وكالة القدس للانباء – خاص
عظمة إنتفاضة القدس، أنها اشتعلت واستمرت في أحلك الظروف وأقساها فلسطينياً، عربياً وإسلامياً، وكلما ظنَوا أنَها خبت، ازدادت وهجاً وعطاء، وابتدعت أساليب جديدة في توجيه الطعنات لصدور جنود الاحتلال الصهيوني والمستوطنين.
كان البعض يراهن على إمكانية تحرَك المشاعر والضمائر العربية والإسلامية تجاه ما يجري، دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى، وانتصاراً للحق و"انتفاضة القدس"، غير أن هذا الرهان بات سراباً بعد تخاذل الجميع وغيابهم عن الدعم ولو بالكلمات وعبر وسائل الاعلام.
العرب اليوم غارقون في دمائهم، وقد مزقتهم الصراعات والفتن، وبدل أن تعيد فلسطين جمعهم، تآمروا عليها، وبعضهم ذهب بعيداً في ذلك عندما عمَق صلاته بالعدو الصهيوني، من خلال تطبيع العلاقات السياسية والتجارية والأمنية والاعلامية وغيرها، فيما البعض الآخر ما زال يلهث وراء كسب ود هذا العدو متوهماً بأنَ التعاون والتنسيق معه يفيده في مواجهة "أعداء مشتركين"!
هذا الواقع المزري استغله الكيان الصهيوني أبشع استغلال، ففاقم من حملاته ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والداخل المحتلين وقطاع غزة المحاصر، فارتكب المجازر تلو المجازر، وضاعف من موجات الدهم والاعتقال والإعدامات على الحواجز، وسن القوانين التي تسمح له بالتمادي في ملاحقة الفلسطينيين حتى الأطفال منهم، ومصادرة الأراضي وهدم المنازل، وإقامة المزيد من المستوطنات وتوسيع القديم منها، ومواصلة الحفريات تحت المسجد الأقصى، وقبة الصخرة، وتدنيس قطعان مستوطنيه للمقدسات الاسلامية والمسيحية.
استثمر العدو الصهيوني الترهل العربي والهرولة باتجاهه، للرد على منتقديه في العالم، وعلى مؤسسات المقاطعة، لمحاولة إفهامهم بأن ما يمارسه ليس إلا "حق الدفاع عن النفس"، وها هم العرب يشاطرونه رؤيته ولا يترددون في عقد الصفقات معه. بل أكثر من ذلك فهو يحاول أن يستثمر التردي العربي – الإسلامي، ليوجه دعوات إلى الشركات العالمية لإقامة مزيد من المشاريع في المستوطنات، مدعياً بأن كيانه المصطنع "واحة من الإستقرار والديمقراطية"، وما يحدث على يد شباب وشابات الانتفاضة "مجرد شغب"، وأعمال "إرهابية".
ساعد العدو في الترويج لأكاذيبه، التعتيم الإعلامي العربي المخزي، حيث تعمدت بعض الوسائل الاعلامية العربية إلى فتح صفحاتها أو شاشاتها لبث سمومه وادعاءاته، مغيباً حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ومخفياً حقيقة أرقام القتلى والجرحى الصهاينة، وحصر المادة الإعلامية على بيانات العدو وتصريحاته.
وما هو أدهى وأمرَ، أن هذا الإعلام العربي – باستثناء الفلسطيني المقاوم منه - يساهم بدوره في إظهار "انتفاضة القدس" على أنها "عمل يائس"، بل أكد البعض علانية على أن عمليات الطعن والدهس الفلسطينية "عدوان على المدنيين الإسرائيليين الابرياء"!
رغم كل ذلك فشلت كل هذه الوسائل الرخيصة من تيئيس الشباب المنتفض، بل ولدت لدى هذا الجيل الفلسطيني حافزاً قوياً لتصعيد مقاومته، إيماناً منه بصدق رؤيته، وصوابية مقاومته ونشاطه.
