على الرغم من مرور أكثر من أسبوع على إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، فإن تداعيات الحرب على قطاع غزةـ لا تزال تتفاعل، إذ طفى على السطح، خلاف بين أجهزة الأمن "الإسرائيلية" وخصوصاً «الشاباك» وشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، وهيمنت تداعيات الحرب على الأجندة "الإسرائيلية" اليومية خلال الأسبوع المنصرم.
وفي هذا السياق، سرد المحلل العسكري عاموس هرئيل في «هآرتس» وجهة نظر جهازي «الشاباك» و"أمان" في ما يتعلق بسبب اندلاع عملية «الجرف الصامد»، إذ يرى «الشاباك» أن حركة «حماس» أعدت العدة سلفاً للمعركة، وخططت قيادة جناحها العسكري لهجوم مركز على "إسرائيل"، بينما رأت شعبة الاستخبارات العسكرية أن ما حصل لا يعدو كونه تدحرجاً للأمور، ولم تكن «حماس» ترغب بهذه المواجهة الآن.
وأضاف أن صلب الخلاف الاستخباراتي، والذي تم عرض جزء منه أمام «الكابينت»، وأدى إلى توتر بين وزراء الكابينت من جهة، وقادة «أمان» و"الشاباك" من جهة أخرى، يتمحور حول ثلاث نقاط مركزية وهي: طبيعة المعلومات التي كانت بحوزة "إسرائيل" في ما يتعلق بمشروع «حماس» العملاق لبناء الأنفاق الهجومية، وكذلك تحليل نيات الحركة عندما قررت الخروج إلى المعركة، بالإضافة إلى التقديرات حول قدرة الحركة على الصمود في القتال على مدار 50 يوماً.
وأشار هرئيل إلى تسلسل أحداث المعركة منذ البداية، لافتاً إلى عدم تطرق "إسرائيل" إلى خطر الأنفاق عند موافقتها على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في الخامس عشر من تموز الماضي، وكان جل التركيز الإعلامي منصباً على إطلاق الصواريخ من القطاع، على الرغم من توفر معلومات في "إسرائيل" بوجود نحو 30 نفقاً هجومياً.
ولفت إلى أن ثلث الأنفاق تم حفرها تحت السياج الأمني المحيط بالقطاع، إلى داخل المستوطنات، حيث أرسلت «حماس» بعد رفضها للعرض المصري، 13 مسلحًا من قواتها المختارة، عبر نفق هجومي إلى كيبوتس «صوفا» جنوب القطاع، واكتشف الجيش خروج المجموعة، وقام بقصف فتحة النفق، حيث كشفت هذه الحادثة تعاظم خطر الأنفاق، وتعاطى معها الإعلام "الإسرائيلي" بإسهاب.
وفور عملية «صوفا»، قرر (الكابينت) البدء بعملية برية محدودة تصل إلى عمق 3 كيلومترات داخل القطاع، وذلك بهدف تدمير الأنفاق، حيث جوبهت القوات بمواجهة عنيفة، وكُبد الجيش خسائر فادحة في الأرواح، وصلت إلى 65 قتيلاً، في حين تسلل مقاتلون من «حماس» عبر الأنفاق إلى "إسرائيل" أثناء تواجد الجيش في القطاع، وقتلوا 11 جندياً وضابطاً.
يهودا بن مائير، كتب تحت عنوان "نتنياهو نجح في الحرب، وفشل في السياسة"، يقول: «يصعب على كثير من مواطني الدولة لسبب ما، أن يقولوا إن "إسرائيل" انتصرت في الحرب على «حماس»، وإذا كانت انتصرت حقاً، فهناك ظاهرة تتكرر، وهي ميل اليهود إلى عرض كل نصر على أنه هزيمة، وميل العرب إلى عرض كل هزيمة على أنها نصر".
وأضاف: «ينبع عدم الاعتراف بانتصار "إسرائيل" في المواجهة مع «حماس» من التوق إلى إسقاطها وتصفية الحساب معها مرة واحدة وإلى الأبد. والسؤال الذي يحلّق في فراغ الخطاب العام، هو كيف لم ينجح أقوى جيش في المنطقة أن يهزم 20 ألف مقاتل في «حماس»؟. ويشير مجرد عرض السؤال إلى عدم فهم أساسي للواقع، والى خطأ مزدوج:
الخطأ الأول: هو عدم فهم الفرق بين مواجهة عسكرية بين دول، ومواجهة عسكرية مع "منظمة إرهاب". ففي داخل سيناء أو في المناطق المفتوحة في هضبة الجولان يستطيع الجيش "الإسرائيلي" في الحقيقة أن يهزم جيشاً من 200 ألف مقاتل، لكن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لمواجهة مقاتلين يعملون بين سكان مؤيدين لهم يبلغ عددهم مليوني نسمة تقريباً.
