/مقالات/ عرض الخبر

"إسرائيل" وإيران.. من حرب الساحات المتعددة إلى “الخيار الأخير”

2023/05/24 الساعة 12:00 م

وكالة القدس للأنباء - متابعة

لم تعد "إسرائيل" تلعب وحدها على خريطة وسط آسيا. في الأشهر الأخيرة تخرج إيران ببطء من المقاطعة التي فرضت عليها وتخلق شراكات استراتيجية مع روسيا والصين وبعض دول الخليج، وتغمز أيضاً للأردن ومصر. سياسة الحصار لرئيس الوزراء والمحافل السياسية، التي بدأت في 2009 لعزل إيران من ناحية سياسية، للضغط عليها اقتصادياً ولخلق معارضات لها من الداخل للدفع نحو سقوط النظام الذي يرغب بإبادة "إسرائيل" – لم تعد كافية لكبح نظام آية الله.

تدعي محافل سياسية سابقة بأن المذنبة في الوضع الجديد الناشئ أمام ناظرينا هي الولايات المتحدة التي أرخت سيطرتها في المنطقة. في هذا الوقت، كما يقولون، لم يتبقَ على الطاولة سوى التهديد العسكري المصداق الذي يمكنه أن يبطئ إيران. لكن في وزارة الخارجية لا ييأسون. ومنذ تسلم إيلي كوهين منصبه كوزير للخارجية وهو يتراكض في أرجاء العالم والدول المحيطة بإيران كي يواصل الجهود الدبلوماسية لعزل الجمهورية الإسلامية. قبل شهر، فتحت أذربيجان سفارة في "إسرائيل"، وفور ذلك سافر كوهن إلى تركمانستان ليدشن سفارة على مسافة 20 كيلومتراً فقط من الحدود الطويلة للدولة مع إيران.

“لاحظت وزارة الخارجية الوضع والفرص”، يقول رئيس دائرة ايرو – آسيا وغرب البلقان في وزارة الخارجية يوفال فوكس. “وزير الخارجية يولي مجال ايرو – آسيا أهمية كبيرة جداً في هذا السياق. نحن في ذروة الجهود لاختراقات جديدة في المجال”.

يدور الحديث عن استمرار مباشر لاتفاقات إبراهام، التي خلقت واقعاً جديداً مع دول الخليج، وكذا في الجهود المتواصلة في أثناء كتابة هذه السطور أيضاً مع السعودية. النظام الإيراني، الذي كان يشاهد "إسرائيل" حتى الآن وهي تحاصره بانعدام الوسيلة، خرج إلى هجوم سياسي معاد مع تضعضع نظام العقوبات عليه.

وحسب مصادر في وزارة الخارجية، يدور الحديث عن هجوم سياسي متبادل: "إسرائيل" لا تقلل من جهودها، ومن جهة أخرى لم تعد إيران تجلس جانباً. فضلاً عن محاولاتها خلق “طوق” عسكري على "إسرائيل" من خلال تفعيل ودعم “حزب الله” و”الجهاد الإسلامي” وميليشيات شيعية في لبنان – تصبح لاعباً دبلوماسياً نشطاً في الساحة المحلية.

خطة المصالحة الإيرانية

“هناك مسيرة واسعة من المصالحة الإيرانية الإقليمية”، تقول لـ “إسرائيل اليوم” سيما شاين، رئيسة برنامج إيران في معهد بحوث الأمن القومي. “أعتقد أن إسرائيل لن توقف هذه المسيرة كونها تعكس مصالح كل الأطراف فيها. عملياً، لا يوجد أي تحسن في العلاقات نفسها، في حميمية العلاقات. السعوديون يكرهون إيران وهكذا أيضاً البحرين. النقطة الأساس لهذا التطور هي خيبة الأمل من الأمريكيين ومخاوف دول المنطقة من أن السبيل الوحيد لحماية مصالحهم هو استئناف العلاقات مع الإيرانيين”.

