لم يكن أمام الشباب الفلسطيني سبيلاً لمواجهة أعباء الحياة، وتحدي الواقع المر بعد التهجير القسري له من وطنه، سوى العلم سلاحاً، فإنبرى لذلك بكل جهوده وإمكاناته، حتى يحقق مستوى علمياً لائقاً. لم يدرك هؤلاء الشباب يوماً أن يواجه سياسة الأبواب المغلقة في وجهه لتوفير فرصة عمل، ويضطره إلى سلوك "معركة" أخرى مع الحياة تبعده عن تخصصه، وتجبره العمل في مجالات لم يتصور أن ينحدر لها، كما حصل مع إياد الحاج.
الحاج إبن "مخيم الجليل" في بعلبك، وُلد في كنف عائلة مؤلفة من سبعة شباب وأربع فتيات، حرمه القدر من أبيه في سنٍ مبكرة، فدخل ميدان العمل، حيث كان يعمل في العطلة الصيفية في إحدى محطات المحروقات، وأحياناً كان يذهب إلى الحقل ليعمل في "العفارة"، ففي حديثه لـ "وكالة القدس للأنباء" قال إياد: "من الصف السادس إبتدائي، ما بتذكر إنو أخذت ألف ليرة من إمي".
التطوع بعدد من الأنشطة الإجتماعية
أكمل الحاج مسيرة تعليمه، فكان محبّاً للعلم والمعرفة، وعند وصوله للمرحلة الجامعية، إختار التخصص في علم الإجتماع، ولكن لم يكن يدرك حينها، أن شهادته ستعلّق على أبواب فرنٍ، دون أن يستفيد من تعبه وإجتهاده الذي استمر لسنوات طويلة.
عند تخرجه بدأت المعاناة، وبدأت جنسيته الفلسطينية تقلّص من فرص العمل أمامه، فقال إياد: "تخرّجت سنة 2004-2005، علّمت أربعة شهور بمدرسة لبنانية، مادة الرياضيات، فكانوا يدفعون شهراً، ثم يتلكأون عن الدفع شهراً آخر، فتوقفت عن العمل".
منذ أن كان الحاج طالباً جامعياً، تطوّع في العديد من الجمعيات منها جمعية "أطفال الصمود"، وجمعية "الشبان المسيحية"، وشارك في عمل إجتماعي أقيم في سبلين، وكان خلال مشاركته في هذه الجمعيات يقوم بإعداد مختلف الأنشطة للأطفال، ومعالجة المراهقين إجتماعياً وأخلاقياً وغيرها، مما أكسبه خبرة في العمل الإجتماعي، ولكن هذه الخبرة لم تجدِ نفعاً، فقد أصبح في سن السادسة والثلاثين ولم يجنِ يوماً المال من إختصاصه.
العمل بأحد الأفران
تقدّم الحاج لشغل العديد من الوظائف في مدارس ومكاتب " وكالة غوث وتشغييل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا" موضحاً: "كنت قدّم على مدارس و مكاتب الأونروا، فما يبعتولي إلا إذا في حالة طارئة، مثلاً معلمة مريضة، أو موظفة ماخذة إجازة وهيك شغلات، كان شغلاً مؤقتاً، فما كنت أترك الفرن وضيّع الزبائن كرمال شغل مؤقت". وتابع بحرقة : "الأونروا بدها واسطة، مرّة رحت لأعمل إمتحان عندن، كان معي شخصين
عارفين شو بدو يجي أسئلة، وبالفعل مثل ما كانوا عم يحكوا صار فإذا ما عندك واسطة ما بيشمي حالك، ومن فترة قلولي بدهن باحث إجتماعي، رحت قدّمت، قال لا بدهن بنت".
لم يستسلم لهذا الواقع، ومازال يسعى ويبحث عن فرصة عمل، فتقدّم بطلباتٍ للجمعيات التي تعنى باللاجئين السوريين، وذلك على الرغم من قرار وزارة العمل، التي أقرت أن 10% من العاملين ضمن هذه الجمعيات يحق لهم أن يكونوا من غير الجنسية اللبنانية.
يعمل الحاج حالياً في فرن ، بعد أن حرمته الجنسية الفلسطينية من ناحية، والمحسوبيات من ناحية أخرى، من أن يعمل بشهادته الجامعية التي طالما تعب من أجل الحصول عليها، بالإضافة إلى إعتماده على الدروس الخصوصية التي يعطيها لبعض الطلبة في مادة الرياضيات، وذلك ليتمكن من تأمين لقمة عيش كريمة.
وختم بحسرة: " بس يجي لعندي طالب بنصحو يتعلّم شي مصلحة بمعهد، أحسن ما يدفع مصرياتو على الجامعة، لإنو ما رح يكون عندو فرصة يرجع يطلّع المصاري إللي دفعها."
الحاج شاهد حي على المعاناة التي يعيشها شعب بأكمله، فالقانون المجحف من جهة وعدم توفر فرص العمل من جهة أخرى، وضعته أمام ظروفٍ صعبة، وكأن قدر الكفاءات الفلسطينية تفرض عليها التنقل من معاناة إلى أخرى، ما دامت المعالجات الجذرية لتأمين العمل المناسب لها غائبة.