وكالة القدس للأنباء - متابعة
تتعرض حركة “حماس” لضغوطات “هائلة وغير مسبوقة” للتنازل عن سلاحها كشرط بات رئيسيًا ليس فقط لإنهاء الحرب الإسرائيلية الدامية على قطاع غزة والتي دخلت يومها الـ665 على التوالي، بل تجاوز ذلك بكثير حين رُبط هذا التنازل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
الضغوط التي تتعرض لها حركة “حماس” ليس من أطراف أمريكية أو أوروبية فقط بل تلعب الدول العربية طرفًا أساسيًا فيها، حتى باتت الكثير من التصريحات تصدر علنًا وتطالب “حماس” بالتنازل عن سلاحها مقابل ما يسموه بـ”مصلحة الفلسطينيين".
توقيت هذا الطرح “الغامض” أثار الكثير من الجدل والتساؤلات حول أهدافه الخفية ونتائجه وكذلك الدول العربية التي تسعى بشكل علني لـ”نزع” سلاح حركة “حماس”، وهو المطلب الرئيسي الذي يضعه نتنياهو كشرط لإنهاء الحرب على قطاع غزة.
الجديد بهذا الملف ما نشرته صحف عبرية وعربية عن مبادرة جديدة يجري تداولها حول عرض سيقدم قريبًا ويجري التفاوض عليها ومناقشته لنزع سلاح “حماس” مقابل الاعتراف صراحة بالدولة الفلسطينية.. فهل هو فخ؟
صحيفة “معاريف” العبرية، كشفت أن إسرائيل تترقب مبادرة مصرية جديدة، تتمحور حول إقامة دولة فلسطينية مقابل نزع سلاح، وبيّنت أن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الذي وصل إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، مؤخرًا، لطرح مبادرة بلاده، التي جاءت خلال مؤتمر أمميً استهدف دعم قيام الدولة الفلسطينية.
تحركات غامضة
وأشارت الصحيفة إلى أن الوزير المصري سيطرح المبادرة السياسية الجديدة، التي تقوم على إقامة دولة فلسطينية مقابل نزع سلاح حماس، على كبار رجال إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ومن المتوقع أن يعرض الوزير المصري الخطوط العريضة على كبار المسؤولين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على أمل التوصل إلى توافق واسع بشأن “اليوم التالي” في قطاع غزة، وفقاً لمصادر دبلوماسية مصرية تحدثت لوكالة الأنباء الفلسطينية.
وأوضحت الصحيفة أن الخطوة المصرية تأتي في ظل مخاوف متزايدة في القاهرة بشأن خطوة أحادية الجانب من جانب إسرائيل، تتضمن ضم أجزاء من قطاع غزة وفرض السيادة على الضفة، كجزء مما يعرف بأنه “إعادة تشكيل الواقع على الأرض بما يتوافق مع المصالح الأمنية الإسرائيلية”.
وأفادت مصادر مصرية بأن محادثات مكثفة تجرى، حاليًا، بين مصر وقطر والأطراف المعنية، سعيًا للتوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، الذي سيكون (كما يُفهم في القاهرة) شرطًا أساسيًا لبدء مناقشات عملية بشأن إعادة إعمار القطاع وهيكلية الإدارة المدنية فيه بعد انتهاء القتال.
في حين اعتبرت وكالة الأنباء الفلسطينية، أن الأولويات مختلفة تماماً في محور واشنطن -تل أبيب، حيث تعد إعادة الرهائن الذين لا يزالون في أسر حماس، وتفكيك الجناح العسكري للحركة الهدف الرئيس في المرحلة الحالية، وهو ما يعمّق، الفجوة مع مواقف الدول العربية.
وأوضح دبلوماسي مصري كبير رافق الوزير عبد العاطي في لقاءاته في واشنطن ونيويورك أن “جذر الأزمة يكمن في أن الضغوط الدولية لا تغير الموقف الأمريكي الفعلي، فلا يزال يقدم الدعم المبدئي للسياسة الإسرائيلية، حتى لو كان يعارض علناً القضايا الإنسانية”.
في مؤتمر برعاية الأمم المتحدة في نيويورك بشأن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس “حل الدولتين”، وقعت بلدان عربية على إعلان من سبع صفحات يدعو حركة حماس إلى التخلي عن السلطة في القطاع وتسليم جميع أسلحتها للسلطة الفلسطينية. كما حثت هذه البلدان الفصائل المسلحة التابعة للحركة على مغادرة قطاع غزة.