ثمة أمور مشابهة، يقول مئير بن شباط الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي ورئيس هيئة الأمن القومي، وفي هذا الإطار أيضاً أدار الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. بن شباط هو الآخر يوجه إصبع اتهام لإدارة بايدن. فهو يقول إن “القيادة في إيران ما كان يمكنها أن تأمل بفترة أكثر راحة من تلك الحالية كي تسمح لها بمواصلة السير دون عراقيل نحو تعزيز مكانتها السياسية وجهودها في المجال النووي”.

بن شباط، الذي يترأس اليوم معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية في القدس، يضيف بأنه “يمكن معرفة تردي مكانة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط من خلال سلوك السعودية ودول الخليج التي امتنعت عن الوقوف إلى جانب واشنطن ضد موسكو، ووثقوا علاقاتهم مع الصين في إطار بحثهم عن مساند أخرى، إضافة إلى الولايات المتحدة أو كبديل عنها. كما أن هذا هو ما شجع مسيرة استئناف العلاقات بين إيران ودول الخليج رغم العداء العميق بين الطرفين”.

“رغم العزلة الدولية، نجح الإيرانيون في ذلك لأنهم عرفوا كيف يستغلون الفرص”، تقول شاين. “الذي يراجع مكانة إيران وقدرتها على استئناف العلاقات مع السعودية والإمارات، إلى جانب المفاوضات التي تجريها مع مصر والأردن، يرى لها إنجازات مهمة جداً. رغم ذلك، المصريون لن يحبوا الإيرانيين أكثر من الأهمية التي يولونها لاتفاقاتهم معنا. المعسكر السُني المناهض لإيران والذي تندرج فيه "إسرائيل" لا يزال مهماً، ونحن هناك بفضل الولايات المتحدة”.

بالنسبة للعودة إلى الاتفاق النووي الذي رفع إلى العناوين الرئيسة مرة أخرى، تقول شاين إن فرص ذلك طفيفة أساساً “لأن الإيرانيين يمتطون الجواد وهم بحاجة أقل لهذا الاتفاق ولا يثقون بالأمريكيين”.

في السعودية ليسوا ناضجين

الأسبوع الماضي، نشر استطلاع في السعودية يتناول مواقف السكان من هجوم "إسرائيلي" محتمل ضد إيران. ويتضح منه أن معظم سكان السعودية يعارضونه. تشرح شاين بأن “حرباً على حدود دول الخليج هي آخر ما يريده سكان المنطقة”. على حد قولها “هم يخشون من هجمات أخرى من جانب إيران عليهم كرد فعل، ومقابل ذلك، فإنهم لا يتعرضون لأي تهديد جراء تطوير النووي. لا يمكن أن تفعل إسرائيل شيئاً لتمنع التقارب بين دول المنطقة وإيران.

“مجرد أن استأنفت السعودية العلاقات مع إيران، فهذه ضربة للاستراتيجية "الإسرائيلية" لبناء جبهة مناهضة لإيران، لكن هذا لا يعني شيئاً حول متى وهل سيرغب السعوديون في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل". اعتبارات السعودية لعدم التقدم معنا لا ترتبط بإيران في المكان الأول، بل بالسياق الفلسطيني ومكانة السعودية كحامية الأماكن الإسلامية المقدسة”.

على حد قول شاين، فإننا “كلما تحدثنا عن إمكانية تطبيع العلاقات معهم، يكون هذا جيداً أقل للسعوديين – فهم غير ناضجين للتطبيع ويرغبون في التواصل معنا من تحت الرادار”.

