/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

التطبيع في زمن الانتفاضة

2016/07/30 الساعة 07:50 ص

راغدة عسيران

الانتفاضة مستمرة رغم كافة الإعتداءات الصهيونية، في السجون وفي المدن والمخميات وفي القرى والبلدات، في كل أرجاء فلسطين. انتفاضة القدس لم تنطفئ بل ما زال شبانها يتحدون الكيان الصهيوني بكل ما استطاعوا تحويله الى سلاح، يواجهون به المحتل في شوارع القدس وفي قرية العراقيب في النقب المحتل، وفي مدينة ومحافظة الخليل، وتجمعات المستوطنين المدججين بالسلاح. الانتفاضة تتشعب، والسجون تنتفض بعد دخول العشرات من الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية ضد الجلاد الصهيوني، دفاعاً عن الأسير بلال كايد ومحمد ومحمود بلبول، ورفضاً للاعتقال الإداري وطلباً للكرامة.

لا يمرّ يوم إلا ويقتحم الاحتلال المدن والبلدات الفلسطينية ويدمّر بيوتها، وتمّت آخر حملة تدمير المنازل في قلنديا حيث واجه المنتفضون آلة الدمار الصهيونية. وقبل ذلك، واجه مجاهدو قباطية في محافظة جنين قوات الاحتلال التي اقتحمت البلدة لتدمير منزل الأسير باسل أبو زيد واشتبكوا معها. وبين حملتي التدمير وبعدها، يواجه أهل العراقيب عملية إزالة القرية بكاملها لاستكمال تهويد النقب. العدو يعدم ويدمّر ويزجّ أهل المدن والقرى في سجونه، ويشرعن إجراءاته القمعية والإلغائية، ضد الأطفال الفلسطينيين وأهالي الشهداء، وعائلات الأسرى، والصحفيين والناشطين الإعلاميين. ولكن لم تنفع أساليبه الإجرامية إلا بإشعال غضب متجدد وإصرار على مواصلة الانتفاضة.

في قلب مدينة القدس، يحاول الصهاينة بسط سيطرتهم وسيادتهم على المسجد الأقصى، باقتحامتهم اليومية والتحكم بعدد وأعمار المصلين الفلسطينيين المسموح لهم بدخول مسجدهم، وملاحقة المرابطين والمرابطات، ما أشعل شرارة الانتفاضة قبل عشرة شهور، حيث أكدّ أقارب وأصدقاء الشهداء الذين سقطوا أن الدفاع عن الأقصى ضد سيطرة الصهاينة عليه كان من أهم دوافع عملياتهم الفدائية ضد الاحتلال، الذي يستمد قوته وعنجهيته من التواطؤ العالمي والتطبيع العربي والإسلامي.

لم يتجرأ العدو على تصعيد خطواته التهويدية لولا التطبيع العربي والإسلامي، الذي شهد في الفترة الأخيرة تصعيداً خطيراً، تمثّل بخطوات مصالحة والمشاركة في مناظرات "حوارية" ومؤتمرات صهيونية، وزيارات الى فلسطين المحتلة ولقاءات مع مسؤولين صهاينة وتصريحات مؤيدة للعدو ولإجراءاته التهويدية، والمعترفة بسيطرته على القدس والمناطق المحتلة عام 1948. لم ينج المسجد الأقصى من هذه الهرولة التطبيعية، لا سيما في تصريحات اللواء المتقاعد السعودي، أنور عشقي، الذي شكر الصهاينة خلال زيارته التطبيعية إلى فلسطين المحتلة، كما صرّح لـ"اليوم السابع" المصرية، لأنهم فتحوا "الأبواب للفلسطينيين من الضفة والقطاع فى رمضان للصلاة بالمسجد الأقصى"، عوضاً عن توجيه الشكر الى أهل فلسطين لتضحياتهم اليومية دفاعاً عن المسجد الأقصى ضد التهويد وبسط السيادة الصهيونية عليه. إلى جانب تنكّره لتضحيات الشعب الفلسطيني ولشهدائه وأسراه وللمرابطين الذين يدافعون عن شرف الأمة، اعترف، بتوجهيهه الشكر الى المعتدي، بالسيادة الصهيونية على المسجد الأقصى، ووافق على تحكّم الصهاينة بالمصلين الفلسطينيين وعلى إملاءاتهم وترتيباتهم التهويدية.

