وكالة القدس للأنباء – خاص
كشفت الكوارث والأزمات التي خلفها غرق العشرات من الفلسطينيين الذين حاولوا الهجرة إلى أوروبا، قصصاً مثيرة تستحق التوقف عندها ملياً، بدءاً من حملات الإغراء المزيفة، مروراً بجشع السماسرة، وصولاً إلى ضياع الشباب، إما بابتلاع البحر لهم، أو ضياعهم على أرصفة الغربة.
من بين هذه القصص اللافتة والمعبرة، هذه القصة التي روتها أم فلسطينية من مخيم عين الحلوة لـ"وكالة القدس للأنباء"، عن هجرة ولديها وأصدقائهم باتجاه ألمانيا، بأسلوب غير شرعي، فقالت: قرر إبني الهجرة، بعد أن عجز عن مواصلة دراسته في الجامعة، لعدم توفر القسط الجامعي، ونتيجة الظروف المادية الصعبة، وانتشار البطالة.
وأضافت بحسرة: اتفق إبني وصديق له مع سمسار من عين الحلوة، لنقلهم إلى ألمانيا، ودفع كل واحد منهما للسمسار مبلغاً وقدره 4000 يورو، بدأت الرحلة إلى تركيا عن طريق سوريا براً، وحين وصولهما إلى أنقرة، خذلهم السمسار وتخلى عنهما، فاتفقا مع سمسار آخر، واتجها نحو اليونان، غير أن القارب الذي أبحر بهما غرق في البحر بين تركيا واليونان، وسبحا لمدة 6 ساعات متواصلة، حتى وصلا إلى اليونان، حيث أوقفتهما الشرطة اليونانية لمدة شهر، وبعد أن أطلق سراحهما، غادرا إلى ألمانيا عن طريق الدانمرك، وقالت: "ابني حتى الآن لم يحصل على الإقامة".
والمشكلة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ قرر ابني الثاني اللحاق بأخيه، فسافر بداية عبر مطار بيروت إلى أبوظبي، وكان برفقة أربعة فلسطينيين آخرين وسوري، اتفقوا مع السمسار ج.ق. وهو فلسطيني سوري من مخيم برج الشمالي، فدفع له ابني 9 آلاف دولار، فنقله إلى ماليزيا، وبقي فيها 8 أيام، ثم اتجه إلى سريلانكا حيث بقي فيها 7 أشهر موقوفاً، وهناك أضربوا عن الطعام والشراب، وانتشرت قصتهم على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، وطلبوا النجدة والإفراج عنهم، وكان لافتاً زيارة السفير الماليزي لهم في السجن حيث بكى لحالتهم، فتدخلت السلطات الفلسطينية، وأفرج عنهم، وقدم لهم السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور جوازات سلطة، غادروا بها إلى جزر الملديف، وبعدها إلى دبي، حيث ظلوا فيها 7 ساعات قبل وصولهم إلى الجزائر، التي أقاموا فيها 10 أيام، ومن بعدها وصلوا إلى منطقة زوارة في ليبيا، بعد معاناة ثلاثة أيام في الصحراء، وتم تهديدهم من قبل مافيات الصحراء، حيث دفعوا لهم ما يقارب 1000 دولار حتى استطاعوا التخلص منهم، والأشخاص الذين رفضوا الدفع، كان مصيرهم القتل من قبل عصابات الصحراء، ومن هناك انتقلوا على متن قارب إلى إيطاليا، وقبل وصولهم إلى الشاطئ ألقوا بأنفسهم في البحر، وسبحوا لمدة 10 دقائق، حيث وصل الصليب الأحمر وأنقذهم، ثم ركبوا القطار ب 200 يورو، ودخلوا إلى ألمانيا.
وأكدت أن كلفة الرحلة من بيروت إلى ألمانيا، بلغت 15 ألف دولار، ومازالت هذه المصاريف ديونًا متراكمة علينا.