كما أسلفنا، "إسرائيل" لا تيأس أمام النشاطات السياسية الإيرانية. وتقول شاين إن “هذا ليس في مستوى ما فعله الإيرانيون حول "إسرائيل". فـ”الجهاد الإسلامي” ملتزم بإيران، وكذا “حزب الله”. إذ إنهما متعلقان بإيران اقتصادياً أيضاً. أما عن الدول التي أقامت "إسرائيل" علاقات معها فهي تخاف من إيران ولا تريد العمل ضدها. وهذا لا يقلل من قيمة اتفاقات إبراهام”.

فشل عزل إيران

رغم التخوف من وحدة الساحات ضد "إسرائيل"، لا يرون في الشبكة الإيرانية حول "إسرائيل" تهديداً استراتيجياً. “يمكن "لإسرائيل" أن تتصدى لمثل هذا التهديد بسهولة كافية”، يقول مصدر سياسي. “إيران تحاول محاصرتنا مثلما نعمل حولها، لكن هذا لا يحصل. نشاطهم مع منظمات "الإرهاب" هو في المستوى التكتيكي فقط. إذا كانت للنظام الإيراني قدرة حافة نووية، فإننا سنكون انتقلنا لمرحلة أخرى”.

إن انتشار الشبكة "الإسرائيلية" حول إيران وسعينا لتوسيع اتفاقات إبراهام، هدف مركزي في سياسة وزارة الخارجية، لكن كل المحافل التي تحدثنا معها في إطار إعداد هذا التقرير تعترف بأن إيران نجحت في الأشهر الأخيرة في ضرب جهود عزلها إقليمياً. “هي لم تنتصر في الحرب، ولا حتى في المعركة في هذا السياق، لكنها نجحت في الحفاظ على مكانتها بشكل كبير جداً، وباتت تشعر بأن الميل انقلب مع الدول السُنية، ولهذا فهي تبذل جهداً أيضاً مع الأردن ومصر”، تقول وزارة الخارجية.

التهديد العسكري على حاله

في ساحة أخرى على الخريطة، أصبحت إيران لاعباً مهماً في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فتعاون النظام الإيراني مع الكرملين أصبح حيوياً لروسيا في الحرب لهزيمة أوكرانيا. في نهاية الأسبوع الماضي، أصبح الحلف العسكري استراتيجياً أيضاً بعد أن وقع رئيسي وبوتين على اتفاق لبناء سكة حديد من الهند إلى روسيا ستصبح طريقا تجارياً ذا مغزى.

“إن فشل الجهود الدبلوماسية لإعادة إيران إلى الاتفاق النووي ومشاركة طهران في الحرب في أوكرانيا يوفران فرصة للولايات المتحدة وللغرب لتبني نهج مختلف يلجم تطلعات الجمهورية الإسلامية النووية ونزعتها العدوانية، ويمنع الانجراف من جانب دول الشرق الأوسط باتجاه روسيا والصين، ويوفر إنجازاً مهماً للغرب في الصراع على النظام العالمي الجديد”، يقول بن شباط.

“على الولايات المتحدة أن تضع خياراً عسكرياً أمام إيران. حتى الآن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي أثبتت نفسها في لجم تطلعات إيران النووية. لا يجب أخذ بالحجة أن دوراً كهذا سيجر الولايات المتحدة إلى حرب. فكل سيناريو آخر ذو احتمالية أعلى للحرب”.

لردع إيران، تسير "إسرائيل" بثبات نحو الحل الفاعل الوحيد المتبقي على الطاولة: إعداد تهديد عسكري مصداق” لن تنقل "إسرائيل" مسؤولية أمنها إلى أيادي جهات خارجية”، يقول مصدر سياسي. وبالفعل، لا يكاد يمر أسبوع إلا ويكرر فيه نتنياهو فكر التهديد العسكري على إيران. في النهاية، سنرى أن الورقة التي ستلوح فيها "إسرائيل" أمام إيران لن تكون سياسية، بل عسكرية.

----------------------

الكاتب: شيريت افيتان كوهن

المصدر: إسرائيل اليوم

التاريخ: 23/5/2023

 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/193682

اقرأ أيضا