/مقالات/ عرض الخبر

عندما يتنكّر المطبّعون لتاريخ الأمة ويزوّرون تاريخ فلسطين

2020/08/24 الساعة 01:08 م
ضاحي خلفان من طابور المطبعين
ضاحي خلفان من طابور المطبعين

بقلم: راغدة عسيران

يعيش المطبّعون في زمن الصهاينة. تخلّصوا من ماضيهم القريب والبعيد ليتقمصوا تاريخا زيّفته الصهيونية العالمية والأكاديمية الغربية، قبل أن يتلفقّه الإعلام المموّل من الدوائر الاستكبارية العالمية. وآخر مثال لهذا التزوير والتنكّر لتاريخ الأمة وشعوبها، هو ما نُقل عن قائد شرطة دبي سابقا، ضاحي خلفان تميم، في سلسلة تغريدات على تويتر يقول فيها أن "إسرائيل دولة في المنطقة وجزء لا يتجزأ من الأرض العربية.. حتى لو قسمتها السياسة، فإن التاريخ والجغرافيا يجمعنا باليهود"، منتقدا "فكرة رمي إسرائيل في البحر" أي زوالها عن الخارطة العربية، لأن "اليهود عيال عمنا".

ما قاله ضاحي خلفان ليس بالجديد، فهو يعيد الأدبيات التي راجت منذ عقود عدة في بعض الأوساط الجاهلة بتاريخ المنطقة. وكان القائد الراحل د. رمضان شلّح، الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، قد ذكر هذا "الانتساب الوهمي الى ماضٍ مضيّع يتم استحضاره بشكل ممسوخ ليخدم أهدافا سياسية مباشرة، ويُنتج ثقافة وسياسة تلفيقية هي ثقافة وسياسة "النكبة الثالثة".

لم تميّز بهذه الأدبيات بين اليهود والصهيونية، ولم تربط بين إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين والهجمة الإمبريالية الغربية الاستعمارية، على الأمة لتقسيمها ونهب خيراتها، وإخراجها من التاريخ. ولأنه يجهل تاريخ الأمة الحقيقي، القريب والبعيد، ويجهل القيم والدروس التي استنتجتها الشعوب من مسار تاريخها، كالدفاع عن كرامة الانسان والمجتمع (هيهات منا الذلة !)، ينبهر هذا التيار المطبِّع أو القابل للتطبيع مع العدو الصهيوني بمظاهر القوة، وتكديس المال وتطوّر العلوم والتكنولوجيا، معتبرا أن تاريخ الأمة وعقيدتها يقفان حاجزا أمام هذا التطوّر وليس الاحتلال والتجزئة والتبعية والتخلف والتنكّر لهذا التاريخ.

يروّج المطبّعون والمقبلون على التطبيع تاريخا قديما زيّفه الصهاينة لتبرير احتلال واستيطان فلسطين والأرض العربية. لكن الشعوب العربية الواعية لتاريخها وجغرافيتها تميّز بين اليهود الذين كانوا يعيشون معهم في بلدانهم، من المغرب العربي الى العراق، وقد يعتبرونهم "عيال عمنا" لأنهم عرب. فلذلك لم ينخدعوا، كما ينخدع الجهلة، بالفكر الصهيوني الاستعماري، الذي ولد في العواصم الأوروبية والغربية خصوصا، والذي دمّر اليهود العرب أنفسهم، واقتلعهم من أوطانهم وحوّلهم الى مستوطنين وقتلة، قبل أن يدمّر شعوب الأمة بكل مكوّناتها ويمنعها من العيش بسلام وأمان، لأن الفكر الصهيوني بحد ذاته هو فكر عنصري، يفكّك المجتمعات ويزيّف تاريخها ويثير الفتن بينها.

ما يتنكّر له ويتجاهله المطبّعون في تاريخنا، هو التفاف الجماهير حول كل زعيم يوحّد الأمة لمحاربة الغزاة، من إيام الغزو الفرنجي والمغولي الى غزو الصهاينة لفلسطين، ومشاركة الشعوب الحيّة بمقاومة المحتل، دون النظر الى الحدود التي وضعها الاستعمار الغربي.

هو الضمير الحيّ العربي الذي جعل الآلاف من أبناء الأمة يتزاحمون للدفاع عن فلسطين، قبل أن يتآمر الحكام ويقبلون الرشاوى مقابل اتفاقيات تضمن حكمهم و"حدود" دولهم، ومحو فلسطين من الخارطة.

