/مقالات/ عرض الخبر

تجريم التطبيع مع العدو

2017/09/29 الساعة 08:21 ص
التطبيع مع العدو
التطبيع مع العدو

وكالة القدس للأنباء – متابعة

بقلم: راغدة عسيران

منذ سنوات، تحاول جمعيات ومؤسسات عربية مناهضة للكيان الصهيوني إثارة مسألة تجريم تطبيع العلاقات مع العدو قضائيا، لا سيما في الدول التي فتحت أبوابها أمام التغوّل الصهيوني المباشر وغير المباشر في مجتمعاتها، دون التوقيع على اتفاقيات "سلام" أو إقامة علاقات رسمية مع كيان العدو، لا سيما بعد اتفاقيات أوسلو.  بعد تصاعد موجة التطبيع المؤسساتي والفردي الذي طال معظم الدول العربية، في الآونة الأخيرة، وقفت هذه الجمعيات ضدها، كما فعل أفراد (من المثقفين والفنانين والرياضيين)، غير أنها وجدت نفسها تواجه تياراً جارفاً يصبّ في مسار تطبيعي مدعوم من قبل أنظمة عربية تسعى لإنهاء الصراع مع الكيان المغتصب ومقاطعته، ومن قبل المجتمع الدولي الضامن لوجود الكيان المحتل والذي يحث على تطبيع العلاقات معه.

من المغرب إلى البحرين، مرورا بتونس ولبنان، تختلف حالات التطبيع من بلد الى آخر.  في بعض الدول كلبنان مثلا، يعتبر التطبيع جريمة، إلا أن تعارض مصالح الفئات الحاكمة وارتباط بعضها بالمصالح الغربية الداعمة للتطبيع منع أكثر من مرة ملاحقة الفرد المطبّع أمام المحاكم، في الوقت الذي تسعى فيه جهات لفتح باب التطبيع بحجج مختلفة، منها حجة "زيارة الأماكن المقدسة"، أي أنه رغم التجريم الرسمي للتطبيع، تجوب في الأفق أجواء مستعدة له إذا سقط هذا التجريم.

تقيم مصر والأردن والسلطة الفلسطينية علاقات تطبيعية رسمية مع العدو، رغم الرفض الشعبي لهذه العلاقات، إلا أن فئات مجتمعية معيّنة استفادت منها، وتسعى إلى تطويرها، اقتصاديا وأمنيا وثقافيا.

في البحرين، ينحصر التطبيع، كما يبدو، في العائلة المالكة وأعوانها، وهي في صراع مع مجتمعها، المناهض للتطبيع في كافة أشكاله.  تشير التقارير الصحافية الى أن بداية العلاقات التطبيعية بين البحرين وكيان العدو بدأت في العام 1994، منذ اتفاقيات أوسلو، كما حصل في معظم الدول العربية، لا سيما الدول الخليجية (قطر، الإمارات) ودول المغرب العربي (تونس والمغرب)، إلا أن النظام البحريني استمر في علاقاته، رغم اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 وطوّر علاقات مع الكيان الصهيوني متعددة الجوانب، ثقافية وأمنية وتجارية، تحت ستار "حوار الأديان"، الى أن وصل الأمر إلى الإعلان عن نيته بإقامة علاقات ديبلوماسية، على غرار الأردن ومصر.  

أما في تونس والمغرب، فالعلاقات التطبيعية مع "الإسرائيليين"، من قبل أفراد ومؤسسات، تجاوزت التطبيع الرسمي، السري والعلني، الذي رافق الأنظمة منذ إقامة الكيان الصهيوني. وبعد تراجع هذه الظاهرة مع إنتفاضة الأقصى، عادت موجة التطبيع العلني على وقع الأزمات السياسية الداخلية والإقليمية، حيث استغّل المطبّعون هذه الأوضاع لاستفزاز مجتمعهم وهرولتهم الى الكيان، ولاستضافة "إسرائيليين" في إطار ندوات ومهرجات دولية.

 رغم اختلاف حالات التطبيع من دولة الى أخرى، تواجه الحركات المناهضة له، والتي تعمل بعزلة عن زميلاتها في دول عربية أخرى، المشاكل والتحديات ذاتها، وتواجه ذات الحجج المسوّقة لرفض تجريم التطبيع في بلادها، ليس قضائيا أو دستوريا فحسب، بل إعلاميا وشعبياً، أي اعتبار كافة أشكال التطبيع جريمة يجب محاسبة من يرتكبها، إن كان في السلطة أم خارجها.

من بين هذه التحديات، ما صدر تعقيباً على اقتراح نائب مغربي رفض تجريم التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني، في عام 2013، بعد إثارة المسألة من قبل شخصيات وطنية في البرلمان المغربي.  فذُكرت عدة مبررات تنطلق منها بعض النخب المغربية لرفض تجريم التطبيع، وهي: موقف "الفلسطينيين" (السلطة الفلسطينية) التي طبّعت علاقاتها مع "إسرائيل"، رفض الاهتمام بقضايا "جانبية" و"ثانوية" (القضية الفلسطينية) في هذه الفترة الحساسة التي تعيشها المملكة المغربية، مسألة "الصحراء الغربية" بحاجة إلى الولايات المتحدة، ومفتاح العلاقات بين النظام المغربي والولايات المتحدة هو الكيان الصهيوني، وجوب الاهتمام بالمصالح المغربية قبل أي مصالح أخرى، حيث "الفلسطينيون" "الذين باعوا أراضيهم لليهود" لا يستحقون المساعدة، وجود حوالي 300.000 صهيوني (في الخمسينات من القرن الماضي) من أصل مغربي في كيان العدو، وهم صلة وصل بين المغاربة و"إسرائيل"، و"إسرائيل" تدعم المغرب في عدة مجالات، فيجب النظر الى المصلحة "الوطنية" قبل النظر الى "الفلسطينيين".

