/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

جنين قتال حتى الشهادة

2014/04/02 الساعة 11:45 ص

يقع مخيم جنين غربي مدينة جنين، ويعتبر أكبر مخيم في محافظة جنين، و ثاني أكبر مخيم في الضفة الغربية، ويقدر عدد سكانه بـ 35 ألف نسمة، وأغلبهم من حيفا، لعب دوراً بارزاً  في الانتفاضة الثانية، فاستهدفه العدو الصهيوني ودارت فيه معركة دامت 15 يوماً، دمر على أثرها المخيم بأكمله بعد أن كبّد المجاهدون العدو خسائر فادحة.
أما مجزرة جنين هو إسم يطلق على عملية التوغل التي قام بها جيش العدو في جنين في بداية أبريل/نيسان 2002. واعترفت مصادر العدو بشراسة المعركة، مما اضطر جنوده إلى القتال من منزل إلى آخر.
وأكدت منظمات حقوق الإنسان ومنظمات دولية أخرى، أن القوات الغازية أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين، قامت بارتكاب أعمال القتل العشوائي، واستخدام الدروع البشرية، والاستخدام غير المتناسب للقوة، وعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، ومنع العلاج الطبي والمساعدة الطبية.
وقد كانت هذه العملية ضمن عملية اجتياح شاملة للضفة الغربية، أعقبت تنفيذ عملية تفجير في فندق في مدينة نتانيا، وقد هدفت عملية الاجتياح القضاء على المقاومين، وخصوصاً من أبناء حركة الجهاد الإسلامي، خصوصا أن العدو وصف جنين بأنها عاصمة "الجهاد الإسلامي". ،وكانت جنين وبلدة نابلس القديمة مسرحاً لأشرس المعارك التي دارت خلال الاجتياح، حيث قرر مجموعة من المقاومين الفلسطينيين محاربة القوات "الإسرائيلية" حتى الموت، الأمر الذي أدى إلى وقوع خسائر جسيمة في صفوف القوات الغازية، ومن ثم قامت باجتياح مخيم جنين في محاولة للقضاء على المقاومة حيث استشهد واعتقل العديد من المقاومين، كما قامت القوات "الإسرائيلية" بعمليات تنكيل وقتل بحق السكان.
فقد استشهد في هذه المعركة بحسب تقرير الأمم المتحدة 58 فلسطينيا، واعترف جانب العدو "الإسرائيلي" بمقتل 23 من جنودة قتل منهم 14 في يوم واحد، 12 منهم في كمين للمقاتلين الفلسطينيين بقيادة الشهيد محمود طوالبة الذين يقولون إن العدد أكبر من ذلك بكثير، حيث يصل العدد المتوقع إلى 55 حسب شهود العيان.
جسّد محمود طوالبة ذلك الشاب الغض الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره صورة القائد الفذ الذي لا يشق له غبار.. والذي أعد العدة ووطن النفس على الثبات وحلق بأمانيه الى أعلى مراتب الشهادة .
كان الشيخ الجنرال طوالبة دمثاً معطاءً تربطه علاقات وطيدة حسنة بممثلي قادة الفصائل الأخرى في مخيم جنين الذين عملوا معه على شحذ الطاقات من أجل جمع أكبر كمية ممكنة من السلاح والعتاد والمواد المتفجرة في مخيم جنين قبيل المعركة.
يقول الشيخ رائد طوالبة شقيق محمود والملازم له خلال الإجتياح: "شهر كامل امتد منذ إجتياح مخيم جنين في نهاية شباط 2002 وحتى مطلع إبريل 2002 أعد فيه الشيخ الجنرال طوالبة والقائد أبو جندل والقائد زياد العامر ومحمد الحلوة أطنان من المواد المتفجرة وآلاف الرصاصات وعشرات من بنادق الكلاشنكوف".
لو حلقنا عائدين بالزمن إلى الأيام التي سبقت الاجتياح الكبير لمخيم جنين وسلطنا الأضواء على ميدان المعركة لأمكننا مراقبة طوالبة والقادة الآخرين من بقية الفصائل في غرفة عمليات متحركة.. يزرعون الأرض بالمتفجرات.. يفخخون.. يوزعون المهام على المقاومين.. يرسمون مخططات للتحرك خلال المعركة.. يغلقون مداخل المخيم بالسواتر الترابية.. ينتقون أفضل النقاط لرصد تحرك الجنود عبر الأزقة.. كأنهم جنرالات محنكون تدربوا في أعرق الكليات العسكرية وحملوا في أعماقهم عبق التحدي والإصرار على المواجهة حتى الرمق الأخير.
وبالفعل فقد سطر كل منهم نموذجاً يحتذى به في البطولة والبسالة في احتضانه البندقية والتمترس خلف آمال الشهادة حتى فاضت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها خلال الإجتياح.
الأسير المحرر علاء الصمادي من مخيم جنين نقل ما تلفظ به الكابتن جمال الصهيوني أثناء اعتقاله خلال معركة مخيم جنين قائلاً: "كان هذا الضابط يلح في سؤال الشبان المعتقلين من مخيم جنين وأنا منهم عن محمود طوالبة قائلاً: هل منكم رأى جثة محمود؟ هل منكم من يستطيع إرشادي إلى مكانها؟ "ويؤكد لهم غير مرة أن القوات الصهيونية المحاصرة للمخيم ستنسحب فور تأكيدهم استشهاد طوالبة أو التوصل إلى مكان جثته!!".
