/مقالات/ عرض الخبر

الدفاع عن النفس ضد الشيطان الأكبر وملحقاته

2024/10/15 الساعة 10:41 ص

راغدة عسيران

"فهذا ليس صراعاً على جغرافيا صغيرة، انه صراع على امتلاك التاريخ وصراع على كل الارض، لان فلسطين هي مركز الصراع الكوني اليوم، ولأن التضامن من حولها سيبقى سمة العصر، حتى تسقط أوهامهم وأسماؤهم وأعلامهم، ولأن أمتنا تحمل أمانة المواجهة، مواجهة الغرب المستكبر والكيان الصهيوني ومواجهة النظام الدولي الذي يتحرك لأجل قهرنا وتركيعنا." الشهيد فتحي الشقاقي، 14/12/1992

لا يمكن نفي مشاركة الولايات المتحدة ومحور الشر التابع لها في حرب الإبادة والإستئصال، التي ينفذها كيان العدو الصهيوني منذ سنة، في قطاع غزة وسائر المناطق الفلسطينية، وفي لبنان وخاصة بعض مناطقه المصنّفة بالداعمة للمقاومة. رغم التصريحات الأميركية التضليلية التي تنقلها وسائل الإعلام المختلفة منذ سنة، والتي يراد منها أن نميّز بين الولايات المتحدة "المتحضّرة" والتي ينبض قلبها حنانا على أطفال غزة، وبين التوحشّ الصهيوني، لم يعد أي مجال للشك بأن الولايات المتحدة وملحقاتها، ومنذ أول يوم حرب الإبادة، تشارك فيها بشكل فعّال من خلال دعم الكيان الاستيطاني بالسلاح والمال والخبراء العسكريين والأمنيين، إضافة الى الدعم السياسي والديبلوماسي والإعلامي والاستخباراتي، حتى أصبح من الممكن أن نقول أنه لولا هذه المشاركة، لتوقفت المحرقة قبل شهور، بسبب ضعف الكيان المتوحش وانهياره أمام المقاومة الفلسطينية والعربية في لبنان والعراق واليمن.

ليس من المستغرب أن تشارك الولايات المتحدة في حرب إبادة شعب فلسطين وشعوب المنطقة، بسبب طبيعة هذه الدولة العدوانية، منذ دخول المستوطنين الأوروبيين الى القارة الأميركية، معتبرين أن الأرض وخيراتها لهم وليس لمن يسكنها، لأنهم يؤمنون بتفوّقهم العرقي والحضاري على سائر البشر.

منذ المذابح التي ارتكبها المستوطنون في هذه القارة بحق أهلها الأصليين، بموازاة المذابح التي كان يرتكبها الأوروبيون في قارات أخرى، للأسباب ذاتها، لم تتوقف حروب الإبادة بحق شعوب العالم ولا المجازر بحق المقاومين في أنحاء العالم، ولا الحروب العدوانية ضد كل شعب يسعى للتحرر من الهيمنة الاستعمارية الغربية.

ولم يعد من المستغرب أن يبرّر محور الشر الأمريكي عدوانه وحروبه والانقلابات العسكرية التي دبّرها بحفظه على الأمن العالمي وعلى حقوق الانسان والطفل وعلى الحريات والديمقراطية، من أجل عزل الثوار ومنع الشعوب من مساندتهم. تسعى دول محور الشر الأميركي، منذ عقود، للترويج لهذه المقولات الفارغة التي لم تثبت يوما أمام الواقع.

كانت بعض القيادات السياسية في العالم، من أميركا الى آسيا، مرورا بإفريقيا، واعية لدور الولايات المتحدة في استعباد الدول والشعوب، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث حلّت مكان الأمبرطورية البريطانية. فسعت الى تحرير شعوبها من هيمنة الشيطان الأكبر على أوطانها وعقولها، وخاصة في فترة الستينيات من القرن الماضي، حيث كان العداء للامبريالية الأميركية في دول الجنوب ظاهرة منتشرة، بسبب الحروب العدوانية والإنقلابات العسكرية الأميركية، فأرست في أذهان وقلوب شعوب العالم ثقافة سياسية واضحة معادية للغرب الاستعماري، بقيادة الولايات المتحدة.

في الثمانينيات، في الوقت الذي كانت فيه أنظمة ونخب عربية تمجّد السيطرة الأميركية على العالم وتتكيّف معها وتمدّها بأدوات السيطرة المطلقة، أطلق الإمام الخميني مصطلح "الشيطان الأكبر" الثوري في وصفه للولايات المتحدة وأطماعها في العالم، من أجل توعية الشعوب حول أهداف وممارسات هذه الدولة العظمى التي تشن الحروب وتهدّد الشعوب الرافضة للهيمنة الغربية. لقد ميّز في حينها بين "الشيطان الأكبر" الأميركي والإتحاد السوفياتي، حيث لم يعتبر أن الدولتين العُظمتين في ذلك الحين تمثلان الخطورة ذاتها على شعوب العالم، وقد تبنّت الثورة الإيرانية شعار "لا شرقية ولا غربية" للتأكيد على استقلاليتها فكريا وسياسيا واقتصاديا عن الدواتين العظمتين، ولتكون نموذجا للحركات الإسلامية التي عمّت العالم في ذلك الحين.

التقطت بعض الحركات الثورية الإسلامية هذه النظرة المتجددة الى الولايات المتحدة، أو أنها كانت قد توصّلت اليها انطلاقا من تجربتها النضالية في فلسطين، باعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة وحركات التحرر، وأن من يقف اليوم ضد مصلحة ووحدة وتحرّر شعوب الأمة هي الولايات المتحدة، "الشيطان الأكبر".

