هرب الاحتلال من غزة، بعدما بات جازماً أن كافة جرائمه لم توقف المقاومة الفلسطينية واستهداف قياداتها ورموزها عن استهداف المستوطنين في قطاع غزة وجعل حياتهم جحيماً، وعاد خطوة إلى الوراء تاركاً خلفه تاريخ من الهزائم التي تلقاها خلال مئات المواجهات والعمليات الاستشهادية على أيدي رجال المقاومة وأعزائها.
الانسحاب "الإسرائيلي" من غزة المعروف إسرائيلياً بإسم "خطة فك الارتباط أحادي الجانب" تم تنفيذه في الخامس عشر من سبتمبر عام 2005، وبحسبها قامت بإخلاء المستوطنات "الإسرائيلية" ومعسكرات الجيش من قطاع غزة.
وكان يستوطن قطاع غزة عند القيام بالخطة 8.600 "إسرائيلي"، وطلبت الحكومة "الإسرائيلية" برئاسة ارئيل شارون من المستوطنين في الخامس عشر من أغسطس التجهز للانسحاب في غضون 8 أيام، وبدأ الانسحاب الفعلي بعد شهر أي في الخامس عشر من سبتمبر.
وتم الانسحاب بعد احتلال دام لأكثر من 38 عاماً، فكك على أثره 21 مستوطنة بقطاع غزة ما مساحته 35% من مساحة القطاع، و4 مستوطنات بالضفة الغربية.
وفي فبراير/ شباط 2004، فاجأ شارون المستوطنين بإعلان عزمه إخلاء مستوطنات قطاع غزة وأربعة تجمعات استيطانية معزولة في الضفة الغربية. وبتاريخ 6 يونيو/ حزيران 2004 وافقت الحكومة "الإسرائيلية" على خطة الانسحاب على مراحل.
وبدأ الاحتلال بإخلاء 9 من المستوطنات رسمياً من غزة واثنتان في الضفة المحتلة منذ بدء عملية الانسحاب "الإسرائيلية" في الخامس عشر من أغسطس 2005 حسب خطة شارون.
قامت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" بإخلاء سبع مستوطنات بالقوة، بعضها من الأكثر تشدداً وهدم المنازل فيها وهم (دوغيت- كيريم عتصمونا - بيدولاح- موراغ- غاني تل- نتسار حازاني- تل قطيفة).
ومن ثم أخلى الاحتلال تدريجياً كلا من (رفياح يام- بيئات ساد- نيسانيت- شيرات هيام- كفار هيام- سلاف في تجمع غوش قطيف- ايلي سيناي - غان اور).
ولكن تماطل الاحتلال في إخلاء كلا من مستوطنة ( نتساريم- بني عتصمونا- غوش قطيف- غديد)، وشبه شارون غوش قطيف بـ"تل أبيب".
وفي الضفة الغربية تم إخلاء مستوطنتين بتاريخ 15/8/2005 من أصل أربع هما (كديم وغانيم)، بينما تم إخلاء كل من (حومش وسانور) في بداية أيلول.
صعوبة حماية المستوطنين
وأحدثت خطة فك الارتباط جدلاً واسعاً في "إسرائيل" وكانت مخالفة لوعود أرئيل شارون قبل انتخابه، مع أنها نجحت بالتصويت عليها بالكنيست بعد القراءة الثالثة في 16 فبراير 2005 بأغلبية 59 مؤيد أمام 40 معارض و5 امتنعوا عن التصويت.
يقول المحلل السياسي الخبير في الشأن "الإسرائيلي"، وديع أبو نصار: "إن "إسرائيل" لم تنسحب من غزة بل هربت، حيث كانت أعمال المقاومة الفلسطينية مستمرة، وشعر شارون أنه من الصعوبة حماية هذه المستوطنات والمستوطنين من عمليات المقاومة".
وأوضح أن الاحتلال "الإسرائيلي" دفع باهظاً في صد عمليات المقاومة، فضلاً عن أنه لم يكن لديه خطة استراتيجية طويلة الأمد في البقاء في قطاع غزة، وكان غائب الأهداف والدوافع التي تجعله مستمراً في البقاء في غزة، مشيراً إلى أن الانسحاب شمل حمل المستوطنين قسرا على الرحيل وذلك خوفا على حياتهم بعد اشتداد عود المقاومة الفلسطينية.
