/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

حسام أيوب ... تحدى فقدان البصر بالإبداع و النجاح

2016/05/27 الساعة 09:44 ص
 المبدع حسام ايوب
المبدع حسام ايوب

وكالة القدس للأنباء – خاص

فقد بصره في سن السابعة عشر ربيعاً، فكان ذلك مفاجئاً له في البداية، ظن أن شعلة أحلامه وشبابه انطفأت غير أن بصيرة قلبه أيقظته من ظلمة الأيام والليالي، إنتشلته من يأسٍ أضعفه، فصعد سلّم النجاح بإرادةٍ وثقة عاليتين. تحدى هذا الواقع، معتمداً على بصيرةٍ قوية فأبدع، مقدماً نموذجاً متميزاً في مجالات شتى، فكان الأب والمدرّس والفنان والزوج المثالي والعامل المثابر.

حسام أيوب فلسطيني من سكان سعدنايل، تعرّض في مقتبل العمر لإلتهاب روماتيزم بالدم يدعى (البهجت)، أدى إلى إنفصال في الشبكية، ففقد نظره في عينه اليسرى عندما كان في سن الخمسة عشر عاماً، وبعد سنتين على هذه الحادثة، خضع حسام لعملية، بهدف حماية العين اليُمنى، ونتيجة خطأ طبي، فقد الشاب نظره بالكامل.

مسيرة حياة مليئة بالصعوبات

في حديث مع "وكالة القدس للأنباء"، شرح لنا أيوب تفاصيل رحلته الكفيفة مع الحياة، فقال: "بس فقدت نظري، بقيت معزولاً عن العالم لمدة سنتين، رفضت أطلع من الغرفة وشوف العالم، لإنو كنت من قبل  مبسوط بالحياة وعندي أحلام كبيرة، والمراهقة مرحلة حسّاسة، فما اتقبلت الموضوع أبداً".

ولكن حسام لم يكن وحيداً، فكل من حوله كان واقفاً بجانبه من أهلٍ وأصدقاء، وخاصة أخته يسرا، التي طالما كانت تخفف عنه المعاناة بكلماتها المحفّزة، وأضاف: "كان ليسرا فضل كبير إنو كمّل مسيرة الحياة، كلماتها كانت تقويني وتعطيني ثقة بحالي".

بتشجيع المقرّبين ، قرر حسام أن يتجاوز مشكلته، فأخذ إفادة من مدرسته هنا، وسافر إلى البحرين ليكمل تعليمه في معهد النور للمكفوفين، وذلك على حساب الدولة البحرينية،  فتعلّم لغة المكفوفين لشهورعدّة، وحصل على شهادة البريفيه من المعهد، لينتسب بعدها إلى مدرسة الهداية الخليفية (مدرسة للمبصرين) لمتابعة تعليمه الثانوي، وبحبّه للعلم تفوّق حسام في دراسته، وعاد إلى لبنان، وبيده شهادة تقدير.

في البحرين، شارك حسام بالعديد من النشاطات الرياضية، منها الركض السريع، الوثب الطويل ورمي الجلة، وشارك أيضاً بهذه النشاطات الرياضية في سبلين، فهو حاصل على ثلاثة عشر ميدالية ذهبية. 

بعد عودته إلى لبنان، إنتسب حسام إلى الجامعة اللبنانية في زحلة، فقال: "دخلت علم نفس، درست كم شهر، في دكتور حرمني من تسجيل المحاضرة على كاسيت، بحجة إنو هوي ممكن يحكي شي يمس بالدولة، وبتسجيلي ممكن ضرو، فتشاجرنا وتركت الجامعة".

عمِل حسام على تنمية موهبته، فرغب في تعلم العزف على الأورغ، ولم يعتمد في ذلك على أستاذ أو معهد بل تابع العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية للرحابنة، وكان الأهل من حوله يقرأون له الكتب التي تتحدث عن المقامات وغيرها، فصقّل موهبته الفنية، بإجتهاد شخصي، وراح يعزف في العديد من الحفلات والأعراس لكسب الرزق.

تأسيس فرقة موسيقية

في تلك المرحلة، تعرّف حسام في إحدى الحفلات على مدير جمعية حرمون للمكفوفين، الأستاذ ميشال مالك، وبدأ العمل معه، فعلّم المكفوفين العزف، وفي حديثه أشار: "كنا نشتغل بالأول شغل ميداني، نبرم عالضيع ونساعد المكفوفين، نأمنلن وسائل إيضاح من ساعة البرايل أو ساعة ناطقة وغيرها، ولإنو كانت الضيع بعيدة عن بعضها، قررنا نفتتح مركز للمكفوفين ".

