وكالة القدس للأنباء - خاص
كان همه لعبة صغيرة يلهو بها أو أن يذهب إلى المدرسة كباقي الأطفال، ولكن قسوة الحياة أجبرته على ترك عالم الطفولة بأحلامه البريئة والدخول إلى عالم مليء بالصعوبات والمشقات.
يداه الملطختان بالشحم ووجهه المغطى بخطوط سوداء تحت السيارة ملامح توضح معاناة الطفل محمد سامي حسن من مخيم شاتيلا، لقد كبر قبل أوانه ولبس ثوباً ليس ثوبه وعمل في مهنة الكبار التي تحتاج الى جهد كبير وبنية قوية، فهو يعمل في إحدى ورش المياكانيك في المخيم لتقديم العون لوالدته المريضة.
تحدث حسن لـ"وكالة القدس للأنباء" عن الظروف الصعبة التي فرضت عليه ترك مقعد الدراسة والإلتحاق بالعمل، والمشاكل التي يصادفها فقال:" الظروف الصعبة أجبرتني إنو أترك المدرسة وأشتغل أي شي تحتى أساعد أسرتي ".
وأضاف وهو يفرك كفيه المتسختين :" إضطريت إنو أشتغل هذه الشغلة الصعبة، لأنه ما وجدت شغل أسهل من هيك، وأنا صرت أعرف بالهشغلة كتير منيح".
وتابع الطفل الصغير كلامه :" عمري أربعة عشر عاماً، وأنا تركت المدرسة بصف الخامس، لإنه أبوي ما كان معه يعطينا مصروف المدرسة لإلي ولإخواتي السبعة، تسكرت كل الأبواب في وجهي وما كان قدامي إلا إنه أقوم بواجبي تجاه عائلتي".
تحمل المسؤولية مبكراً بسبب الحاجة
وأطرق قليلاً مستذكراً أيام الدراسة التي سلبته إياها قسوة الحياة قسراً وجعلته أسيراً لهذه المهنة المتعبة وقال:" أحلم بأن أصحى يوماً وألبس ثياب المدرسة من جديد وأحمل الشنطة، وأذهب إلى المدرسة وأجلس مع زملائي في الصف ، ولكن من يستطيع مساعدة والدتي المريضة وتلبية إحتياجات عائلتي".
وقال محمد كايد وهو صاحب محل تصليح السيارات في المخيم، بأنه"ارتضى بأن يعمل الطفل محمد لتعليمه المصلحة، لأن المتخرج الفلسطيني يجد صعوبة في إيجاد فرصة عمل، وإن وجد وظيفة فالمعاش يكون قليلاً وهناك استغلال من قبل صاحب العمل".
حالة هذا الطفل البريء المزرية قادتني إلى أزقة المخيم وشوارعه، للتعرف إلى مزيد من هذه الحالات المؤثرة.
إختلفت آراء الأطفال حول سبب تركهم مقاعد الدراسة والتحاقهم في مجال العمل بمهن شاقة تهدد حياتهم ومستقبلهم، بدءاً من خطر الإعاقة والأمراض، وصولاً إلى الإستغلال والإنحراف، وقد أجمعوا على أن الفقر والحاجة كانا أقوى من طموحاتهم وأجبرتهم على تحمل المسؤولية مبكراً.
فالطفل محمد فرج الذي يعمل بائع عصير متجول، يجر عربة صغيرة في شوارع مخيم شاتيلا قال لـ"وكالة القدس للأنباء"، أن الظروف المعيشية لدى عائلته صعبة، وأنه إضطر للعمل على عربة العصير المتعبة لمساعدة والده المريض لدفع أيجار البيت.
وأوضح فرج بأنه يشعر بالتعب والإرهاق وهو يجر العربة، وبأنه أحياناً يتعرض للمضايقات من قبل الشبان وخاصة في أوقات الليل.
وأضاف:"غبت كتير عن المدرسة بسبب الإجهاد في العمل حتى اضطرت إدارة المدرسة لفصلي، وأنا نادم على ما فاتني وياريت تتحسن الظروف لحتى أرجع عالمدرسة لأنه ما في شيء أحسن من العلم".
أما الطفل حسين حسنين والذي يعمل في محل والده لتصليح الدراجات النارية فقد اشتكى من سوء المعاملة التي كان يتعرض لها في المدرسة، والتي جعلته يكره الدراسة ويفضل العمل في محل والده".
وقال والد الطفل حسنين بأنه وجد نفسه مضطراً بأن يعمل ولده معه في المحل خوفاً من أن يبقى ولده في الشارع ومصاحبة أصحاب السوء".
