اتفق محللون سياسيون واقتصاديون على أن حجب "(إسرائيل)" وتجميدها تحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية يعد بمثابة ورقة ضغط في محاولة لإجبارها بتبني مواقف سياسية معينة، وللاستجابة إلى شروطها ومتطلباتها وتقديم تنازلات جديدة في المفاوضات، مؤكدين على أن شبكة الأمان العربية ستبقى حبراً على ورق، لأن بعض الدول العربية تشترط المصالحة الفلسطينية باعتبارها طريق النجاة.
وتوقع المحللون أن تتسبب العقوبات الاقتصادية (الإسرائيلية) المفروضة على السلطة إلى عجزها عن دفع رواتب الموظفين والتزاماتها الأخرى وخاصة تجاه القطاع الخاص، الأمر الذي يستهدف خلق حالة من الاحتقان والتوتر بين السلطة الفلسطينية وموظفيها، مشيرين إلى أن المخرج الوحيد للسلطة من هذه الأزمة تغيير مسار "أوسلو" واتفاقية باريس الاقتصادية، وإتمام المصالحة الوطنية التي تعتبر المنفذ الوحيد للنجاة من هذه الأزمة.
وكانت الحكومة "(الإسرائيلية)" قد فرضت عقوبات على السلطة الفلسطينية من بينها احتجاز وتجميد تحويل أموال الضرائب لها، بعد توجه الأخيرة الانضمام إلى المعاهدات والمنظمات الدولية، رداً على رفض الحكومة (الإسرائيلية) الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى القدامى، وتعثر المفاوضات بين الجانبين.
وكان رئيس الوزراء في حكومة رام الله رامي الحمدلله، قال:" إنه في حال حجبت حكومة الاحتلال أموال المقاصة عن السلطة والبالغة450 مليون شيكل شهريا، فإن الحكومة ستقوم بحماية صغار الموظفين الذين يتقاضون رواتب تقل عن 2000 شيكل، وذلك بصرف رواتبهم كاملة، بينما يتم صرف نسب أقل من الرواتب كلما ارتفعت قيمتها."
أكد مصدر سياسي (إسرائيلي) كبير، أن حكومة الاحتلال برئاسة "نتنياهو" ستتخذ إجراءات اقتصادية إضافية ضد السلطة الوطنية إذا واصلت القيام بخطوات "أحادية الجانب" في مؤسسات الأمم المتحدة.
ليست المرة الأولى
أوضح المحلل السياسي والاقتصادي محسن أبو رمضان أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها "(إسرائيل)" بمنع تحويل الضرائب التي تجمعها لصالح السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أن ذلك تكرر عدة مرات وخاصة عند محاولتها الضغط على السلطة للاستجابة إلى شروطها ومتطلباتها التي لا يمكن القبول بها.
وتوقع أبو رمضان، أن تتسبب العقوبات الاقتصادية (الإسرائيلية) المفروضة على السلطة إلى عجزها عن دفع رواتب الموظفين والتزاماتها الأخرى الأمر الذي يهدف لخلق حالة من الاحتقان بين السلطة وموظفيها، كونها ستكون غير قادرة عن صرف رواتب 140موظفاً أو حصولهم على جزء منها.
ولفت إلى أنه إذا تعثرت المفاوضات ووصلت إلى طريق مسدود سيدفع ذلك "(إسرائيل)" للجوء إلى هذه الخطوات بعدم تحويل أموال المقاصة الضريبية للسلطة وغيرها من الخطوات، بهدف التضييق الخناق عليها.
ولفت المحلل السياسي إلى أن المخرج الوحيد للسلطة من هذه الأزمة تغيير مسار "أوسلو" واتفاق باريس الاقتصادي، وإعادة تعريف السلطة حتى تصبح أداة من أدوات الحركة الوطنية هذا سيجعلها تخرج من دائرة الثقب الإداري ومن تحت الشروط والسيطرة "(الإسرائيلية)" بطابعها العسكري والاستيطاني والعنصري.
قال مصدر مسؤول في وزارة المالية برام الله، أن السلطة الفلسطينية لن تتمكن من صرف كامل رواتب الموظفين في القطاع الحكومي الشهر القادم، موضحاً أن وزارة المالية تعمل على إيجاد آلية لصرف نصف راتب لكل موظف ممن تزيد رواتبهم عن 2000 شيكل.