لقد كتب الشهيد القائد فتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، هذه الكلمات بهذا المعنى :  "الشيطان الأكبر لا يزال يُفسد في الأرض، بل ويزداد غطرسة وهيمنة وإفساداً وهو اليوم يقف على كل ثغورنا، زاعماً أنه يريد ان يعيد صياغة العالم من جديد، ولكن مزاج أمتنا العنيد يقف له بالمرصاد ". (الشهيد فتحي الشقاقي، 6/1993)

وفي اليمن، طرحت الحركة الثورية الحوثية شعار "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام" للتأكيد على مركزية الولايات المتحدة في كل الحروب والأزمات التي تعاني منها الشعوب العربية، لا سيما الشعب الفلسطيني الذي يواجه العدو الصهيوني.

ويبدو، وفقا للباحثة النمساوية، ماريكي براندت، أن الشعار رفع لأول مرة بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 من قبل مؤسس الحركة، الشهيد حسين الحوثي، وتوسّع بعد الإعلان الأميركي عن حربه ضد "الإرهاب" في العام 2001. وتحت الضغط الأميركي والسعودي، حيث وجّهت الولايات المتحدة تحذيراتها الى السلطات اليمنية لمنع الشعار وقمع رافعيه، اعتقلت السلطات اليمنية، بعد 2003، الآلاف من الذين كانوا يردّدونه، واستشهد المئات منهم في السجون أو خارجها. 

"الشيطان الأكبر" مصطلح أوسع من "الامبريالية الأميركية" التي تبنّته الحركات اليسارية في العالم لفضح الهيمنة الإجرامية الأميركية، لأنه يشمل إضافة الى الهيمنة والاستكبار والعنجهية، الفساد الأخلاقي والقيمي الذي يسود العالم منذ أن تولّت الولايات المتحدة مصيره وسيطرت على المؤسسات الدولية، بسبب قوتها المادية والعسكرية.

لو لم يكن "الشيطان الأكبر" يفسد في العالم، هل كان يمكن للكيان الصهيوني المتوحش أن يفلت من المحاسبة الدولية لكل جرائمه منذ إقامته على أرض فلسطين، وخاصة لحرب الإبادة التي ينفذها في قطاع غزة، أمام أعين العالم كله، ولا أحد يستطيع أن يوقف المذابح والتجويع وحرق لنازحين في خيامهم، وسياسة التطهير العرقي المستمرة؟

لو لم يكن "الشيطان الأكبر" يحمل في "جيناته" العنصرية والوحشية والكذب وحب السيطرة واستعباد الشعوب، هل كان سيسمح بذبح المدنيين وتعذيب الأسرى العزل، وتدمير المستشفيات ومراكز الإيواء والطواقم الطبية ومنع تقديم المساعدات، في كل من قطاع غزة ولبنان؟ لم ينتظر كيان العدو السماح له باغتيال القادة الثوار العظام، فهو يعرف أن للشيطان الأكبر وملحقاته الأوروبية تاريخ عريق في الاغتيالات السياسية، التي تعبّر أصلا عن سقوطه الأخلاقي. 

هذا ما يفسر ما قاله الشهيد الشقاقي في العام (1989): ""فإسرائيل" ليست حاملة طائرات أمريكية فحسب، وليست وكيلة اقتصادية للغرب فقط، لكنها قبل هذا كله الجزء البارز من التحالف الاستعماري الصهيوني. المستهدف مستقبل وثروات هذه المنطقة. وهذا التحالف خطورته شاملة على العرب وعلى المسلمين. فطالما استمرت "إسرائيل" موجودة ستظل تبعيتنا للغرب قائمة على كافة المستويات الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية ولن نستطيع أبدا أن نقيم مشروعنا الخاص".

من خلال حرب الإبادة التي ينفذها كيان العدو، تسعى الولايات المتحدة الى إعادة ترتيب المنطقة وفقا لمصالحها الاستراتيجية، وإعادة تأهيل الوحش الصهيوني كممثل مضمون لها، وقاعدة ثابتة لمصالحه، وإيجاد حاضنة عربية له عبر عمليات التطبيع لتمكين سيطرته على الإقليم.

منذ أكثر من عام، لم تتجرأ الدول العربية والإسلامية وغيرها من إنقاذ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بسبب خضوعهم للشيطان الأكبر، ولم تتجرأ أي منظمة دولية إنسانية على مواجهة التوحش الصهيوني بسبب إلتزامها بالقرار الأميركي الذي يفضي الى مواصلة إبادة من دعم المقاومة وطالب بحقه بالحياة الكريمة.

في الضفة الغربية المحتلة، تشن القوى الأمنية التابعة للسلطة حربا ضد الوجود المقاوم، لتفي بالتزاماتها إزاء من موّلها ودرّبها وجهّزها لأن تكون حامية لكيان العدو، أي الولايات المتحدة، رغم فظائع الكيان ورفضه للسلطة. يسمح النظام المصري باحتلال رفح ومحور فيلادلفيا لخضوعه للسيطرة الأميركية. يشن الإعلام العربي المتصهين التابع للمصالح الأميركية حربا إعلامية وتضليلية لبث السموم ضد من يحفظ كرامة الأمة ويمنع استسلامها للشيطان الأكبر. 

 تشنّ الولايات المتحدة حربا تدميرية على شعوب الأمة، انطلاقا من فلسطين ولبنان. هل ستنتظر الشعوب توسّع العدوان الصهيو-أميركي عليها أم ستبادر الى اتخاذ خطوات عملية ضد الشيطان الأكبر وملحقاته، وتفك ارتباطها الاقتصادي والفكري والسياسي معه، دعما للثورة التحررية التي تقودها حركات المقاومة؟

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/209620

اقرأ أيضا