وبيّن أن المقاومة في غزة التي كانت تطور نفسها بشكل مستمر، كانت تشكل دافعاً قوياً لدى شارون بالهروب من غزة كونها تختلف فعلياً عن الضفة الغربية في تطور مقاومتها ووجود قادتها السياسيين والعسكريين الأمر الذي سيحول هذه المستوطنات إلى جحيم.
وأضاف: "شارون وقبل أن ينسحب من غزة لم يعد من أنصار مبدئ التوسع دون حسابات، فهو لم يعد يريد التوسع فقط بل يجب أن يكون لتوسعه هدفاً ومقداراً للإنفاق المالي عليه"، مشيراً إلى أن الأراضي التي كانت تسيطر عليها "إسرائيل" في قطاع غزة وتستوطنها لم تكن ذات جودة عالية بسبب عدم توفر مقومات الحياة الترفيهية فيها.
ويرى أنه كان يجب على السلطة أن تقابل عدم انسحاب الاحتلال من الضفة، وتنصله من تنفيذ اتفاقية "أوسلو" منذ أن حاصر الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله، بتبني قواعد جديدة للعبة.
ونوه المختص في الشأن "الإسرائيلي"، أن "إسرائيل" أرادت أيضًا أن تريح نفسها من المسؤوليات الواقعة عليها كسلطة احتلال"، مشيرًا إلى أن محكمة العدل "الإسرائيلية" العليا أكدت سنة 2008 "أن حكومة الاحتلال غير موجودة في غزة ولا تتحمل المسؤولية، لكنها تدخل المواد الإنسانية إليها كعمل إنساني".
ورأى أن "إسرائيل" غير معنية بالعودة إلى القطاع، ولكن في حال قررت الإقدام على تدخل عسكري في القطاع فسيكون ذلك من خلال عملية عسكرية كبرى محدودة الأهداف دون إعادة الاحتلال.
واختتم حديثه بالقول: الصمود والإصرار والتحدي والصبر التي كان يتمتع بها سكان قطاع غزة كانت أسباباً معنوية مباشرة في حدوث هذا الهروب "الإسرائيلي".
علامة فارقة
القائد الميداني في سرايا القدس "أبو أحمد"، أكد أن عملية الانسحاب من قطاع غزة سجّلت علامة فارقة في تاريخ المقاومة على أرض فلسطين، مبيناً أن الانتصار الذي تحقق بفعل ضربات المقاومة أنقذ القضية الفلسطينية من الوحل الذي وصلت إليه بسبب اتفاقية "أوسلو" التي أضرت بالقضية الفلسطينية برمتها.
وقال أبو أحمد في تصريحات لـ"الإعلام الحربي": "بفضل الله ومنته تحقق الانتصار على أيدي الاستشهاديين الأبطال الذين رووا بدمائهم الطهور ارض المحررات قبل أن تدوسها أقدامنا" مشيداً بصمود وبسالة الشعب الفلسطيني الذي رفض الخضوع للاحتلال وواصل دعمه للمقاومة الفلسطينية حتى يومنا هذا".
وأضاف: "ما حدث في غزة عام 2005 بعون الله سيتكرر في كل بقعة ستصل إليها المقاومة الفلسطينية على ارض فلسطين".
وأشار القائد الميداني إلى أن سرايا القدس استطاعت في فترة وجيزة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى ترتيب صفوفها وإعداد عدتها لمواجهة جيش الاحتلال، فكانت عملياتها النوعية والجريئة التي قضت مضاجع العدو في كافة المغتصبات الصهيونية، مؤكداً مرور المقاومة الفلسطينية في تلك الفترة بعدة مراحل وصولا إلى مرحلة تبادل الردع التي نعيشها اليوم حقيقة واقعة.
وأوضح أبو أحمد أن "العدو الصهيوني" دخل مرحلة جديدة من الصراع حيث أصبح عاجزاً أن يواجه المقاومة على الأرض وبات لا يستطيع أن يتصدى لصواريخها التي أصابت بقرته الحلوب "تل أبيب" بفضل الله وتوفيقه للمجاهدين.
المصدر: الاستقلال