بقلم: راغدة عسيران
في الوقت الذي تحاول فيه "السلطة الفلسطينية"، إنهاء المقاومة في الضفة الغربية، والقضاء عليها، وفقا لتعليمات الولايات المتحدة، ولحماية كيان العدو، تتصاعد حالة المقاومة وتتوسّع نحو كافة المدن، حيث تلعب عائلات الشهداء دورا مهما في احتضان صعودها وانتشارها وترسيخها في المجتمع. هذا ما يوضّح للجميع أن كلّ خطوة تقوم بها "السلطة" لضرب المقاومة أو احتوائها، هي ضربة للمجتمع الفلسطيني الموحّد في المقاومة وحولها.
قبل عشرة أيام، قامت أمهات وزوجات شهداء محافظة جنين بزيارة الى عائلات شهداء جبع ونابلس، باسم "رابطة أمهات الشهداء بمحافظة جنين"، تتصدرها والدة الشهيد القائد جميل العموري (مخيم جنين)، برفقة أمهات الشهداء أحمد مساد (برقين)، شادي نجم (مخيم جنين)، تامر النشرتي (مخيم جنين)، لطفي اللبدي (اليامون)، ضياء حمارشة (جنين)، أحمد جرار (جنين)، وغيرهن. في هذه الزيارة المعبّرة عن روح المقاومة والتراحم والأخوة في الوطن الواحد، قدّمت أمهات الشهداء "التبريكات" لأنها لا تريد التعازي (كما قالت إحداهن وقد عبّر عن ذلك والد الشهيد جهاد الشامي: "لا أقبل أحد يعزيني، يهنؤوني بإبني") وجاءت لمواساة أمهات الشهداء الذين ارتقوا مؤخرا لأن "ألمك ألمنا وجرحك جرحنا.."، تقول إحداهنّ لزوجة الشهيد عبد الفتاح خروشة، وتضيف "ان شاء الله الذي صبّرنا يصبّرك ويكون معك".
لم تكن هذه الزيارة الأولى التي تقوم بها أمهات الشهداء، بل سبقتها زيارة قبل أشهر لمواساة عائلات الشهداء في بلدات جنين ونابلس، والتخفيف عن آلامهمن، وتقديم التبريكات ورفع المعنويات، قامت بها أمهات الشهداء ميتن ضبايا ويوسف صبح وأبو أيمن السعدي، وخليل طوالبة ويزن الجعبري وأحمد عابد، "الذي اقتحم وانتقم لكل فلسطين" كما وضّحت والدته بكل فخر، وغيرهن.
تدلّ هذه الزيارات والتصريحات العديدة التي أدلى بها أعضاء عائلات الشهداء، آباءهم وأمهاتهم وأبناءهم وأخوانهم وأصدقاءهم ان روح المقاومة والشهادة مترسخة في وجدان الشعب الفلسطيني، وأن مواجهة العدو الدموي والمتغطرس ومقاومته بالسلاح باتت مطلبا عاما، تجاوزت المناطق والمدن والأعمار والفئات الاجتماعية.
خلال هذه الزيارات ومناسبات أخرى، تتذكّر عائلة الشهيد القصص "عن بطولاته، طباعه وخلقه". تقول والدة الشهيد سفيان فاخوري: "خرج من السجن قبل 4 أشهر، عمره 29 عاما، كان محبوب، في البلدة، كلهم يحبونه، لم يوّذ أحد.."، وتتحدث زوجة الشهيد عبد الفتاح خروشة: "أنه كان يقرأ يوميا القرآن، كان في السجن، كان قليل الكلام كثير الأفعال" وتضيف ابنته: "والدي بطل... كان حنون.." في حين تفتخر ابنة الشهيد جواد بواقنة بوالدها بالقول أنه "شهيد الإنسانية.. شهيد الكلمة الحلوة، الذي ضحى بحاله، وبأهله من أجل أن يسعف أحد لا يعرفه".
تتذكر أيضا عائلة الشهيد عبد الله الحصري كيف كان "حنون بشكل غير طبيعي، كانت علاقتنا معه قوية"، وتسرد مقتطفات من حياته القصيرة والعطرة، بالقول أنه كان سجينا في عمر 16 ونصف عند الأشبال، ثم تحرّر كان عمره 19 عاما، ثم سجنته السلطة، وتحرّر ليتم اعتقاله من قبل الاحتلال بعد بضعة أشهر، وبعد خروجه من السجن، قال أنه لا يندم على شيء في حياته، ولا على مقاومة اليهود، و"أنا لن أرجع الى السجن، ما يعني ذلك ؟ يا السجن يا الشهادة، الله أعطاه الشهادة". وقال والد الشهيد عبد الهادي فخري نزال : "عبود لم يخش الموت، ثمرة طيّبة من شجرة طيبة، الموت لا يخيفنا، لا الاعتقال ولا النفي ولا الاستشهاد".
