وكالة القدس للأنباء - متابعة
على الرغم من استمرارها في الدوحة، تشير التقييمات إلى أن مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة لا تزال تدور في «حلقة مفرغة»، فيما تصف مصادر مصرية الأجواء بأنها «محبطة»، وتقول إن التكرار المستمر للوعود من دون ترجمة حقيقية على الأرض، يضع الوساطة أمام أزمة ثقة حقيقية.
وتشير المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الوضع في القطاع تجاوز حدود الكارثة، وكل يوم يمر بلا تهدئة حقيقية يعني ضياع مزيد من الأرواح وتفاقم الأوضاع الصحية والإنسانية، في ظل حصار خانق وعجز عن الاستجابة الإنسانية".
وعليه، بدأت القاهرة «اتصالات مباشرة مع الإدارة الأميركية، طالبة منها التدخّل العاجل لدفع حليفها الإسرائيلي نحو تسهيل إدخال المساعدات»، بحسب المصادر نفسها، لكن حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تظهر أيّ استجابة فعلية من الجانب الأميركي. ويأتي ذلك في وقت جدّد فيه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، رفض بلاده أي مخططات تهجير قسري لسكان القطاع. وأكّد أن بلاده «تقف بوضوح ضد أي محاولة لفرض واقع جغرافي جديد بالقوة أو بالتجويع".
وتحدّث عبد العاطي عن خطة القاهرة لليوم التالي في غزة، مشيراً إلى أنها «تتضمّن تشكيل لجنة غير فصائلية لتولّي إدارة القطاع لمدة 6 أشهر، تُمهّد لتسليم السلطة الفلسطينية مسؤولية الحكم»، وأن هذه اللجنة ستتولى التنسيق الأمني والإداري، وستعمل على ضمان الاستقرار النسبي قبل بدء مرحلة إعادة الإعمار الفعلي. كما كشف أن بلاده تنتظر فقط وقف إطلاق النار لتحديد موعد مؤتمر دولي حول إعادة الإعمار.
وعلى المقلب الإسرائيلي، أبقت مصادر إسرائيلية متعدّدة، بحسب ما نقلته عنها صحف بارزة، التوقعات تحت سقف الحذر، مؤكدة استمرار الاتصالات في الدوحة، من دون تحقيق خرق جدّي حتى الآن. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر مطّلع أن التقدّم الحاصل «لم يبلغ بعد مستوى يسمح بإرسال وفد إسرائيلي رفيع إلى العاصمة القطرية»، مشيرة إلى أن العملية «تتطلب وقتاً» ولا تزال بعيدة عن نقطة الاتفاق، حتى إن مسألة وصول المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى الدوحة لم تُحسم بعد. وفي الوقت عينه، أشارت الصحيفة إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في شأن قرب الصفقة «لا تأتي من فراغ»، بحسب مصدر حكومي، بل تعكس تراجعاً ملموساً في الفجوات، على الرغم من اتهام ترامب «حماس» بتعمّد إطالة أمد المفاوضات.
أما «هآرتس» فأشارت، نقلاً عن مصدر سياسي مطّلع، إلى أن «الحديث هذه المرة لا يدور فقط حول تبادل أسرى كما كان في الصفقات السابقة، بل حول إنهاء شامل للحرب في غزة»، موضحة أن «المفاوضات الحالية تشمل ملفات شديدة التعقيد، من بينها مستقبل القطاع، وآلية إعادة الأسرى، وشروط إنهاء العمليات العسكرية». ويتضمن الاتفاق المحتمل، بحسب الصحيفة، بنداً يسمح بإضافة قضايا جديدة خلال فترة تمتد على ستين يوماً من وقف إطلاق النار المؤقت.
وتتعزّز التقديرات داخل الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد حسم أمره في اتجاه إبرام الصفقة. وهذا ما أكّده كل من المنسّق السابق لشؤون الأسرى والمفقودين، يارون بلوم، والصحافي نيسيم مشعال، الذي توقّع إحراز تقدّم ملموس قبل نهاية الأسبوع، تزامناً مع اختتام الدورة الصيفية لـ"الكنيست"، ما قد يتيح لنتنياهو "مساحة تحرك أوسع في مواجهة ضغوط التحالف اليميني".
وفي سياق متصل، أعرب المبعوث الأميركي لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، عن تفاؤله حيال قرب التوصل إلى اتفاق، مؤكداً في حديثه مع شبكة «سي إن إن»، أن «الإسرائيليين يريدون إنجاز شيء ما، لكنّ حماس عنيدة للغاية»، وأنه تمّ تقديم عروض «يتعيّن على حماس القبول بها». وأشار إلى أنّ «التفاصيل الصغيرة» هي التي تعرقل الاتفاق حتى اللحظة، لكنه شدّد على أنّ الوقت قد حان لاتخاذ الحركة خطوة عملية.
أما ميدانياً، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي انتهاء عملية «عربات جدعون»، بالتوازي مع تلميحات من رئيس الأركان، إيال زامير، إلى أن أي اتفاق لتبادل الأسرى في الأيام المقبلة «سيُعدّ إنجازاً ميدانياً». واعتبر أن الإنجازات العسكرية الأخيرة في غزة «شكّلت ضغطاً حقيقياً على حركة حماس وأسهمت في تهيئة الظروف للصفقة». لكن في المقابل، تباينت التقديرات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في شأن فعالية العمليات الجارية، إذ حذّر ضباط في الاحتياط من المبالغة في تقييم تراجع قدرات "حماس".
وأشار الضابط أورون سولومون إلى أن «الحركة لم تُهزم، بل أعادت تنظيم صفوفها، ونجحت في تأهيل بنيتها التسليحية والأنفاق الهجومية والدفاعية، مع اعتمادها حالياً على حرب الشوارع لاستنزاف الجيش». وفي السياق ذاته، لفت اللواء احتياط نوعام تيبون إلى أنّ «الجيش فقد أكثر من 40 جندياً وضابطاً منذ بدء عملية عربات جدعون من دون أن يُستعاد أسير واحد»، داعياً إلى التوجه نحو إنهاء الحرب عبر صفقة تبادل. كما لفتت مصادر أمنية إسرائيلية إلى أن الجيش أبدى استعداده لتعديل انتشاره في القطاع، ضمن أي اتفاق محتمل.