وفي إتصال مع "وكالة القدس للأنباء"، نصح أحد أبناء هذه السيدة، بعد حصوله على الإقامة في ألمانيا، الشباب بعدم الهجرة، والتمسك بالمخيم، وقال: "والله مافي شي بهالبلاد، مش حرزان أن يكب الواحد المصاري للهجرة"، وأضاف: "المسألة ما بتستاهل، وكل ما نجمعه من العمل لا يكفي إلا للأكل والشرب فقط"!! ورأى أن كل ما يقال عن جنة الهجرة، هو مجرد وهم وسراب.
وأوردت صحيفة "الأخبار" تفاصيل لا تبتعد كثيرا عن ما روته "وكالة القدس للأنباء" في هذا التحقيق حول غرق محمد المحمد، الملقب بالألماني، الذي كان على متن عبّارة تقل مهاجرين غير شرعيين من ليبيا، الشهر الماضي. وهذا الصدى لفاجعة العائلة في عين الحلوة يتردد في بيوت أخرى في المخيم. 13 عائلة تتوقع تلقيها النبأ نفسه.
13 شاباً من عين الحلوة في طريقهم لاجتياز الصحراء بين السودان وليبيا للوصول إلى الشاطئ. هناك تتسلمهم مافيات تهريب البشر وتنقلهم بالعبّارة إلى إيطاليا. على خطى الألماني ورفاقه السبعة من عين الحلوة، قصد الثلاثة عشر مكتب سفريات في صيدا، ساعدهم على تأمين تأشيرات دخول وحجز تذاكر سفر إلى السودان. في مطار الإمارات، أمضوا ساعات في قسم الترانزيت قبل أن يصلوا إلى مطار الخرطوم. هناك، كان بانتظارهم ضابط سوداني يتعاون مع تلك المافيات لمساعدة الشبان على الخروج من المطار وتسليمهم إليها. رجال المافيات بدورهم يقودونهم بطريقة غير شرعية نحو ليبيا عبر الصحراء، التي تستلزم أياماً عدة لاجتيازها. بحسب أقرباء لهم في المخيم، فإن القضية فضحت بعد انكشاف أمر الضابط السوداني وتوقيفه. في التحقيق معه، اعترف بالشبكة التي يتعاون معها من لبنان إلى ليبيا، لكن الشبان الثلاثة عشر، لم يصلوا إلى شواطئ ليبيا بعد. وإذا وصلوا واستقلوا العبارة، فإن مصيرهم يبقى معلقاً بين الموت والنجاة. أحد الشبان الناجين من محاولة مماثلة، لفت إلى أن رجال المافيات الذين يرافقون المهاجرين يعمدون أحياناً إلى دفع المهاجرين نحو المياه أو رميهم بالرصاص وإلقاء جثثهم في البحر، اذا ضبطتهم دوريات خفر السواحل الإيطالية. حينها يستطيعون التحرك سريعاً والعودة إلى ليبيا. علماً بأن رحلة الشبان الـ 13، تمثّل الدفعة الخامسة التي تخرج من عين الحلوة.
يذكر أن السمسار الفلسطيني السوري ج.ق. تم القبض عليه في منطقة صور، بعد أن غررّ بالكثير من الشباب، وهو مازال موقوفاً لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية.
وادعى المدعي العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان على أربعة أشخاص توصلت التحقيقات إلى إثبات تورطهم في شبكات تهريب غير شرعية إلى إيطاليا عبر ليبيا. أصدر مذكرات توقيف وجاهية بحق كل من اللبنانيتين غنوة وريتا، صاحبتي مكتب السفريات في صيدا، والموظفة لديهما الفلسطينية حسيبة من سكان عين الحلوة، "بجرم تسهيل سفر عدد من الأشخاص بطريقة غير شرعية إلى ليبيا"، كما ادعى رمضان غيابياً على السوداني محمد المكاوي، الذي كان يتسلمهم لدى وصولهم إلى مطار الخرطوم.