وكالة القدس للأنباء- خاص
في عام 1990 إجتاح الفقر منزل أم ياسر في منطقة سعدنايل البقاعية، غيّر حياتها وحياة أولادها، أجبر أولادها على ترك المدرسة، فواجهوا قساوة الحياة ومرارتها ، وحتى يومنا هذا مازال يعيش بينهم ، فطبع بصماته البشِعة في كل زاوية من زوايا المنزل.
تعمل الحاجة المسنّة في جمع الحديد والبلاستيك، فتراها عائدة إلى منزلها عند السابعة صباحاً، حاملة بيديها المجعّدتين بعض علب اللبن الفارغة، أو لعبة أتلفتها إحدى العائلات أو بعض قوارير المشروبات الغازية وغيرها.
أم ياسر شاهد حي على المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في لبنان، فبعد عودتها من ليبيا مع عائلتها سنة 1990، كان الفقر ينتظرها عند عتبة المنزل على أحر من الجمر، ليرحّب بها ويعدها بحياة مكللّة بالشقاء والحرمان. الحاجة الفلسطينية عاشت مع زوجها وأبنائها السبعة في منزل مؤلف من غرفتين ومنافعهما، غرفة النوم صغيرة تحتوي على بعض الفراش، وخزانة تصدّق بها أحد الأقارب، أما جدران المطبخ والحمام فلا تزال بدون طلاء، لأن حالتها المادية لم تسمح لها بتغطية معالم الفقرهذه منذ ستة وعشرين عاماً.
هذه تفاصيل معاناتي مع الفقر والمرض
إستقبلتنا في منزلها المتواضع، وفتحت قلبها لـ"وكالة القدس للأنباء" فتحدّثت لنا عن معاناتها قائلة: "كان زوجي يعمل دهاناً، والحمدلله كانت الأمور تسير على ما يرام، إلى أن أرهقه تعب السنين الطويلة، وأصبح يعاني وجعاً في ظهره، عندها إضطررنا إلى العمل في جمع البلاستيك والحديد علّنا نؤمّن لقمة عيش كريمة، فزوجي يخرج بعد صلاة الفجر ليفتّش عن رزقه، أما أنا فأخرج بعده لأنه لا يحبني أن أعمل مثله، وبالكاد نستطيع أن نجمع مبلغ 100$ في الشهر، وأحياناً لا نصل إلى هذا الحد، نشتري بها الغاز، الزيت، وندفع فاتورة الكهرباء، ولكن بسبب كسر في رجلي، صرلي فترة ما اشتغلت" وتابعت والدمعة في عينها: " تعبنا كثيراً ولكن الحمدلله، الله يبعد الضربات".
وعن سؤالنا لها عما إذا كانت تتلقى أي مساعدة من الأونروا، أجابت: " نحن من الأساس لا نتلقى أي مساعدة من قِبل الأونروا، وكانت الحجّة لدى الأونروا أن أبنائي الشباب هم معيلين لي، ولكن الآن وبعد أن تزوّج إبني الأخير أصبح بإمكاني أن أقدم اوراقي للحصول على مساعدة".
صحيح أن عائلة أم ياسر كبيرة، إلا أن أولادها ليس لديهم القدرة على تقديم العون، وتابعت الحاجة حديثها قائلة: " أولادي بالكاد قادرين على تيسير أمورهم، فهم يعيشون بالإيجار، ولديهم همومهم، لهذا فأنا لا أطلب منهم المساعدة المالية، ولكن عندما يأتون إلى زيارتي يحضرون معهم كيلو لحمة أو فروج، وأحياناً تأتي إبنتي المتزوجة وتعطيني كيس عدس ولكن والله ما بيهون عليّ ، فحالتها ليست جيدة، أما إبنتي التي تعيش معي فهي تعمل كمربية، وتتقاضى مبلغ 100,000 شهرياً، تصرفها على نفسها".
قمنا بجولة في منزلها وعندما دخلنا إلى المطبخ، شاهدنا الفراش على الأرض وبِضع آوانٍ وحِلتين على بِلاط، شكّل رفوفاَ للمجلى، وأضافت أم ياسر: " والله كل سنة بنقول لازم نزيد كم بلاطة فوق المجلى بس مش بمقدورنا".
وعند مغادرتنا، شاهدنا كميةَ من الحديد والبلاستيك وبعض الأخشاب أمام منزلها فقالت: "هنا نجمع الحديد والبلاستيك وهذه الأخشاب نستخدمها للتدفئة في فصل الشتاء."
نموذج للمرأة الفلسطينية المكافحة
وصادفنا جارة الحاجة ام ياسر، ام محمد، التي روت لـ "وكالة القدس للأنباء" الحالة الصعبة التي تعيشها جارتها فقالت: "كان الله بعونها، تذهب المسكينة في الصباح الباكر، وتعود بأشعة الشمس الحارقة". وعند سؤالنا لها ما إذا كانت تعلم من أين تؤمّن دواءها أجابت: " هناك من يتبرع بالدواء لزوجها كصدقة عنهم، بالإضافة إلى ذلك فهم يعتمدون على عيادات الأونروا في حال وجود الدواء المطلوب" وقالت: "المبلغ المتواضع الذي تجمعه جارتنا تؤّمن به بعض حاجاتها، اما الخضار، الفاكهة فإن أصحاب المحال يتفقون مع أبو ياسر ليمر عليهم كل يومين فيأخذ ما تبقى من خضار وفاكهة، وتابعت: " تعمل أم ياسر في (العفارة) فتقوم بجمع ما تبقى في البساتين من بطاطا، بصل، ثوم وعنب وتأخذه إلى منزلها".
تحاول ام ياسر وزوجها أن يخفيان وجههما عن عيون الناس، فيحاولان جمع الحديد والبلاستيك في وقت لا تكتظ فيه الشوارع ، وهذا ما أشارت إليه جارتها: " شاهدنا أبو ياسر مرّة يفتّش في مكب للنفايات، فدار ظهره وتابعنا طريقنا دون أن يشعر بأننا شاهدناه، كي لا نسبب له الإحراج".
ام ياسر نموذج للمرأة الفلسطينية المكافحة، تعتمد على بعض الكراسي المكسورة والقوارير الفارغة، لتؤّمن قوت يومها، بالإضافة إلى بعض ما يجود به فاعلو الخير الذين يمدّون يد العون لها لتّكمل ما تبقى من عمرها، فيما "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- الأونروا" تعمد في تقليص خدماتها في المجالات كافة، فهل الأونروا تنتظر من اللاجئ أن يتسوّل حتى تشعر بمعاناته؟