/مقالات/ عرض الخبر

هل أفلست سياسة الاغتيالات الإسرائيلية؟.. كتب: مأمون كيوان

2014/09/06 الساعة 09:12 ص

تستند فلسفة سياسة الاغتيالات إلى رزمة من الدوافع والأهداف المنشود تكريسها خدمة للإستراتيجية العامة والتكتيكات الخاصة لجيوبوليتيكا الصراع مع العرب وعلى نحو خاص مع الفلسطينيين، ومنها التالي:

1- الردع: وهذا الهدف الأساسي من وراء عمليات الاغتيال إذا تحقق التخلص من الشخص المستهدف وأخاف غيره ممن يسيرون على دربه. إضافة إلى عامل الضغط النفسي والشعبي على كاهل المقاومين نتيجة فداحة الخسائر الناتجة عن عملية الاغتيال.

2- المس بقدرة العمل لدى الفلسطينيين: من خلال تصفية القادة الميدانيين الناشطين المسؤولين عن المقاومة مما يؤدي إلى تفتيت المقاومة وأضعاف الروح المعنوية للشعب الفلسطيني وتصفية القادة السياسيين المسؤولين عن التعبئة السياسية مما يؤدي إلى اغتيال الفكر الفلسطيني المقاوم، وبذلك يتم تفريغ ساحة النضال الفلسطيني من كوادرها.

3- تفريغ الأرض من السكان: اتبعت إسرائيل هذه السياسة عام 1948، مما أدى إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم. والآن يستخدمون السياسة نفسها من أجل تفريغ الأرض من سكانها إما بالتهجير أو التصفية الجسدية. سياسة الاغتيالات في الفكر السياسي الإسرائيلي.

وقد استخدم الجيش الإسرائيلي أسلحة فتاكة في محاولات الاغتيالات غير مكتف بالوسائل التقليدية كالرصاص أو زرع عبوات ناسفة بل استخدم طائرات الأباتشي الأميركية والطائرات الحربية مستخدماً قنابل ثقيلة الوزن في قصف مناطق مدنية ذات كثافة سكانية مرتفعة من أجل تنفيذ عمليات الاغتيال.

وثمة عوامل تساعد إسرائيل على انتهاج سياسة تصفية العناصر الفلسطينية النشطة؛ أولها انكشاف هذه العناصر أمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وثانيها التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي على مختلف التنظيمات الفلسطينية، وثالثها صمت المجتمع الدولي وتقاعسه عن إدانة، ومن ثَمّ محاكمة، هذه الأنشطة.

وكانت إسرائيل قد أقرّت خطة سمّتها «غضب الله» للتخلص ممن كانت لهم أي صلة بعملية ميونيخ ضد الرياضيين الإسرائيليين والتي نفذتها مجموعة فلسطينية عملت باسم «أيلول الأسود». وربما أن بين أبرز العمليات التي جرت في الثمانينيات ما جرى في مطلع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عندما تم اغتيال قادة كبار أمثال الشهيد أبو جهاد الوزير (خليل الوزير) واستهداف مقر منظمة التحرير في العاصمة التونسية بالطائرات.

وطورت إسرائيل بعد ذلك سياسة الاغتيالات في تعاملها مع المقاومة اللبنانية، خصوصا مع «حزب الله»، حيث اغتالت في العام 1992 أمينه العام السابق الشهيد السيد عباس الموسوي مع أفراد من عائلته بصاروخ من الجو.

وقبل عملية «غضب الله» كانت الاغتيالات محصورة ضمن علاقة غير محددة بين الاستخبارات الإسرائيلية ورئاسة الحكومة. ولكن بعد عملية ميونيخ، عمدت رئيسة الوزراء آنذاك، غولدا مئير إلى تشكيل لجنة وزارية سميّت «لجنة إكس»، وضمت إلى جانب مئير وزير الدفاع موشي ديان ووزير التعليم إيغال ألون ووزير الدولة إسرائيل جليلي بهدف إقرار الاغتيالات التي عهد بتنفيذها إلى وحدة «قيساريا» في «الموساد».