الحلم بالعودة ثانية إلى المدرسة
وأوضح الطفل عبد الله دراج والذي يبلغ الرابعة عشر من العمر، يعمل في مخزن لبيع الدخان في المخيم أن:"أبوي ما بيشتغل وأنا ووالدتي متكفلين بمصروف البيت، فوالدتي تعمل في مهنة الخياطة، وأنا بمخزن الدخان لحتى يقدروا إخواتي الخمسة الباقين يكملوا علمهم".
وتابع:"وصلت لصف السادس و اضطريت لترك المدرسة من سنتين، وأنا بشتغل هالشغلة لأنه مرق علينا ظروف قاسية كثير، ما كان بالبيت رغيف خبز لإخواتي الصغار".
أما الطفل الفلسطيني النازح من سوريا، محمد منصور، العامل في أحد أفران مخيم شاتيلا، قال أن "الظروف المعيشية كانت صعبة جداً علينا عندما نزحنا من مخيم اليرموك إلى شاتيلا، فالمعيشة غالية وإيجارالبيوت مرتفعة فاضطررت بأن أترك المدرسة وأعمل في الفرن كي أساهم في مصروف البيت".
وتابع منصور كلامه:" تحديت هذا الظرف الصعب، وأنا أعمل في الفرن وأتابع الدراسة، وتسجلت في معهد كمبيوتر وتقوية في اللغة الإنكليزية، على أمل بأن أحصل على شهادة بكالوريا فنية".
هذا وقد أدى تراجع ميزانية "الأونروا" وتقليص خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتدني تقديمات منظمة التحرير الفلسطينية بسبب العجز المالي، إلى زيادة تأثير المعاناة على اللاجئ الفلسطيني في لبنان وعلى كل مكونات الأسرة وبالتالي إلى زيادة عمالة الاطفال دون أن توفر أي حد أدنى من الحماية ما جعلهم عرضة للاستغلال بكافة أنواعه.
وأظهرت دراسات ميدانية للجامعة الأميركية بالتعاون مع وكالة "الأونروا" عن زيادة الفقر في المخيمات مدى صعوبة العيش، فقد وصلت حالة الفقر المدقع إلى (66,4%)، بينما وصلت نسبة البطالة إلى (70%)، حسب دراسة لمؤسسة "شاهد".
إحصاءات وأرقام تكشف حجم المعاناة
وتعود أسباب تفاقم هذه الظاهرة في المخيمات إلى تردي الوضع المعيشي للسكان وزيادة نسبة البطالة، خصوصاً بعد نزوح الآلاف من الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان ولجوئهم الى المخيمات حيث تدني الأسعار بالنسبة للخارج ، ما أدى إلى ضيق الحال بالشعب الفلسطيني ودَفع بالأطفال إلى ترك مقاعد الدراسة ومزاولة أي نوع من أنواع العمل، بغض النظر عن خطورته وطبيعته، التي لا تتناسب مع سنهم، وذلك من أجل مساعدة عائلاتهم الفقيرة.
وأشارت رفيف أحمد علي في كتابها: "عمالة الأطفال الفلسطينيين في لبنان" إلى إحدى الدراسات التي قدّرت عدد الأولاد الفلسطينيين العاملين عام 1997 في لبنان بنحو 8888 ولداً عاملاً، وإلى أن نسبتهم قدرت بنحو (16.22%)، من مجموع عدد الأولاد الذين بلغ عددهم 56.779 ولداً.
وذكرت دراسة لمعهد الدراسات التطبيقية الدولية النرويجي (FAFO ) وجمعية المساعدات الشعبية النروجية في لبنان بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء والمصادر الطبيعية الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية في لبنان وأوردتها منظمة ثابت أن 10% من الأطفال العاملين هم في الرابعة عشر من عمرهم، بينما 30% من الأطفال العاملين هم في الخامسة عشر من عمرهم، وتلاحظ الدراسة بأن 35% من الأطفال العاملين هم في السابعة عشر من عمرهم، وان 20% فقط من الأطفال العاملين مسجلون في المدارس والآخرين بالكاد حصلوا على قدر محدود من التعليم.
وعدّدت منظمة "اليونيسف" في دراسة لها خصائص عمل الأولاد الفلسطينيين في لبنان، وقد جاءت على الشكل التالي : تدني الأجور، شدة العمل وصعوبته، استغلال الأولاد خارج إطار العمل بحيث تجعلهم أقرب إلى الخدم منهم إلى العاملين، العمل لساعات طويلة (بين 9- 10) ساعات يومياً، والبعض 8 ساعات... يعمل كثير منهم 6 أيام في الأسبوع، والبعض 5 أيام، ما يحرم الولد من حقه في الراحة، تعرض الأولاد لأشكال مختلفة من الأذى الصحي والنفسي والمعنوي نتيجة ظروف العمل من جهة، وسوء معاملة رب العمل من جهة أخرى ومعاناة الأطفال من أمراض السمع والبصر والأمراض العصبية والصدرية.