كثيرة هي الشهادات الصادمة، التي تُتَناقَل في الأيام الاخيرة، عبر مقاطع فيديو وتقارير صحافية وحقوقية، حول إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة في موسم الزيتون، ولكن أيضاً إرهاب جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين يسمحون بالاعتداءات أو حتى يشاركون فيها. ولا عجب فكل ما يحدث في الضفة، من تنامي وتوسّع رقعة الاعتداءات الإرهابية التي يمارسها المستوطنون، يحدث برعاية حكومة الاحتلال ودعم منها. وتثير الاعتداءات قلق أوساط إسرائيلية لما يمكن أن يكون لذلك من عواقب، ويصف بعضها المستوطنين بالمليشيات التي تقوم بأعمال بوغروم (اعتداءات جماعية وعنيفة) ضد الفلسطينيين، محذّرة من عواقب ذلك.
ويصف تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، اليوم الجمعة، جماعات المستوطنين بأنهم "مليشيات من الفتيان وجنود الاحتياط، مسلحون بأسلحة عسكرية، يقومون بالحرق والاقتلاع وتدمير وسائل العيش للسكان المحليين" فيما الشرطة غائبة أو تتعاون مع المعتدين، والجنود إما يقفون جانباً أو يشاركون في "الحفل". وتنقل الصحيفة في تقريرها شهادة جندي إسرائيلي حول مشاركة جنود إلى جانب المستوطنين في الاعتداء على قاطفي الزيتون من الفلسطينيين وطردهم.
منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وثّقت المنظمة الإسرائيلية "ييش دين - متطوعون لحقوق الإنسان"، وحدها، 54 واقعة اعتداء عنيف نفّذها مستوطنون ضد فلسطينيين ومتطوعين إسرائيليين وأجانب في أراضٍ زراعية سمح الجيش - نظرياً على الأقل - بقطف الزيتون فيها. ورغم تصاعد اعتداءات المستوطنين خلال موسم الزيتون من كل عام، يبدو أن هامش التساهل الذي تمنحه سلطات الاحتلال لهذه الاعتداءات قد اتسع هذا العام، بحسب ما تشير إليه "يديعوت أحرونوت"، لافتة إلى أن هذه قد لا تكون سياسة رسمية، لكن فعلياً، على الأرض، لا تبذل أي جهة أمنية، لا الجيش ولا الشرطة ولا جهاز الشاباك، جهداً حقيقياً لمنع هذه الاعتداءات أو إيقافها.
وفي العديد من مقاطع الفيديو التي توثق عنفاً شديداً ضد فلسطينيين، مثل رشق بالحجارة واعتداء بالعصي وتخريب ممتلكات أو دفع بالأيدي، يظهر في الخلفية أفراد يرتدون الزي العسكري من دون أن يتدخلوا لوقف المعتدين. ويمتنع جنود الاحتلال عن توقيف المستوطنين الذين يمارسون أعمال عنف في الضفة الغربية، رغم أن القانون العسكري يقول: "عندما يكون لدى الجندي سبب معقول للاشتباه بأن شخصاً ما ارتكب مخالفة أو على وشك ارتكاب مخالفة قد تُعرّض سلامة أو أمن شخص أو سلامة أو أمن الجمهور للخطر، فإنه يُسمح في هذه الحالة، للجندي بتوقيف ذلك الشخص للتحقق من هويته ومعلوماته الشخصية، أو لتمكين صاحب صلاحية (شرطي أو عنصر من جهاز الأمن العام) من أخذه إلى مكان لاستجوابه".
"أعمال تخريب جنونية"
وبحسب تقرير الصحيفة العبرية، فشل الجيش في منع عنف المستوطنين من "شبيبة التلال" لا يثير الغضب فقط لأن الجيش لا يؤدي واجبه وفقاً للقانون، بل لأن الأمر يتجاوز البُعد الأخلاقي، ولأنه مثير للسخرية بسبب الصورة التي يحاول الجيش أن يُظهرها، وكأنه يعمل ضد العناصر العنيفة في البؤر الاستيطانية والمزارع، لكنه لا يفعل ذلك، بخلاف إدانته الرسمية للاعتداءات. وينقل التقرير العبري شهادة جندي إشار إليه بحرف (أ)، وقال إنه أنهى خدمته العسكرية النظامية في بداية عام 2025. وكانت وحدة الجندي في الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2024 متمركزة في جنوب جبل الخليل. وتكشف شهادته، كيف يتصرف جيش الاحتلال فعلياً على الأرض، بعيداً عن التصريحات الرسمية الصادرة عن الناطق الرسمي.