في جمعية حرمون في البقاع الأوسط، أسّس حسام فرقة مؤلفة من حوالي ثمانية عشرعضواً، منهم من هو كفيف جزئي، ومنهم من فقد نظره بالكامل،  وقد قامت الفرقة بإحياء العديد من الحفلات الناجحة، فكسبوا لقمة العيش بمجهودهم، ومنذ حوالي ثلاث سنوات، أصبح المركز ينقسم إلى قسمين، قسم أكاديمي تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، والقسم الآخرمهني، لتعليم المكفوفين الأشغال اليدوية، الخيزران، القش والموزاييك، وقال أيوب بفخر: " شاركنا بكتير من المعارض منها معرض الكرمة في زحلة، وأمام الناس كانوا المكفوفين يشتغلوا كراسي القش والخيزران، ليتأكدوا إنو شغل إيدن، والحفلات لمنعملها مدفوعة من البلديات، وكل شي عملنا وعم نعملوا، لنثبت للعالم إنو الكفيف قادر يعتمد على ذاته بالحياة متل أي شخص عادي."

منذ سنوات، سافرت فرقة المكفوفين  في جمعية حرمون إلى الإمارات العربية المتحدة، بناءً على دعوة  مركزالشيخ زايد،  وذلك لإحياء الحفلات الموسيقية لمدة أسبوع، وقد شاركت فيه 16 فرقة موسيقية من المكفوفين من مختلف الدول العربية، وكل فرقة قامت بتقديم (سكيتش) هادف.

لم يتوقف طموحه هنا، بل سعى حسام إلى تغيير فكرة بعض الأشخاص الخاطئة عن الكفيف، فتدرّب على برنامج (excel) ليثبت أنه بإمكان الكفيف أن يكون محاسباً أيضاً دون أية عوائق، وعندما نظّمت الإمارات دورة تشرح فيها مجالات العمل المفتوحة أمام الكفيف وإمكانياته، أختير حسام ليمّثل المُحاسب الكفيف، ولكن بسبب جنسيته الفلسطينية حُرم من المشاركة.  وحالياً ستشارك الفرقة بقيادة حسام أيوب في مهرجانات تدعو إلى السلام والمحبة في ألمانيا، النمسا وسويسرا إلى جانب فرق عديدة من المكفوفين.

حياة أسرية ناجحة

تزوّج حسام وأنجب ولدين، فمشكلته لم تمنعه من أن يكون له شريكة في حياته، ولم تحرمه من الأبوة أيضاً، وخلال حديثنا مع زوجته معزز، مدرّسة لغة عربية للمرحلة الثانوية في إحدى مدارس الأونروا قالت: " لم يكن حسام يوماً عبأ في حياتي، بل على العكس، كان سنداً لي، وكانت حياتنا مثل حياة أي ثنائي لا تخلو من المشاكل الزوجية، ولكنني لم أواجه معه أي صعوبات كونه كفيف، كان يساعدني في الأعمال المنزلية وتربية الأولاد" وتابعت قائلة: " في بداية زواجنا، كان لدى حسام محال سمانة، كنت أعمل به قبل أن أجد وظيفة، فكان حسام في غيابي يدير شؤون المنزل وكأنني موجودة."

يقوم حسام بتدريس أولاده أيضاً، فهو سريع الحفظ والإستيعاب، فكان إبنه يقرأ له الدرس مرّة واحدة فيحفظه، ويقوم بالتسميع لإبنه و مساعدته على فهم الدرس، وأحياناً كانت زوجته تقوم بتسجيل دروس أبنائها على كاسيت وعندما تذهب إلى عملها، يحفِّظ أبناءه دروسهم ويتابعهم.

وفي سؤالنا عن الأعمال المنزلية التي يمكن أن يساعد فيها، أجابت معزز:" يمكن الإعتماد عليه في كل شيء، فحسام رغم أنّه كفيف البصر فهو يقوم بمساعدتي بحفر الكوسا مثلاً، ويعتمد على حاسة الشم والسمع ليدرك أن الشعيرية قد استوت وغيرها الكثير".

كثير من الأشخاص يطلقوا على الكفيف صفة "معوّق"، ولكن حسام يرفض هذه التسمية مشيراً إلى أن "المعوق" هو من يعجز عن أداء أي شيء ، ولكن الكفيف شخص عادي، بإمكانه الإعتماد على ذاته ليكمل مسيرة الحياة وختم قائلاً: " لازم يدمجوا المجتمع بالمعوق، مش يدمجوا المعّوق بالمجتمع،  لإنو المجتمع هو بدو إعادة تاهيل."

الكفيف ليس من فقد بصره إنما الكفيف من فقد بصيرته، فهناك من تمتع بنعمة البصر، لكنه ظل عاجزاً عن تحقيق أي إنجاز، بينما أمثال أيوب قدم لنا رمزاً يستحق التنويه وقد سجّل نجاحات تحسب له في غير مجال.. إنها الإرادة الحيّة.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/93379

اقرأ أيضا