "بيت أيل" والتي استوعبت عائلات المستوطنين الذين تم إخلائهم، على أن ترعى الحكومة الإسرائيلية بناء 300 وحدة استيطانية جديدة على الأرض التي تم مصادرتها لأغراض عسكرية من الفلسطينيين وتم بناء معسكر "حرس الحدود" عليها.
وأعلن مؤخراً وزير الاسكان في دولة الاحتلال أوري أرئيل عن بناء 300 وحدة استيطانية في مستوطنة "بيت إيل"، لتؤكد هذه الاتفاقية كما أكدها حاخام "يشفاه بيت إيل" زلمان باروخ ملمد، وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بتنفيذها.
استرضاء المستوطنين
ويؤكد الخبير في شئون الاستيطان في الضفة الغربية، عبد الهادي حنتش، أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يحاول قدر المستطاع الآن، استرضاء المستوطنين الذين يعانون من عدم توفر الأمن لهم بسبب عمليات الفلسطينيين الفدائية والمتكررة، من خلال توسيع الاستيطان.
وقال حنتش: "إن آخر هذه المشاريع الاستيطانية هو الإعلان عن بناء 300 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة (بيت إيل) شرقي رام الله، ويأتي هذا المشروع في إطار اتفاق سري تم الكشف عنه بين نتنياهو الذي يحاول عدم إغضاب المجتمع الدولي والمستوطنين الطامعين بالمزيد من الاستيطان في الضفة والقدس".
وأوضح أن (إسرائيل) تسعى جاهدةً من أجل تحقيق التفوق الديموغرافي في عدد السكان عن النمو السكاني الفلسطيني، مشيرةً إلى أنها تخشى من أن يكون الفلسطينيون أصحاب العدد الأكبر في عدد السكان، لذلك تسعى سلطات الاحتلال لزرع مستوطنين في كل مكان من أجل تحقيق التفوق.
وبيّن حنتش أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحاول ضم المستوطنات العشوائية إلى مستوطنات كبيرة من أجل تشكيل حزام استيطاني يفصل ويفكك الضفة الغربية، ويزيد من فرصة نهب المزيد من الأراضي من خلال إجبار المواطنين على الرحيل بسبب الخشية من اعتداءات المستوطنين المتكررة بحقهم.ومن جهة أخرى، نوه الخبير في شؤون الاستيطان، أن التوسعات الاستيطانية تعد سياسة إسرائيلية هدفها المساومة على بقائها في أي حلول نهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مقابل بقاء فلسطينيي الداخل المحتل، أو تهجيرهم إلى الأراضي الفلسطينية مقابل ترحيل المستوطنين.
وقال حنتش: "(إسرائيل) تسعى أو لإيجاد بؤر إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية كما تعتبر وجود فلسطينيي الداخل في الكيان الإسرائيلي بؤراً فلسطينية، لذلك تريد عمل مبادلة بين هذه المستوطنات التي تستولي عليها وإخراج فلسطينيي الداخل من أراضيهم وارتكاب نكبة فلسطينية أخرى".
وأضاف: "إن السياسة الحكومية الإسرائيلية، تقوم على توسيع الاستيطان وسلب أراضي الضفة لجعلها أمراً واقعاً يتم إدراجه في أي مباحثات ومفاوضات قادمة مع السلطة، من خلال مبادلة قضية فلسطينيي الداخل بقضية المستوطنين بالضفة".
سيطرة كاملة
وأكد الباحث في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد، د. عيسى زبون، أن الهدف من التوسعات الاستيطانية الجديدة في مستوطنة "بيت إيل" هو فرض السيطرة الكاملة على شرقي رام الله، وربط المنطقة بشريط المستوطنات المحيط بها لإنشاء حزام متماسك من المستوطنات.
وقال زبون: "هذه السياسة الإسرائيلية هي سياسة قديمة مستمرة، ودائماً ما تعد ورقة بيد رئيس الوزراء للحفاظ على مكانته الحكومية واسترضاء المستوطنين الذين يعدون نخبة اليهود"، مشيراً إلى أن الإعلانات الجديدة لبناء وحدات استيطانية جديدة تشير إلى عجز واضح من قبل نتنياهو في توفير الحماية والأمن للمستوطنين ومحاولة العثور على طرق أخرى لاسترضائهم.
وأوضح أن سلطات الاحتلال تمارس توسعاً غير مسبوق في الاستيطان في القدس المحتلة، وتنفذ مشاريع تهدف إلى تقسيم المدينة وتجزئتها، لافتاً النظر إلى أن حكومة نتنياهو أصدرت عدداً من القرارات الخاصة بالتوسيعات الاستيطانية من أجل استغلالها في أي انتخابات إسرائيلية قادمة لحشد الأصوات الشعبية لصالح حزبه.
وبيّن زبون أن (إسرائيل) تستمر في مصادرة أراضي القدس من أجل توسيع المستوطنات وربطها ببعضها البعض، لتشكل جداراً استيطانياً يهدف إلى فصل غرب الضفة عن شرقها، مشيرًا إلى أنها خطوة تهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع دون أي مراعاة للقوانين الدولية.
وأضاف زبون: "المخططات الاستيطانية الإسرائيلية مستمرة منذ اتفاقية أوسلو وحتى يومنا، وكانت السلطة تعتقد أن المستوطنات عبارة عن مساكن صغيرة يسهل تفكيكها، ولكن (إسرائيل) اليوم تبني مساكن وعمارات كبيرة وإنشاءات ضخمة وجامعات وكنائس في هذه المستوطنات، في محاولة لفرض أمر واقع".
المصدر: الاستقلال