ويقول الجندي للصحيفة: "ما رأيته هو أنه في أفضل الحالات، لا يفعل الجيش شيئاً أمام عنف المعتدين اليهود، وفي أسوأ الحالات، هناك جنود يشاركون فيه. وعندما أقول جنود، فأنا أقصد بشكل خاص جنوداً من وحدات الدفاع الإقليمي ( ). لم أشاهد يوماً توقيفاً لمستوطنين اعتدوا على قرية فلسطينية أو هاجموا فلسطينيين. وقد رأيت مثل هذه الاعتداءات تقريباً كل يوم". وتحدث الجندي عن "أعمال تخريب جنونية من قبل مستوطنين في القرى الفلسطينية"، منها "تكسير مشارب المواشي، وتخريب المنازل والممتلكات، وتفجير خزانات المياه، وتدمير المباني، والإضرار بالأشجار"، مؤكداً أن الجيش يقف متفرجاً "كانت هناك حوادث قام فيها مستوطنون بسرقة التبن والأغنام. كنت شاهداً على حادثة رفع فيها مستوطن خروفاً يعود لفلسطيني على شاحنته وسرقته. لم نوقف أحداً قط، ولم نحاول يوماً منع ذلك". وتابع الجندي: "الفهم بيننا كان أننا نحمي المستوطنين، وأن صلاحياتنا تنطبق فقط على الفلسطينيين".
وبحسب الجندي، كثيراً ما يستخدم الجنود أسلحتهم العسكرية "بشكل سيئ ... على سبيل المثال، توجيه السلاح نحو وجه فلسطيني من مسافة صفر. بعضهم يشارك في أعمال الشغب. يدخلون مع أكثر العناصر تطرفاً إلى القرى الفلسطينية ويتصرفون كالمجرمين، يسبّون ويركلون مشارب المياه ويهددون. في كثير من الأحيان، أقام جنود وحدات الدفاع الإقليمي حواجز بمبادرة شخصية، وأوقفوا مركبات فلسطينية، وأنزلوا الركاب، كبّلوهم، وألقوا بهم على جانب الطريق ليجلسوا هناك حتى يجفّوا. وقد فعلوا ذلك من دون الحصول على إذن من ضابط مسؤول".
وأوضح الجندي أن "لا سلطة" على الجنود الذين يفعلون هذا، "ضباطنا رأوا ذلك وتغاضوا عنه. كان لديهم دعم كامل حينها من اللواء الإقليمي (لواء يهودا، كما يُعرف). كان واضحاً أن لديهم حرية التصرف كما يشاؤون. عندما تنظر إلى طريقة تصرفهم في الميدان، تدرك أنه لا سلطة للجيش عليهم. إنهم مليشيا مسلحة خارجة عن السيطرة. لم يكن هناك من يوبّخهم أو يقول لهم إن ما يفعلونه غير مقبول. هم الزعماء الحقيقيون على الأرض، السيادة الفعلية. كما أن العلاقة بين جنود الكتيبة وعناصر الوحدات الإقليمية، كانت جيدة. كانوا يهتمون بنا، يوفّرون لنا أماكن مريحة في المستوطنات، يدعوننا إلى حفلات شواء، لمشاهدة مباريات كرة القدم معهم. إنها علاقة تتحول إلى نوع من الصداقة. وعليه عندما ترى سلوكاً غير لائق تتجاهله. لا يكون من السهل عليك أن تعترض".
"ملخص المعركة ضد العدو العربي في الأرض المقدّسة"
يحظى المعتدون الذين يعيثون فساداً في الميدان، فيفسدون موسم قطف الزيتون ويضربون نساءً مسنّات بالعصي، بحسب بعض التوثيقات، ويرشقون الحجارة بالمقاليع وهم ملثمون، أو يحرقون المركبات ويرشّون كتابات كراهية في القرى الفلسطينية، بصدى واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال مجموعات تنشر بفخر تفاصيل الجرائم بعد وقت قصير من وقوعها. وأشار التقرير العبري، إلى مجموعات منها تابعة لحركة "شبيبة التلال" الاستيطانية تنشط على تطبيقي واتساب وتليغرام لهذا الغرض.
وفي يوم الأربعاء الماضي، نُشر تحديث في إحدى المجموعات، بدأ بالعبارة: "شهر مبارك! ملخص المعركة ضد العدو العربي في الأرض المقدّسة خلال شهر تشري (شهر عبري)". الرسالة المفصلة تذكر أسماء القرى التي تعرّضت للهجوم وعدد المرات التي هوجمت فيها كل واحدة منها. وتضم القائمة نحو 50 قرية فلسطينية في أنحاء الضفة الغربية. وبحسب الملخص، فإن عدد المركبات التي أُحرقت، حتى ذلك التحديث كان 33 مركبة، وعدد المنازل التي أُحرقت 12 منزلاً، فيما عدد الفلسطينيين المصابين (جرّاء اعتداءات المستوطنين) 25. إضافة إلى ذلك: "اقتُلعت آلاف أشجار الزيتون، وثُقبت إطارات عشرات المركبات، وكُسّرت مئات النوافذ، وأُحرقت عشرات الحقول والكروم". وتُرفق هذه التقارير اليومية في تلك المجموعات بصور ومقاطع فيديو.