لقد وصل المتطوّعون العرب من العراق والجزيرة العربية وسوريا الكبرى ومصر ودول المغرب لينصروا أهل فلسطين ضد العدوان البريطاني والصهيوني، معتبرين أن فلسطين، الجزء المركزي من الأمة، في خطر، وأن القدس والمسجد الأقصى ومقدسات الأمة في خطر.

ولأن شعوب الأمة لم تتأثر بتغلغل الفكر الصهيوني والاستشراقي الغربي في أوساط النخب التي تأقلمت مع الاستعمار، اندفعت لمحاربة الغزاة، بكل مكوّناتها الدينية والمذهبية والأثنية، في فلسطين وقبلها في سوريا وطرابلس الغرب والعراق والمغرب العربي. قبل أن يستقرّ في فلسطين في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، ويفجّر ثورة 36-39 ضد الاستعمار البريطاني والغزاة الصهاينة، حاول الشيخ عز الدين القسام (من سوريا) الالتحاق بالثورة في طرابلس الغرب ضد الاستعمار الأيطالي، وقد شارك في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا.

يذكر المؤرخون مشاركة ما سميّ لاحقا "الأقليات" في معارك التحرير، في بلدانها وفي فلسطين خلال ثورة 36-39، ثم ضد قرار التقسيم (1947) واحتلال فلسطين (1948).

ولأن شعوب الأمة، بحسها الفطري وانتمائها الديني والتاريخي، اعتبرت أن فلسطين ومدينة القدس تحديدا تمثلان عنوان كرامة الأمة وبقائها، وأن هذا الغزو الجديد قد يدمّرها ويفتّتها لأنه نابع عن كراهية وعنصرية ومتجسد بوحشية عصرية لا ترحم، التفّت حول الشعب الفلسطيني المظلوم وحاولت، رغم نخبها المتغرّبة والمتحالفة مع الأجنبي، تقديم له الدعم ومساندة مقاومته.

ناور المتطوّعون، بعد اشتداد الحصار على فلسطين، لتزويد الثوار بالسلاح والمال والمؤن، ويذكر المؤرخون مشاركة أهل الجزيرة العربية بالتطوّع والدعم، باعتبار أن المعركة في فلسطين ضد البريطانيين والغزاة الصهاينة هي معركتهم أيضا، لأن العدو واحد.

يتنكّر المطبّعون لهذا التاريخ، بل يخجلون من مشاركة أبناء جلدتهم في معارك التحرير ضد الغزاة الجدد، ويتذرعون، لتبرير خيانتهم التطبيعية، بأنهم قدّموا الكثير دون فائدة، بسبب ما يسمونه "الفساد الفلسطيني"، أو بأن حان وقت "السلام" مع الغزاة، تحت رعاية الاستكبار الأميركي أو الأوروبي. فهم لم يستسلموا فقط أمام العنف والإرهاب والوحشية، الذي امتاز بها الغزاة الصهاينة في فلسطين، بل وافقوا على الفتن المستحدثة وبرّروها لإبعاد الشعوب عن الالتفاف حول الفلسطينيين المقاومين والصامدين والمدافعين عن المقدسات.

تبنّى المطبّعون تاريخا معاصرا مستوحى من الغرب، ينفي وحدة الأمة ويمجّد "أبطال" من ورق تعاونوا مع الدوائر الغربية لنيل "استقلال" بلادهم، في حين لا تذكر مناهجهم المدرسية الأبطال الذي ضحوا واستشهدوا الى جانب الشعب الفلسطيني المقاوم، في فلسطين قبل النكبة وبعدها.

من أجل الوقوف أمام الهرولة التطبيعية بعناوينها المختلفة، "السلام" أو "الحياد" أو "بناء الدولة العصرية"، وللحدّ من انتشار الفكر الإنعزالي وتزوير التاريخ المبرِّر للتطبيع، على الإعلام العربي والمثقفين المنتمين الى أمتهم والأحزاب والحركات الوطنية إعادة الاعتبار الى مساهمة شعوب الأمة وأبطالها وأحرارها في معركة التحرير التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد الغزو الصهيوني وإعادة إحياء ما آمنوا به، الفكر التحرري الوحدوي الذي انتصر سابقا على الغزاة والذي يعزل المطبّعين وقابلية التطبيع مع المحتل.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/157471