وكالة القدس للأنباء – خاص
مع مطلع شهر أيار الجاري، تكون "إنتفاضة القدس" قد دخلت شهرها الثامن، حاملة برصيدها الجهادي عملية القدس البطولية التي استهدفت باصاً للعدو، وأنزلت فيه العديد من الإصابات بين صفوف الجيش والمستوطنين. وقد خيَّبت آمال من راهن على عدم استمرارها ووأدها في المهد، ممن أسقط عنها تسميتها الحقيقية، باعتبارها إنتفاضة بكل ما للكلمة من معنى ومبنى، وإن تميَّزت عن سابقاتها من "انتفاضة الحجارة" إلى "انتفاضة الأقصى"؛ متجاوزة بعملياتها التي امتدت على مساحة فلسطين من نهرها إلى بحرها ومن شمالها إلى جنوبها، كل التقديرات والتوقعات التي أطلقها قادة العدو السياسيين والأمنيين والعسكريين، ومعهم جوقات الكتاب والمحللين المنتشرين في مواقع صنع الرأي العام في الدوائر الإعلامية على اختلافها.
فقد استهان العديد من قادة العدو بقدرة الإنتفاضة على الإستمرار والتطور، مستندين بذلك على قراءاتهم للوضع العربي والإقليمي والفلسطيني، وانشغال معظم الدول العربية بصراعاتها الدموية الداخلية؛ وتحول اهتمام النظام العربي الرسمي كما بعض الشارع العربي من الصراع العربي الصهيوني، إلى مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ وانزلاق عدد من الدول العربية بمخطط التطبيع الذي انتقل من الغرف السرية المغلقة إلى الدوائر العلنية؛ ناهيك عن استمرار الصراع والإنقسام في الساحة الفلسطينية بين جناحي السلطة "فتح" و"حماس" في الضفة المحتلة والقطاع المحاصر، وضياع العديد من فرص المصالحة بينهما؛ واستفحال "التنسيق الأمني" بين أجهزة السلطة ومؤسسات العدو، بالرغم من الدعوات المكررة والمعجلة التي أطلقتها – مراراً وتكراراً – أغلبية الفصائل والقوى والحركات الفلسطينية، بما فيها حركة "فتح"؛ وليس آخراً، تجنب العديد من القوى الفلسطينية الإنخراط بفعاليات الإنتفاضة، وترك الساحة للجيل الفلسطيني الجديد، من فتيات وفتية، استخدموا ما توفر لهم من سكاكين وأدوات حادة لطعن جنود العدو ومستوطنيه.
إن "انتفاضة القدس" بالشكل والمضمون الذي سارت عليه منذ مطلع تشرين الأول الفائت (2015) أربكت العدو بكل قياداته وهيئاته وأجهزته، وكشفت عجزه عن وقف عملية واحدة، الأمر الذي دفعهم للإعتراف بصعوبة مواجهة الإنتفاضة وعمليات الطعن والدهس، التي تتحرك بإرادات ذاتية ومن العقل المدبر إلى اليد المنفذة، دون المرور بمحطة ثالثة أو وسيط... وهو ما صعَّب مهمة الأجهزة الأمنية الصهيونية التي لا تعرف قيادة للمنتفضين لتخاطبها... ولا مقاتلين لهم ملفات أمنية في سجلاتها لتلاحقهم وتعتقلهم... فهؤلاء الفتية من طلاب المدارس الذين لم يتجاوز أكبرهم العشرين من عمره لم ينتظروا أمراً ولا تصريحاً ولا تسليحا ولا تمويلاً. فقد تحركوا بإراداتهم، ونفذوا عملياتهم بما تيسَّر من أدوات حادة. وكان هاجسهم مواجهة المحتل الغاصب والدفاع عن المقدسات، التي تتعرض لتسارع مخططات التهويد والصهينة.
إن عجز العدو عن وقف الإنتفاضة، بالرغم من كل الإجراءات الفاشية والعنصرية التي اتخذها، والتي تجاوزت تدمير المنازل وتهجير العائلات وسجن آباء وأمهات الفدائيين الجدد، وحملات الإعتقال العشوائية، ووصلت إلى حد الإعدامات الميدانية، دفعت بقادة العدو لتعزيز التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة.
وقد استجاب قادة العدو "لنصائح" أجهزة السلطة، بتجنب دخول الجيش "الإسرائيلي" المناطق (أ) أو المدن الرئيسية في الضفة المحتلة لكونه يؤدي إلى نتيجتين لا تخدمان السلطة ولا الصهاينة، وهما إستفزاز الفلسطينيين فيقرر بعضهم استخدام السلاح أو الدهس، وتجريح السلطة بمزيد من الاستهزاء بها، بما يؤثر على "هيبتها" أمام الجمهور الفلسطيني، والنتيجتان تلحقان الضرر بـ"إسرائيل".
وتقول مصادر العدو أن "إسرائيل" وافقت على "احترام الدور الأمني للسلطة، أي أنها وافقت على إعطائها الدور الأمني في أماكن محددة من المنطقة (أ) ولمدة محدودة لقياس قدرتها على محاصرة الإنتفاضة!..
وجاءت تصريحات رئيس السلطة وقادة أجهزته الأمنية، (ماجد فرج) لتكشف حجم الدور الأمني الخطير والمشبوه الذي لعبته في ملاحقة الطلاب في مدارسهم، وتفتيش حقائبهم بحثا عن السكاكين، واعتقال المجاهدين والأسرى المحررين، في محاولة للجم اندفاعة الإنتفاضة والحد من عملياتها البطولية.
وقد اعترف عباس من جملة اعترافاته التلفزيونية الكثيرة، أن الأوضاع في الضفة "تحت سيطرة أجهزتنا الأمنية"، وأن تلك الأجهزة "تمكنت بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي وبكفاءة عالية من اعتقال ثلاثة شبان من رام الله كانوا يخططون لتنفيذ عملية إرهابية"...
وهذا الدور المشبوه دفع برئيس هيئة أركان جيش العدو، غينادي إيزنكوت لإعطاء شهادة حسن سلوك لرئيس السلطة معلنا "أن أبو مازن يحارب الإرهاب"... وأن "أجهزة السلطة تجمع السكاكين... وهناك انخفاض في التحريض..".
إن تراجع العمليات لا يعني انتهاء الإنتفاضة، إذ أن المقاومة المسلحة بشكل عام والإنتفاضة بخاصة، لا تسير بشكل متصاعد بشكل دائم، فقد تتسارع العمليات في ظرف معين، وتتراجع في ظرف آخر، تبعاً لتفاعل العوامل الذاتية والموضوعية التي تؤثر في مسارها صعوداً أو هبوطاً.. إلا أن الأمر الهام، والسمة المميزة لانتفاضة القدس هي استمرار فعالياتها وعلى مساحة كل الأرض الفلسطينية التي تشهد انخراط المزيد من الفتية في مجرى الإنتفاضة، التي تشهد إبداعات مميزة في أشكال العمليات وتنوعها، من الفردية إلى الثنائية، إلى إنتاج الأسلحة البدائية، وقد تتحول في المرحلة المقبلة إلى عمليات مسلحة أكثر دقة وتميزاً..
وبهذا الخصوص كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن تقديرات عسكرية "إسرائيلية" تؤكد "أن هبوط عدد العمليات في الضفة لا يعني تراجع الإنتفاضة"... و"أن قيادة الجيش في الضفة تؤكد أن الهدوء الموجود حالياً ما هو إلا الذي يسبق العاصفة، والقادم سيكون أشد وأعنف".