في الآونة الأخيرة وفي مجال التطبيع، استعادت تركيا علاقاتها مع الكيان الصهيوني، بعد التخلي عن شرط رفع الحصار عن قطاع غزة، واستبدلته بتوفير الكهرباء وبعض المساعدات، التي ستصل عن طريق العدو وأدواته الاستخباراتية، ما يعني الموافقة على تحكّم الصهاينة بمصير الفلسطينيين في قطاع

غزة والتعامل مع الكيان المغتصب كواقع "طبيعي" في المنطقة. ومن جهة أخرى، شارك مثقفون وسياسيون عرب وفلسطينيون في مؤتمر هرتزيليا الصهيوني الذي يخطط سنوياً لتوسيع العدوان على الفلسطينيين والعرب. كما شارك الأمير السعودي تركي الفيصل، مدير المخابرات السابق، في لقاءات مع مسؤولين صهاينة، بينهم الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين، ومئير لبيد، زعيم الحزب الصهيوني "هناك مستقبل". وفي لقاء آخر جمعه مع مستشار "الأمن القومي" الصهيوني يعقوب أمريدور، صرّح تركي الفيصل أن "حصانة الدول العربية ستكون أقوى في ظل التعاون مع اسرائيل". وأخيراً، زار اللواء السعودي المتقاعد، أنور عشقي، الكيان المحتل، مصطحباً معه باحثين من المعهد الذي يترأسه، حيث التقى بمدير عام وزارة الخارجية في كيان العدو، للمرة الثانية على الأقل. الملفت في معظم هذه اللقاءات أنها تختبئ تحت ستار "الأكاديمية"، كما هو حال المسؤولين السعوديين السابقين والمطبّعين في مؤتمر هرتزيليا (من بينهم إستاذ أردني وباحث قطري)، وكأن أكاديمية الكيان المحتل مستقلة وتعمل لتقدم البشرية، وليست مؤسسة خططت وتخطط لتدمير المجتمعات العربية والإسلامية.

كان الشهيد فتحي الشقاقي، المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وأمينها العام الأول، والذي اغتاله الموساد الصهيوني في 26 تشرين الأول 1995 خشية من أفكاره وتوسع حركته، قد حذّر من التطبيع مع الكيان المحتل، الذي يهدف الى "تغيير العقل العربي الإسلامي، أي إعادة تشكيله لتسهيل التعامل مع المشروع" الصهيوني وذلك لأن "التطبيع يعني للصهيونية الرضوخ العربي الإسلامي لحقيقة وجود الكيان كأمر واقع لا مجال لإزالته، وبالتالي إنهاء الصراع معه، وهذا يوفر للكيان الظروف المناسبة للتفرغ والتوسع وتحسين الاقتصاد والهيمنة السياسية".

بعد التخلي العربي والفلسطيني الرسمي عن أهداف التحرير والعودة، اعترفت معظم الدول العربية بوجود الكيان على الجزء الأكبر من أرض فلسطين، وإن لم تقم علاقات ديبلوماسية معه، والتزمت بالخطاب الدولي المؤسس للعدوان الاستيطاني الاستعماري عام 1948، معتبرة إياه "منصفاً" للشعب الفلسطيني. وما "مبادرة السلام العربية" التي تبنّتها الدول العربية في 2002 والتي يسعى كل من تركي الفيصل وأنور عشقي للترويج لها، خلال لقاءاتهما مع أركان العدو، إلا وعداً عربياً رسمياً بالتطبيع الكامل والشامل، من شأنه أن يمكّن للسيطرة الصهيونية والأميركية على العالم العربي. فتصريح أنور عشقي لصحيفة "القدس العربي" مؤخراً بأنه "في حال تبنّت "إسرائيل" مبادرة السلام العربية سندعوها لتكون شريكة في السوق الحرة وهذه فرصة لها لتحقيق أرباح بالغة" تأكيد على ما حذّر منه قبل عقود الشهيد فتحي الشقاقي.

المصدر: وكالة القدس للأنباء

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/96003

اقرأ أيضا