بعد ان هدأ غبار العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة الذي استمر اكثر من خمسين يوما، وخفت حدة فعاليات الاحتفال بالانتصار الكبير الذي حققته المقاومة، بدأ الفلسطينيون يتساءلون عن قضايا عديدة على رأسها رفع الحصار، وفتح المعابر، والافراج عن الاسرى، وهي قضايا من المفروض التعاطي معها فورا قبل الانتقال الى نظيراتها الاكثر تعقيدا مثل فتح الميناء واعادة تشغيل المطار وترتيبات التواصل بين الضفة والقطاع مجددا عبر الممر الآمن.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء "الاسرائيلي" الذي يواجه حملة من الانتقادات في الصحافة "الاسرائيلية" بسبب فشله في تحقيق اي من اهداف الحرب، لمح في اكثر من مقابلة ومؤتمر صحافي عن ربطه بين تنفيذ اتفاق القاهرة وبنوده ونزع سلاح المقاومة، في محاولة من جانبه لامتصاص حالة الغضب المتصاعدة في اوساط الرأي العام "الاسرائيلي"، ولكن هذه “التمنيات” تنطوي على الكثير من التضليل لان فصائل المقاومة رفضت ان يكون نزع سلاح المقاومة موضع نقاش في جميع جولات مفاوضات القاهرة لان هذا السلاح “مقدس″، مثلما قال السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس″ في مؤتمره الصحافي الذي عقده الخميس في الدوحة.
“التيرموميتر” الذي يمكن من خلاله قياس مدى تطبيق اتفاق القاهرة جزئيا او كليا، هو وضعية “معبر رفح” المنفذ الوحيد لمليوني مواطن من ابناء القطاع الى العالم الخارجي، فهل ستفتح السلطات المصرية هذا المعبر بشكل كامل، ام انها ستواصل فرض القيود التي تعرقل من عملية المرور او تحديدها في مستوياتها الدنيا؟
مفاوضات القضايا الاساسية التي من المقرر ان تبدأ في غضون شهر ربما ستحدد عمر هذه الهدنة، لان من المفترض ان تطلق عملية اعادة اعمار قطاع غزة، وتوفير المأوى لاكثر من 15 الف اسرة جرى تدمير بيوتها، واي محاولة لربط عملية اعادة الاعمار بنزع سلاح المقاومة ستؤدي الى انهيار هذه المفاوضات في جولاتها الاولى، لان هذا السلاح هو الضمان الوحيد في يد المقاومة للدفاع عن القطاع، وتطبيق ما جرى الاتفاق عليه، لانه، اي السلاح، حقق لاول مرة، وبمثل هذه الصورة، الردع في مواجهة "الاسرائيليين".
صحيح انه من السذاجة المقارنة بين الجيش "الاسرائيلي" الذي يعتبر رابع اقوى الجيوش في العالم، ولكن الصحيح ايضا ان الردع العسكري الفلسطيني المتمثل في سلاح المقاومة، منع الدبابات "الاسرائيلية" من التقدم اكثر من كليومتر واحد داخل حدود القطاع، رغم اعلان نتنياهو اكثر من مرة عن بدء الحرب البرية، خوفا من الخسائر الكبيرة في صفوف جنوده ودباباته، كما ان هذا السلاح، والصواريخ بالذات، بثت الرعب في نفوس المستوطنين في مدن مثل حيفا وتل ابيب واسدود والقدس المحتلة، لاكثر من خمسين يوما.
اتفاق وقف اطلاق النار بالنسبة لفصائل المقاومة واذرعتها العسكرية التي ابدت بلاء حسنا في الحرب الاخيرة لا يعني الاحتفال بالنصر، وانما الاستعداد للمعركة المقبلة، وتطوير القدرات الدفاعية والهجومية معا، وهي قادرة على ذلك، لان الطائرات "الاسرائيلية" المغيرة فشلت في تدمير مرابض الصواريخ ومدافع الهاون والمورتر وقذائفها تحت الارض، ولا بد ان العقول الجبارة التي انتجت هذه الصواريخ وطورت مداها تعكف حاليا على دراسة كل جوانب العدوان "الاسرائيلي" وخططه العسكرية للاستفادة منها، ووضع خطط مضادة لمواجهتها في اي معركة مستقبلية.
نقول لكل المشككين بانتصار المقاومة وفهم معانيه، بأنهم اذا ارادوا معرفة من انتصر ومن انهزم، عليهم ان يقرأوا نتائج استطلاعات الرأي "الاسرائيلية" في هذا الخصوص، ومقالات الخبراء العسكريين في الصحف او تعليقاتهم في البرامج التلفزيونية لتعرفوا انكم مخطئون في تقويماتكم واحكامكم، او انظروا الى هذه الاحتفالات العفوية بالنصر لمئات الآلاف من ابناء القطاع، وان كنا في هذه الصحيفة على يقين بأن هؤلاء المشككين يقفون في معظمهم في خندق الدول العربية التي تواطأت مع الاحتلال وعدوانه على امل ان يخلصها من ظاهرة المقاومة الشريفة، وبما يفسح المجال لتحالف "اسرائيلي" عربي في المرحلة المقبلة.
المقاومة انتصرت، والشعب الفلسطيني سعيد بهذا الانتصار، ومستمر في صموده وجهاده مهما تعاظمت اعداد الشهداء والجرحى، فطالما هناك احتلال واغتصاب ارض وحقوق لا بديل عن المقاومة.
المصدر: “راي اليوم” الالكترونية