وفي التسعينيات أدخلت إسرائيل إلى الاستخدام تعبير «القنبلة الموقوتة»، والمقصود به الخطر الآتي من شخص على وشك الانفجار. وبحسب معطيات منظمة «بتسيلم»، فإن إسرائيل اغتالت عبر ما تسميه «الإحباط المركز» 427 فلسطينياً منذ العام 2000 إلى العام 2012. ومعروف أن أحد بنود الاتفاق بين المقاومة في غزة وإسرائيل الذي رعته مصر في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي في العام 2012 كان حظر الاغتيالات.

مؤخراً، عادت إسرائيل بقوة إلى سياسة الاغتيالات التي ارتدت في حرب «الجرف الصامد» طابعاً جديداً تمثل باغتيال عائلات بكاملها وإزالة لأي كوابح قانونية أو أخلاقية في التعاطي معها. فقد أجّل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مؤتمراً صحافياً لساعات على أمل الحصول على معلومات مؤكدة باغتيال القائد العام لـ«كتائب القسام» محمد الضيف برغم علمه أن الاستهداف كان لبيت سكني من ثلاثة طوابق. وقد ذهبت ضحية هذا القصف زوجة الضيف وابنه وابنته فضلا عن ثلاثة أفراد من عائلة الدلو.

وكانت الصحف الصهيونية اصدرت ما يشبه نعي سياسة الاغتيالات قبل نحو عامين، وتحديداً إثر اغتيال زهير القيسي، الامين العام للجان الشعبية في غزة، سياسة الاغتيالات التي كانت ناجحة نسبياً في بعض النماذج. ففي سنوات انتفاضة الاقصى بحسب اعتقاد المحللين الإسرائيليين كانت التصفية الجسدية المركزة سلاحا ناجعا. فتصفية قائد او «مهندس» صواريخ أدت الى تأخير في تنفيذ أعمال فدائية. أما حالياً فأطر المنظمات المقاومة في قطاع غزة، بما في ذلك لجان المقاومة الشعبية، هي شبه عسكرية مع مبنى مراتبي وتوزيع للقيادات. وعليه فان المس برأس المنظمة او بقائد كبير لا يشكل مساً بالقدرة التنفيذية.

وثمة من يعترف بأنه قد لا تكون جدوى التصفيات تساوي ضررها. و التصفية كرد فعل، يجب النظر اليها بتعابير المعركة المتواصلة، التي لا يتحقق فيها الحسم ولا حتى الردع الحقيقي الى أن يقرر احد ما تغيير المعادلة من أساسها.

بالمقابل، هناك من تغنى من الصهاينة بمردود استفزاز الفلسطينيين ودفعهم لاستخدام الصواريخ الذي شكل اختباراً ناجحاً لقدرة منظومة «القبة الحديدية» التي أثبتت قدرة على اعتراض عدد كبير نسبياً من الرؤوس المتفجرة في زمن محدود.

كما يعتقد إسرائيليون آخرون أن توقف المنظمات الفلسطينية عن القيام بعمليات عسكرية انطلاقاً من الضفة الغربية «ليس بسبب المخابرات والجيش ولا بسبب الأسوار والحواجز بل أساساً بسبب قرار مبدئي من الفلسطينيين لوقفها لعدم نجاعتها للكفاح الوطني ضد الاحتلال. وعليه فإن سلطة ابو مازن تقاتل بتصميم ضد حماس. في غزة أيضا يتغلغل هذا الوعي، ولا سيما منذ اندلاع الربيع العربي. وقد أعلنت حماس على الملأ أنها في هذه المرحلة ستفضل الكفاح الشعبي». ولذلك ثمة دعوة الى حوار مع «حماس» بهدف تحقيق تهدئة طويلة المدى. وعلى خلفية الاعتقاد أنه لا يحتمل أن تشلّ المنظمات العاملة تحت رعاية حماس الحياة الطبيعية لنحو مليون من سكان اسرائيل، وفي غزة، تستمر الحياة كالمعتاد.

ولا يبدو أن اتجاهات النقاشات الإسرائيلية حول سياسة الاغتيالات ستقوّض نهائياً أي إمكان لعمليات اغتيال في المستقبل من قبل دولة مارقة تعد الدولة الوحيدة في العالم التي أضفت الصبغة القانونية على عمليات القتل خارج إطار القانون. ولم تتردد في الإعلان عن هذه السياسة في أوساط المجتمع الدولي.المستقبل6 /9/

 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/64136