وكالة القدس للأنباء - خاص
على نحو عاجل، عقد الكنيست "الإسرائيلي" بكامل هيئته، اليوم الأربعاء، جلسة طارئة لمناقشة مكانة الكيان الصهيوني في الحلبة الدولية، على خلفية تزايد النداءات لمقاطعة "إسرائيل" في العالم. يأتي ذلك بعد يومين من نشر رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو ميثاقاً مفصلاً ضد "تسويد وجه اسرائيل"، معلناً عن الحاجة الى فتح "جبهة واسعة" ضد المقاطعة. وكانت صحيفة "بورفورد" الأمريكية قد أعلنت أن شلدون أدلسون، المقرّب من نتنياهو، قد وصل إلى لاس فيغاس من أجل محاربة ظاهرة المقاطعة في الجامعات الأمريكية على وجه التحديد.
وإذا كانت صحيفة صهيونية عريقة، مثل "يديعوت أحرونوت"، أطلقت حملة في وجه المقاطعة، فإن صحفاً أخرى، مثل "هآرتس"، تستهزأ بيديعوت، وبالمقاطعة معاً، واصفة ما يجري بـ "الضجة الناجمة عن ضرورات السوق".
فإلى أي مدى تشكل حملة المقاطعة، والمعروفة باسم "بي. دي. اس"، خطراً وجودياً على الكيان "الإسرائيلي"، كما يروّج اليمين الصهيوني بقيادة نتيناهو؟!
ترى الصحفية لانا باكمان، في مقال نشرته اليوم في صحيفة "إسرائيل اليوم" أن: "حملة “بي.دي.اس″ نشأت من مؤتمر دربن الذي عقد في جنوب افريقيا في 2001 برعاية الامم المتحدة والذي بلورت فيه 1500 منظمة غير حكومية استراتيجية دربن، وهي وثيقة عمل من أجل عزل إسرائيل سياسياً." وتضيف محرّضة: "الـ “بي.دي.اس″ هي تكتيك لحرب سياسية تعتمد في الأساس على استغلال حقوق الإنسان والقيم الإنسانية، والأخلاق المزدوجة، ومقارنة مع نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا واتهامات باطلة حول “جرائم الحرب” وتجاوزات القانون الدولي."
وتقول باكمان أن خطر الحملة الحقيقي لا يتأتى من كون المقاطعة تخوض حرباً سياسية ضد "إسرائيل"، بل لأن "الحديث يدور عن حرب على الوعي، لذلك هي خطيرة."
وتدعو باكمان إلى "الصدام مع حكومات أوروبا التي توفر معظم الدعم لهذه المنظمات، ومطالبتها العمل بشفافية كاملة."، وذلك بعد أن تحرض ضد المنظمات التي تشارك في حملة المقاطعة، واصفة إياها بأنها "لا توجد لديها رقابة على كيفية استغلال الأموال".
وترى باكمان أنه قد "اتسعت في السنوات الأخيرة حملة المقاطعة ضد إسرائيل، ووصلت الى الكنائس من خلال المنظمات المسيحية، وهي تستغل ساحات خلفية لشركات في محاولة لتحقيق المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل بواسطة التواصل مع لجان أخلاقية لشركات دولية وممارسة الضغط لسحب الاستثمارات من شركات إسرائيلية."
"يديعوت احرونوت"، من جهتها، تشن حملة مضادة في محاولة لتجريد حملة المقاطعة من كل حججها وأدلتها، واصفة الحملة بأنها: "خطر وجودي، أكثر من مجرد نشاط احتجاجي يهدف إلى إلزام إسرائيل بوقف الاحتلال والانسحاب من الأراضي الفلسطينية والقبول في نهاية المطاف بحل الدولتين."
واللافت في حملة "يديعوت" أنها استعانت بأسماء من كبار كتّاب اليمين واليسار، وبعضهم معروف بعنصريته الفجّة، أمثال بن درور، الذي لا يدع مناسبة للتحريض ضد كل ما هو فلسطيني. هذا الأخير كتب في مقال حمل عنوان: "خطر على حق الوجود"، ليقول إن حملة المقاطعة لا تنطلق من معارضة "إسرائيل" وسياسات التمييز العنصري، بقدر ما تعكس حقيقة أقطابها وكرههم لليهود ومعاداتهم السامية، ليصل إلى الإعلان بأنها حرب على حق الوجود "الإسرائيلي".
وعلى الرغم من إشارته إلى قرارات دولية في محاكم أوروبية اعتبرت أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية "جريمة كراهية"، كفرنسا مثلاً، إلا أنه يؤكد أن النجاحات القانونية والقضائية كتلك "قد تخلق انطباعاً واهماً بالنجاح، لأن الحركة الدولية تنجح في معركتها على الوعي والرواية".