تشير هذه التعليقات الرافضة لتجريم التطبيع، باستثناء اتهام الفلسطينيين بـ"بيع أراضيهم لليهود" (التي لا يسوّقها اليوم إلا الصهيوني الواعي)، إلى عدم ربط هذه النخب بين مصلحة بلادهم ومصلحة "الفلسطينيين"، أي أن نظرتها للقضية الفلسطينية مطابقة لنظرة من وقّع اتفاقيات أوسلو، وأخرج فلسطين من الهمّ العربي، وأن هذه النخب لا تربط بين التطبيع والتواطؤ الرسمي العربي من جهة، وتصاعد الاستيطان الصهيوني والتطهير العرقي وتدمير المقدسات والاغتيالات والقتل والاعتقالات، فهي لا ترى أو لا تريد أن ترى أن موقفها من الكيان الصهيوني، حتى في المغرب، أو أي بلد عربي أو أجنبي، له تأثير مباشر على ممارسات كيان العدو، وذلك لأن الكيان الصهيوني كيان مصطنع يحتاج الى دعم خارجي دائم لمواصلة مشروعه الإرهابي، دعم مادي ودعم معنوي، والتطبيع معه يقدّم على الأقل دعماً معنوياً، يستغلّه الصهانية مباشرة في إقامة مستوطنة أو إغتيال مقاوم أو هدم قرية في النقب.

هذه النخب التي ترفض تجريم التطبيع مع العدو لا تدرك، أو هي تغضّ النظر عن، أن التطبيع هو أيضاً موافقة على التواجد الصهيوني في الدول العربية وتغلغل نفوذه في نواحي الحياة كافة، الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية.  عدم تجريم التطبيع معه يعني فتح المجال لسيطرته، مباشرة أو عبر الدول الداعمة له، على المجتمعات العربية والإسلامية، ومنع، تالياً، أي توجه وحدوي واستقلالي يرفض التبعية للغرب الامبريالي والنيوليبرالي.

لهذه الأسباب، على الجمعيات والمؤسسات المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الإجابة، أولاً، على كافة الأسئلة المطروحة في الساحات العربية، وتوضيح العلاقة بين "دعم الفلسطينيين" و"استقلال وتنمية" دولها، ولماذا يجب تجريم التطبيع قضائياً ودستورياً، وتوسيع القاعدة الشعبية المطالبة بهذا التجريم، وضرورة تطبيق القانون ضد المطبّعين، لأن التطبيع يمسّ أيضاً الأمن الوطني، ويكفي الاستدلال بمشروع مياه "قناة البحرين" بين الكيان الصهيوني والأردن والسلطة الفلسطينية لتوضيح الخطر.  وعليها، ثانياً، التواصل والعمل المشترك في الدول المطبّعة رسمياً أو غير المطبّعة، واعتبار أن أي تطبيع يجري في بلد عربي يؤثر على وضع بلدها.  ذلك يتطلب وضع خطة شاملة ومشتركة للتصدي لتيار التطبيع، المدعوم دولياً، عبر تنسيق حملات إعلامية وشعبية ضد أشكال العلاقة كافة مع الكيان، الرسمية أو الفردية، رغم اختلاف الحالات.  ذلك يتطلب وضع رؤية واضحة حول التطبيع وأنواع المطبّعين، وأضراره وكيفية مواجهته، والتركيز على أن التطبيع الرسمي وغير الرسمي العربي، إضافة إلى أنه  يساهم في محاصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته، يشكل عدواناً على الأمة، يجب التصدي له.

في هذا الخصوص، على الجمعيات والمؤسسات المناهضة للتطبيع أن تميّز حملتها عن حملة المقاطعة الدولية، واعتبار الحملتين متكاملتين، حيث المطلوب ليس مقاطعة البضائع والمغنين والرياضيين "الإسرائيليين"، بل منع التجار من استيراد هذه البضائع ومنع استضافة هؤلاء الصهاينة في الدول العربية، ومقاضاة الجهات الرسمية وغير الرسمية التي تتعاقد معهم، والتصدي للضغوط الخارجية.   لقد وضّح باحثون في الأردن وتونس الفرق بين حركة المقاطعة وحركة مناهضة التطبيع، استراتيجياً وعملياً، وأظهروا أن المقاطعة لا تعيد النظر في مسألة العلاقات مع الكيان الصهيوني، بل تقاطع بضائعه وفنانيه ورياضييه كوسيلة للضغط عليه كي يحترم "حقوق الإنسان" أو يكفّ عن استيطانه وحروبه.  أما مناهضة التطبيع فتعني رفض أي علاقة مع الكيان الصهيوني المصنّف كعدو، والمطالبة بالتصدي له ودعم المقاومة لتحرير فلسطين.  ذلك ممكن بالوحدة والتنسيق بين حركات مناهضة التطبيع، وبالعمل لتحشيد القوى الشعبية، الضامنة الوحيدة لنجاح أي حملة مناهضة لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/116237

اقرأ أيضا