والخطأ الثاني: هو أكثر جوهرية وخطراً، وهو في عدم الاعتراف بأن "حماس" ليست المشكلة الأساسية، بل غزة، لأننا اذا أسقطنا «حماس»، وقتلنا آخر رجالها، فستنشأ منظمة إرهابية أخرى.
وكتب إسحاق بن يسرائيل في «يديعوت احرنوت» يقول تحت عنوان: «الإسرائيليون محبطون من نتائج حرب غزة لماذا؟ لانه وبحسب تصورهم، كان يجب أن ننهي هذه الحرب بقهر «حماس» أو إسقاطها أو محوها، ولأننا لم نفعل ذلك لم ننتصر".
وفي المقابل، تفخر «حماس» بانجازين: الأول ثباتها أمام الجيش الصهيوني وهدم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر. والثاني، فتح المعابر للمساعدة الإنسانية.
شمعون شتاين وشلومو بروم كتبا في «معاريف» تحت عنوان: «حروبنا الثلاث ضد "حماس" فشلت وعلينا تغيير قناعاتنا»، قالا فيه: «إن جولة حربية ثالثة خلال ست سنوات، تشير إلى أن القناعة التي وجهت "إسرائيل" حتى الآن فشلت. والبديل المطروح أدناه، يقترح قناعة مختلفة تحمل في طياتها امكانية للتغيير التدريجي، ليكون أمامنا خياران: إما أن ندمج حركة «حماس» بعملية الاستقرار في غزة، وعندها ستكون مضطرة لتغيير مواقف أساسية وتبتعد عن العنف، أو تتمسك بالعنف وتتحول بالتدريج إلى تيار ضعيف سياسياً.
وأضافا: "إن مواقف "إسرائيل" تشير إلى غياب أي تغيير بالقناعة "الإسرائيلية" لإدارة الصراع أمام «حماس»، باستثناء بعض الملائمات التكتيكية التي فرضها الوضع. بكلمات أخرى، الاستمرارية هي التي توجه راسمي السياسات".
وأوضحا أن مركبات أساسية بالتفكير "الإسرائيلي" تمنع من تغيير القناعات: أولاً: رؤية الصراع بين "إسرائيل" و"حماس" على انه رابح أو خاسر. وتجاهل امكانية أن يربح الطرفان. وثانياً: الاعتقاد الذي يقول إنه من أجل إضعاف «حماس»، لا بد من الاستمرار في إبقاء سكان غزة بالحضيض، ولكن من دون أزمة إنسانية.
وثالثاً: الإدمان على مصطلح «صورة الانتصار»، حيث إن كل تغيير في سياسة "إسرائيل" تجاه قطاع غزة تعتبره «حماس» انتصاراً. لذلك يجب عدم تغيير هذه السياسة. ورابعاً: تأييد استمرار عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهذا الموقف يستند إلى أكذوبة فرّق تسد، والافتراض أنه يمكن عزل المنطقتين ومعالجة كل واحدة على حدا من دون أن يكون بينهم تأثير متبادل.
أما المركبات الأساسية الثلاث الواجب أن تواجه "إسرائيل" هي: أولاً: الابتعاد عن القناعة التي فشلت، والتي تقول إن إدارة الصراع تشكل بديلاً لتسوية الصراع، والعودة إلى القناعة التي تسعى لحل الصراع. وثانياً: استيعاب حقيقة أن سياسة عزل الضفة والقطاع قد فشلت، وبالتالي يجب السعي إلى دمج غزة مع السلطة الفلسطينية كخطوة أولى بهذا الاتجاه، ويجب أن يكون ثمة استعداد للاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية، والسعي لأن تمر مواد الإعمار والبناء عن طريق السلطة الفلسطينية، وهنا يجب إشراف رجال أمن السلطة على المعابر.
ثالثاً: السعي لوجود حياة اقتصادية سليمة بالقدر الممكن، بما في ذلك استيراد وتصدير، حيث لا يوجد سبب يمنع من أن تصدر غزة الخضار والفواكه، وأشياء أخرى إلى "إسرائيل"، مع السعي لإرجاع الوضع إلى سابق عهده عندما كانت مصانع "إسرائيل" تتعامل مع مقاولين من غزة، وكذلك الحاجة إلى توسيع مساحة الصيد المسموح بها.
بالتوازي مع الإعمار الاقتصادي لغزه، توجد حاجه لمنع تسلح «حماس» من جديد، كمرحلة ضرورية قد تكون الآن غير واقعية، وهي نزع سلاح غزة أو بكلمات أخرى: "تفكيك حماس وباقي التنظيمات من سلاحها".
المصدر: صحيفة المستقبل اللبنانية