وتتبارى الإنتلجنسيا الصهيونية في تقديم أفكار للرد على حملة المقاطعة، تتراوح بين الضغط على الحكومات الأوروبية لوقف تمويل أنشطة كافة الجمعيات الأوروبية المشاركة فيها، والقيام بحملة دعائية مضادة، واستصدار قرارات من محاكم أوروبية وأمريكية تعتبر أن "مقاطعة إسرائيل" هي بمثابة جريمة، وصولاً الى الرد العملي عبر إقامة مشاريع تعاون بين الجامعات الصهيونية والجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا كان نتيناهو هو الذي دشن حملة مواجهة المقاطعة، ومشى الكنيست على خطاه عبر عقد اجتماع طارىء، فإن ثمة في الكيان الصهيوني من يشكك بالنوايا الحقيقية لكل ما يجري.
كتب حامي شيلو، في "هآرتس"، يقول: "الحقيقة هي أن "بي.دي.اس" لم تسجل لنفسها حتى الآن نجاحاً عملياً واحداً، باستثناء بضعة سوبرماركتات أو مراكز تجارية تتم فيها مقاطعة رمزية. في 29 جامعة صوت الطلاب مع وضد سحب الاستثمارات من إسرائيل، وفي بعضها، بالذات في كاليفورنيا، انتصرت المقاطعة، لكن أي من الجامعات لم تقرر بعد ولا تفكر بالاستجابة للطلب. وفي بضع ولايات، ومنها انديانا وألينوي وتنيسي، تم سن قوانين تمنع المقاطعة ضد إسرائيل، وولايات اخرى يتوقع أن تسير في أعقابها."
وإن كان شيلو يرى أنه من واجب كيان العدو التصدي لحملة المقاطعة، إلا أنه يرى أن ذلك لا يتم بطريقة "وضع شخصية مختلفاً حولها، مثل أدلسون، في مقدمة الصراع"، مبيناً أنه "حسب التقرير الذي ورد في الأسبوع الماضي في موقع "بازفيد" فإن أدلسون وزوجته مريم يريدان تعيين أقربائهما، الحاخام شمولي بوتح، رئيساً لحركة الطلاب ضد "بي.دي.اس". وتمويل سخي من قبل ادلسون يضمن أن منظمة كهذه ستحظى بوسائل متقدمة وأدوات تكتيكية جديدة."
وما لم يقله شيلو، قالته "هآرتس" صراحة، حين تساءلت، في معرض تشكيكها بالدوافع الحقيقية لحملة "يديعوت": هل حقاً تملك "يديعوت" "دوافع أيديولوجية صهيونية من وراء هذه الحملة، خصوصاً وأنها أعلنت، دائماً، أنها تجارية، أم أن كل هذه الضجة ناجمة من ضرورات السوق، وحقيقة تراجع الصحيفة التي كانت، يوماً، الأكثر انتشاراً في إسرائيل".
وبحسب "هآرتس"، فإنه لا يمكن تجاهل إمكانية أن يكون المستهدف الرئيسي من وراء حملة "يديعوت"، هو جمهور القراء اليمينيين في إسرائيل الذين انتقلوا في السنوات الأخيرة من شراء "يديعوت" إلى الإقبال على الصحيفة المجانية "يسرائيل هيوم" الأقرب لنتنياهو.
لكن ماذا عن حملة نتنياهو وأعضاء الكنيست، ذات الأغلبية اليمينية؟ إذا كان دافع "يديعوت" تجارياً، فما هو دافع نتنياهو والكنيست؟
يقول شيلو، في "هآرتس" نفسها، إن إطلاق صافرات الطوارىء يهدف في الأساس الى إحداث تحول في الوعي. ويلاحظ أن "اليسار هو الذي كان يُحذر من الاستنكارات والمقاطعة في الساحة الدولية. استطلاع مقياس السلام لمركز غوتمان، الذي أجري في بداية 2014 وجد أن 71 بالمئة من مصوتي اليسار يعتقدون أن المقاطعة تشكل خطراً حقيقياً، في مقابل 42 بالمئة فقط من مصوتي اليمين."
فما الذي حدث، وأصبح اليمين يدّق جرس الإنذار بقوة، وأي نقطة في الوعي يريد تحويل الأنظار عنها؟!
يجيب شيلو: "الآن يقوم اليمين بتحضير نفسه لما بعد الاتفاق النووي مع إيران، بتحويل الـ "بي.دي.اس" إلى نداء معركة جديد لاثبات أن العالم كله ضدنا. واليسار في المقابل سيعتبر ذلك خدعة تهدف الى حرف الأنظار عن سياسة اليمين، لا سيما تجاه الفلسطينيين التي هي السبب الحقيقي لمكانة إسرائيل المنخفضة في العالم."