أما على الصعيد الاسلامي، فإذا ما استثنينا قرارات وإجراءات الجمهورية الاسلامية الإيرانية في دعم ومساندة "انتفاضة القدس"، فإننا لا نرى صوتاً إسلامياً قوياً آخر يصب في خدمة هذا التوجه، فقد قررت إيران، تقديم 30 ألف دولار أمريكي لكل أسرة فلسطينية هدم الاحتلال منزلها خلال فترة هذه الإنتفاضة، ودفع ستة آلاف دولار لكل أسرة شهيد، هذا إضافة إلى المساندة السياسية والإعلامية والتعبوية، لتعزيز دور المقاومة ضد الغدة السرطانية الصهيونية.
لاقت الخطوة الإيرانية هجوماً واسعاً، بخاصة من قبل العدو الصهيوني وحلفائه، باعتبار أن هذا الدعم من شأنه أن يشجع الشباب والعائلات الفلسطينية على مواجهة كيان الاحتلال ومستوطنيه.
ورأى العديد من الخبراء الاستراتيجيين والمحللين السياسيين، أن الموقف العربي والإسلامي الرسمي المتخاذل، غير مبرر على الإطلاق، وكل الذرائع والحجج العربية والإسلامية التي سيقت للتبرء من لعب دور مهم في دعم "انتفاضة القدس"، ما هي إلا هروب من تحمل المسؤولية، والصمت في هذا السياق مشاركة في الجريمة. فالمجاهدون والمجاهدات في فلسطين لا يدافعون عن كرامتهم فحسب، إنَما يدفعون فواتير الدم لإنقاذ كرامة الأمة العربية والإسلامية، ولحماية المقدسات من الزوال.
ففي الوقت الذي يبدي فيه العدو الصهيوني عجزه عن مواجهة شباب "انتفاضة القدس"، أو الامساك بطرف خيط يقوده لمعرفة أماكن تواجدهم، وأساليب تخطيطهم، ويستنجد بالسلطة الفلسطينية لتمتين التنسيق الأمني معها لقمع واعتقال "الناشطين"، نرى أن العرب والمسلمين يديرون ظهورهم لأقدس قضية.
وفيما نلحظ ان بعض الكتاب والاعلاميين الصهاينة لا يتوانون من توجيه الاتهامات لحكومتهم بسبب غلوها في عمليات القتل والاعتقال مخافة ردود صاعقة، ويعتبرون أن كل تصرفاتها قائمة على الخوف والقلق من المستقبل، ويطالبون بأن تكف الحكومة عن تصرفاتها الرعناء، نرى للأسف الشديد السلطة الفلسطينية، وبدل أن تكون عامل قوة ودعم للشباب المنتفض، تقوم باعتقالهم ومطاردتهم، وتكميم كل الأفواه الداعية لتوسيع "انتفاضة القدس" وتعزيز قدراتها.
"انتفاضة االقدس"، ورغم قسوة الواقع المرير الذي تعيشه، والغبن والصمت والتجاهل والتآمر عليها، تمكنت من وقف مشروع تقسيم المسجد الأقصى، الزماني والمكاني، ومنعت الوزراء وأعضاء الكنيست الصهاينة من التمادي في تدنيس باحاته، وحسرت أعداد قطعان المستوطنين من اقتحامه، واربكت حكومة العدو وفرضت شروخاً وتباينات في صفوف أعضائها حول كيفية التعامل مع هذه المستجدات، التي رفعت رأس الأمة عالياً.
"انتفاضة القدس" بقعة ضوء في فضائنا الأسود، لا بد من توفير كل وسائل تمكينها من الاستمرار والتصاعد، وإذا كان الموقف العربي والإسلامي الرسمي بائساً فإن الرهان كان وسيبقى على الموقف الشعبي المتأجج حماساً وقوة لمساندة هذه الانتفاضة لتعزيز صمودها واستمرارها.