وكرر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى هذه الدعوة من على منبر المؤتمر معربًا عن استعداده لدعوة قوات دولية إلى المنطقة للمشاركة في مهمة إعادة الإعمار والحماية.
هل هو فخ؟
وفي خضم المجاعة والقصف والانهيار الإنساني الذي يضرب قطاع غزة، تتصاعد الضغوط السياسية والدبلوماسية والعسكرية على حركة حماس، حتى بات السؤال يتردد في الأوساط الدولية: هل تتنحى حماس وتسلّم سلاحها؟ وهل تذعن المقاومة الفلسطينية لما يسمى بـ”إعلان نيويورك” الذي يطالب بترتيب جديد لغزة لا يتضمن حماس وسلاحها؟
هذا التساؤل ليس بريئًا، بل يحمل في طياته إجابة مسبقة تفضح ازدواجية المعايير الدولية. فمن جهة، تُغرق الولايات المتحدة ودول الغرب الاحتلال الإسرائيلي بالدعم العسكري والسياسي، ومن جهة أخرى، تطالب الضحية – أي المقاومة – بإلقاء سلاحها والتخلي عن دورها، في مشهد وصفه الكاتب د. عطية عدلان بأنه “صفاقة دولية” غير مسبوقة.
الضغوط تتخذ أشكالاً متعددة، تبدأ من الحصار والتجويع، ولا تنتهي بالضغوط السياسية تحت مظلة ما يُعرف بـ”المجتمع الدولي”. لكن الكاتب يرى أن هذه الضغوط – مهما اشتدت – لا يمكن أن تُجبر المقاومة على الركوع، لأن جوهرها ليس السلطة أو الحكم، بل التحرير وردّ العدوان.
ويضيف أن ما نشهده في غزة ليس صراعًا على السلطة بين قوتين سياسيتين، بل هو صراع وجودي بين حق واضح كفلق الصبح، وباطل غاشم يستقوي بالقوة الغاشمة والشرعية الزائفة.
وفي ظل الحديث المتكرر عن احتمالية سقوط حماس أو تنحيها، يؤكد الكاتب أن “حماس” ليست سوى واجهة لحركة مقاومة أعمق وأوسع، تمتد جذورها في قلوب الملايين من الفلسطينيين والعرب والمسلمين حول العالم. وإن غابت الحركة، تبقى الفكرة مشتعلة، كجذوة لا تخبو.
بل يذهب التقرير أبعد من ذلك، فيؤكد أن مقاومة حماس بطوفانها الأخير لم تكن مجرد رد فعل على عدوان، بل شكلت نقطة تحوّل استراتيجية نقلت المقاومة من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، ومن تكتيكات الجزئيات إلى استراتيجية المواجهة الشاملة، ومن ردع مؤقت إلى تهديد وجودي لكيان الاحتلال.
رغم فداحة المجازر وآلام المجاعة، إلا أن ما تحققه المقاومة من تحولات استراتيجية لا يمكن إنكاره. لقد فشلت (إسرائيل)، ومعها النظام الدولي، في كسر روح غزة أو إسكات صوتها. والمفارقة أن شلال الدماء في القطاع لم يضعف جذوة المقاومة، بل أجّجها وألهم أجيالاً جديدة على امتداد الأمة.
يرى الكاتب أن “الثبات إلى الممات نصر”، وأن مقاومة حماس، حتى وإن لم تُتوَّج بانتصار عسكري تقليدي، قد كسرت أساطير (إسرائيل)، ودقت أول مسمار في نعش ما يسمى بـ”النظام الدولي”، الذي بات عاجزًا حتى عن إدانة المجاعة.
يرفض الكاتب، بشكل قاطع، فكرة أن الوقت قد حان لتسليم المقاومة أو إعادة صياغة المشهد الغزي تحت إملاءات دولية. “الذين يريدون أن تترجل حماس من على صهوة المقاومة، لا يريدون إنقاذ غزة، بل دفنها”، هكذا يقرأ الكاتب المشهد، مؤكدًا أن من يطالب بتفكيك المقاومة إنما يخدم المشروع الصهيوني الممتد، لا مشروع الإنقاذ الإنساني.
ختامًا، يؤكد الكاتب أن “الطوفان هو الحل”، وأن المقاومة في غزة – بكل ما فيها من ألم وثمن – تمثل الكلمة الأخيرة للشعوب في وجه من أرادوا لهم الذل والموت جوعًا.
ويبقى التساؤل المطروح… هل هي مساومة؟ وهل ستقبلها “حماس”؟ وما هو الثمن؟ وما علاقة الدول العربية؟ (المصدر: رأي اليوم)