محمود قائد الاستشهاديين
يصعب حصر عدد العمليات التي أسندت مسؤوليتها إلى الشيخ الجنرال محمود طوالبة.. إذ كان يفخخ من عشاق الشهادة من هم من جنين وغير جنين. حتى أصر شقيقه مراد أن يحظى بهذا الشرف. وبالفعل جهز محمود لأخيه حزاماً ناسفاً ورغم إلقاء القبض على مراد قبل تنفيذه للعملية إلا أن أطناناً من اللوم والإستنكار انصبت فوق رأس محمود فترى بعض اللاهثين على الدنيا وزخرفها الزائل يعاتبه ويقول: "أيعقل أن تفخخ أخاك؟! .. بإمكانك أن تفعل هذا مع أحد لا يمت لك بقرابة "فيكون رد المجاهد المؤمن: "والله والله لو أن والدتي أقنعتني برغبتها في التحول إلى قنبلة بشرية لفخختها بيدي".
وقد شكّلت المنازل التي كان المواطنون يعتقدون أنها آمنة هدفاً مباشراً لقوات الاحتلال، التي تعمّدت قصف جميع منازل المخيم بهدف القضاء على كل أشكال المقاومة الفلسطينية في المخيم، فدمّر الجيش "الإسرائيلي" مئات المنازل فيما أصبحت الغالبية المتبقية غير صالحة للسكن بسبب حجم الدمار الهائل الذي لحق بها. وقد جاء في وكالات الأنباء بتاريخ 10/4/2002 أن الطائرات الحربية "الإسرائيلية" من طراز "إف 16" الأمريكية الصنع شاركت أكثر من مرة في قصف مخيم جنين. فيما استبسل المقاومون الفلسطينيون في الدفاع عن مخيمهم، وواصلت الجرافات العسكرية "الإسرائيلية" هدم منازل المخيم وتشريد سكانها. وقد اشتدت شراسة الهجمة "الإسرائيلية" من قصف وتدمير لكل مظاهر الحياة في المخيم بعد مقتل 13 جندياً "إسرائيلياً" في كمين نصبه لهم المقاومون الفلسطينيون داخل المخيم بتاريخ 9/4/2002.
وفي تقرير صدر عن الجيش "الإسرائيلي" نشرته صحيفة هآرتس بتاريخ 20/4/2002 جاء فيه أن المروحيات "الإسرائيلية" العسكرية أطلقت 300 صاروخ على مخيم جنين خلال المعركة. وقد نقل مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت""الإسرائيلية" عوفر شيلح بتاريخ 19/4/2002 عن أحد جنود الاحتياط الذين شاركوا في المعركة على مخيم جنين قوله، أنهم تلقوا أوامر بإطلاق الرصاص على كل نافذة وإحاطة كل بيت في المخيم سواء أطلقت منه النار أو لم تطلق، وأضاف الجندي قائلاً، قيل لنا بوضوح "حطموهم، وأطلقوا النار على كل شيء يتحرك في المنطقة". وأنهى جندي الاحتياط حديثة قائلاً:"صحيح أننا تعرضنا لنيران كثيفة، ولكننا بالمقابل أبدنا مدينة".
أما بالنسبة لعدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في أحداث مخيم جنين، فهم بالتأكيد ليسوا 500، كما صرح مسؤولون في السلطة الفلسطينية، وهم أيضاً ليسوا "حوالي أربعين" كما جاء على لسان وزير "الحرب الإسرائيلي" بنيامين بن اليعزر. ففي تقرير وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" جاء أن عدد الضحايا الفلسطينيين يصل إلى 52 شهيداً، وهذا هو عدد الشهداء الذين تعرّف عليهم الأهالي وتم دفنهم أو التأكد من موتهم.
أما عن الدمار الذي لحق بالمخيم، فقد قامت جرافات العدو بتدمير 150 وحدة سكنية تدميراً كاملاً حيث سوّتها بالأرض، فيما تم تدمير 80 وحدة بشكل جزئي، وقامت القوات "الإسرائيلية" بإحراق 60 وحدة أخرى ولم تعد صالحة للسكن. أما القصف "الإسرائيلي" بالمروحيات وقذائف الدبابات والرشاشات الثقيلة فقد ترك خراباً جزئياً بـ 600 منزل لم تعد صالحة للسكن. وقد تسبب العدوان "الإسرائيلي" بتشريد 1300 أسرة فلسطينية أصبحت بلا مأوى بعد تدمير منازلها.
مخيم جنين.. تلك البقعة التي امتدت لكيلومتر مربع واحد فقط على صدور الجلادين الصهاينة، مازالت كالنار تستعر من تحت الرماد ورغم كل الدماء التي أريقت على ثراه ورغم كل الأسرى الذين غيبوا خلف القضبان الصهيونية، ورغم كل الجراح والآهات والآلام، بقي المخيم ومازال، وسيبقى أسطورة العزة والكرامة والشموخ وأنشودة النصر المجلجلة في فضاء المجد، وسهماً خارقاً في مقلة من يحاول طمس المقاومة أو الالتفاف عليها.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/56748

اقرأ أيضا