ورقة ضغط
بدوره، أكد المحلل الاقتصادي جعفر صدقة أن الحكومة "(الإسرائيلية)" تعتمد هذه السياسة كورقة ضغط على السلطة الوطنية في محاولة لإجبارها على تبني مواقف سياسية معينة، مضيفاً " ليس مستغرباً أن تلجأ إلى نفس الأداة، ولكن يتبين جدية هذا التهديد من عدمه مع نهاية هذا الشهر وهو تاريخ استحقاقها وتحويل هذه العائدات كما هو الحال في كل شهر."
وتابع " إذا نفذت (إسرائيل) تهديدها بحجز العائدات الضريبية هذا يعني شل السلطة عن الوفاء بالتزاماتها، سواء برواتب الموظفين أو غيرها من المستحقات للموردين في القطاع الخاص"، منوهاً إلى أن "(إسرائيل)" تحاول أن تخلق أزمات وتدفعها في وجه السلطة والسعي لخلق أزمة داخلية فلسطينية، لإجبار السلطة للخضوع على طاولة المفاوضات التي ثبُت فشلها ولم تحقق أي نتيجة على مدى الأشهر الماضية.
وحول استمرار الأزمة في المراحل القادمة، قال: "هذا يتوقف على طبيعة الموقف الفلسطيني وما قد يأتي من ردود فعل (إسرائيلية) عليه، فهناك مفاوضات لم تؤد إلى نتيجة ولا يوجد مؤشرات على نجاحها"، موضحاً أن القيادة الفلسطينية لا يمكن لها أن تبرر لشعبها استمرار فشلها في المفاوضات بنفس الآلية وتتحمل التبعات أمامه، أو تتخذ قرار بوقفها والسعي إلى تغيير مسارها.
وأشار صدقة إلى أن شبكة الأمان العربية ستبقى حبراً على ورق، لأن بعض الدول العربية تشترط المصالحة الفلسطينية باعتبارها طريق النجاة، وتمتنع عن الوفاء بالتزاماتها تجاه السلطة، لأنها لا تريد أن تمول طرفاً على حساب طرف آخر.
أزمة كبيرة
في ذات السياق، يرى المحلل الاقتصادي عمر شعبان أن الأزمة ستكون كبيرة على السلطة الفلسطينية إذا قامت "(إسرائيل)" بوقف التحويلات الضريبية والتي تمثل حوالي 50% من الفاتورة الشهرية، مشيراً إلى أن المقاصة الضريبية التي تحولها "(إسرائيل)" للسلطة حوالي 500 إلى 600 مليون شيقل شهرياً، ويتمثل عملياً من 50 إلى 60% من دخل السلطة.
وقال شعبان، إذا لم تقُم "(إسرائيل)" بتحويل هذا المبلغ، ستعجز السلطة عن دفع مرتبات موظفيها، وسيتوقف الكثير من المشاريع وستحدث ضائقة مالية شديدة"، لافتاً إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها دولة الاحتلال بوقف التحويلات الضريبية.
وأكد أن السلطة الفلسطينية تمر بأزمة كبيرة بسبب زيادة مصروفاتها وتضخم الموازنة واعتمادها بشكل كبير على الدول المانحة، مضيفاً "عملياً السلطة في أزمة وكل شهر تمر بمشكلة في دفع مرتبات موظفيها، وإذا توقفت هذه التحويلات الضريبية ستزيد الطين بلة."
وبيّن المحلل الاقتصادي أنه سيحدث ركود شديد في الاقتصاد الفلسطيني إذا لم يحصل الموظفون على رواتبهم، معتبراً أن المصالحة الفلسطينية هي الطريق الوحيد للنجاة من هذه الأزمات المتكررة والمتعددة، ومن تحكم الدول المانحة في مراقبة السلطة.
يشار إلى أن السلطة تواجه أزمة اقتصادية بعد أن أظهرت إحصائيات سلطة النقد أن نسب النمو في تراجع مستمر منذ عام 2010، ووصلت النسبة إلى 1.5٪ خلال العام الماضي.
المصدر: الإستقلال