تفتخر عائلات الشهداء بالعمليات التي نفّذها أبناؤهم الشهداء وكونهم استشهدوا حاملين السلاح : "نفتخر بشهادة أبني" (والدة الشهيد نايف ملايشة)، "الحمد لله رب العالمين.. نال الشهادة... هو من ذهب اليهم... كلما يدخلوا (الصهاينة) الى هنا، كان يذهب لهم.. الاحتلال لا يستحق إلا هذا" (والد الشهيد جهاد الشامي)، وتضيف والدة الشهيد عز الدين حمامرة "نحن أمهات الشهداء ولادنا فدا فلسطين، فدا الوطن كله، افتخر بإبني عز وأرفع رأسي". تقول عمّة الشهيد أمجد خليلية : "الذي عمله أمجد ما أحد عمله، نفتخر بهذا الشيء... عندما كان الجيش يحضر، يتصدى لهم، بالليل والنهار وفي أي وقت". أجمعت عائلات الشهداء على القول أن أبناءهم تمنّوا الشهادة : "هو الذي اختار هذا الطريق"، وتضيف ابنة الشهيد عبد الفتاح خروشة : "كان يقول لي أنا سأصبح شهيد .. أنا كنت مبسوطة كثيرا لأن هذا حلمه وأخيرا حققه". يقول والد الشهيد محمد الدبيك: "هو طلب الشهادة ونالها الحمد لله".
أكّدت عائلات الشهداء أنها تعيش حالة الغضب والثورة ضد الاحتلال، كما عاشها أبناؤها الشهداء، فهي واعية وتفهّمت الأسباب التي أوصلتهم الى القتال والشهادة : "هؤلاء الأبطال لما يشوفوا الذبح والقتل من اليهود، سيلتحقون بهذا المجال ويتشجعون لأكثر من ذلك.." (والد الشهيد محمد الدبيك). يتحدّث والد الشهيد سفيان فاخوري عن ابنه بالقول: "تولع بالجهاد، الجهاد في سبيل الله، من أجل المقدسات الإسلامية، ابني ينظر الى الظلم، لا يسكت عليه، من أجل القدس، فدا القدس، فدا كل انسان حرّ يقول لا إله إلا الله... ظلم اليهود غير قليل". ويضيف عمّ الشهيد عز الدين حمامرة : "كل انسان عنده ضمير يحاول الدفاع عن كرامته، عن وطنه وأرضه، مثل أي شاب يريد أن يعيش في حرية، لا يطلب شيء ليس حق له، يطالب بحقه، كان طالب يعيش في كرامة وحرية، أما الشهادة والحمد لله نال الشهادة"، وأخوه: "كباقي الشباب أمجد عايش واقع احتلال، لديه أصحاب استشهدوا قبله، التحق بهم مع صديقه عز ، واقعنا هو طالما في احتلال طالما في شهداء.."
تبثّ عائلات الشهداء الأمل بالتحرير لأنها متأكدة بأن الطريق الذي سلكه المجاهدون، أكانوا أبناءهم الشهداء أوغيرهم من الأبطال، هو الطريق الصحيح، ولا سواه. من والدة الشهيد إبراهيم النابلسي التي حثّت الشباب الى تنفيذ وصية ابنها بالقتال وعدم ترك السلاح، الى والد الشهيد القائد نضال خازم الذي طالب الشباب بالالتحاق بالمقاومة "هذه هي رسالتي للشباب"، الى والد عبد الهادي نزال الذي صرّح بعد استشهاد ابنه: "رفاق السلاح لا يقولوا وداعا بل الى اللقاء، عبود واحد ان شاء الله سيخلق رجال من هذا البيت (لمواصلة الطريق).."، ووالد الشهيد سفيان فاخوري "وان شاء الله جميعنا على الدرب سائرون".يقول شقيق الشهيد داوود الزبيذي: "باستشهاد داوود،هناك ألف داوود عند دار الزبيدي.. كلنا مشاريع شهادة لتحرير فلسطين" ويضيف والد الشهيد جهاد الشامي "كانوا متوهمين ان هذا الجيل جيل فيسبوك وغيره، لكن ان شاء الله هذا الجيل هو الذي سيتحرّر، نراهن عليه، سيبيّض وجوهنا ورفع رؤوسنا لأبعد الحدود".
هذه الروح الجهادية التي تبثها عائلات الشهداء اليوم ليست وليدة الساعة، وليست غريبة عن سائر مناطق فلسطين، كما شهدت المئات من جنازاتهم، على مدار السنين، الافتخار ببطولاتهم والتعهد بحفظ وصاياهم. لكن اليوم، وفي الضفة الغربية المحتلة، تأخذ هذه التصريحات أبعادا سياسية واضحة، أولها رفض التنسيق الأمني والتعامل مع العدو ومع القوى الدولية الظالمة، لتصفية المقاومة الشعبية المسلحة، وثانيا، أن الحاضنة الشعبية التي التفت حول المقاومة والمقاومين، والتي تتصدرها عائلات الشهداء، هي التي تشكّل الوحدة الشعبية التي يجب الاستماع اليها ودعمها، وليس التآمر عليها بالدعوة الى مؤتمرات وندوات لعزلها واحتواء حالة المقاومة.