ويقول الجندي المسرّح (أ)، إنه غير متفاجئ من تصاعد أحداث العنف منذ بداية موسم قطف الزيتون، مضيفاً: "الجميع في الجيش يعرف أن هذه فترة متفجّرة. القادة في الكتيبة تحدّثوا معنا عن أن هذه ستكون فترة مليئة بالاحتكاكات المتوترة. وعندما بدأ الموسم، كانت تصل إلى غرفة العمليات تقارير عن احتكاك عنيف كل ساعتين تقريباً. ثم تصل إلى كرم زيتون تابع لفلسطيني. أنا شخصياً وصلت إلى عدة أحداث كهذه، وترى مجموعة من المستوطنين، بعضهم مسلحون بمسدسات... وبعضهم يحملون العصي، وهم يجلسون داخل الكرم، تحت الأشجار، ولا يسمحون للفلسطينيين بقطف الزيتون". وتكون رسالتهم: "انتهى موسم الزيتون، اخرجوا من هنا". ويضيف الجندي واصفاً المشهد: "يقفون بجانب الأشجار بحيث لا يمكنك الاقتراب منها لقطف الزيتون. المتطوعون الإسرائيليون الذين شاركوا في القطف كانوا يتصلون بالشرطة أو بالقيادة، وهكذا كانت تصل البلاغات إلى غرفة العمليات، فيُرسلوننا إلى الموقع. ثم تصل إلى المكان، وترى المستوطنين جالسين بين أشجار الزيتون، داخل الكرم، وتدرك أن هذا حدث لا يمكن الخروج منه بشكل جيد. لا ترى عنفاً جسدياً مباشراً، بل ترى مجموعة من المستوطنين المسلحين وببساطة لا يريدون التحرك. في معظم الحالات، يكون الحل الأسهل هو إصدار أمر بإغلاق المنطقة بصفتها منطقة عسكرية مغلقة، وعندها يُطلب من الفلسطينيين والمستوطنين على حد سواء مغادرة المكان. وبهذا، يتم فعلياً تفجير موسم الزيتون".
اقتصاد الناس
شهادة أخرى تأتي من منظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية، ويقولون في المنظمة إنه خلال العامين الماضيين تلقّوا شهادات من جنود أفادت بأن مستوطنين تم تجنيدهم في وحدات الدفاع الإقليمية، واستغلوا الزي العسكري، والسلاح، والصلاحيات لمهاجمة فلسطينيين. ويضيفون: "انتقلنا من جنود يؤمّنون أعمال الشغب إلى مليشيات من المستوطنين لم تعد في حاجة إلى حماية، لأنها أصبحت هي الجنود". ويؤكدون أن "ما يحدث هو دعم حكومي للإرهاب الذي يجري تحت رعاية القيادة العليا للجيش الإسرائيلي والقادة الكبار في الضفة الغربية".
من جانبه، قال نتان كنونيتس، رئيس قسم الأبحاث في منظمة "ييش دين"، إن المستوطنين وسّعوا هذا العام نطاق اعتداءاتهم لتشمل أيضاً المناطق المصنّفة بـ (بموجب اتفاقية أوسلو) وليس فقط المناطق ج كما في السابق. وأضاف: "نتلقى يومياً تقارير وتوثيقات عن اعتداءات وعمليات طرد عنيفة لقاطفي الزيتون الفلسطينيين، وسرقة محصول الزيتون، ولم يعد ذلك يقتصر على المناطق (ج) فقط.
إسرائيل تريد أن تستفيد من كل الجوانب، فهي تسلّح المستوطنين وتتركهم من دون رقابة، وتدّعي في الوقت نفسه أن عنف المستوطنين مجرد افتراء، وتريد أيضاً جني ثمار هذا العنف وضم الأراضي (الفلسطينية). هذا الواقع يضر بشكل خطير بحقوق الفلسطينيين، ويسبّب أضراراً جسيمة للاقتصاد في الأراضي المحتلة. في إسرائيل يحتجون على تدخل دولي في قطاع غزة، لكنهم يدفعون الوضع في الضفة الغربية إلى نقطة الغليان، التي ستستدعي في نهاية المطاف تدخلاً دولياً هناك أيضاً".
