/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

من يوقف السماسرة ... وهل يسمع الشباب النصيحة؟

تحقيق عبّارات الموت وأوهام الهجرة غير الشرعية

2015/03/11 الساعة 01:05 م
ضحية
ضحية

القدس للأنباء - خاص

"ننصح الشباب والعائلات، وكل من يفكر بالهجرة غير الشرعية، أن يعدل عن هكذا مغامرة".

هذه آخر نصيحة أعلنها أحد المهاجرين الشباب من المخيمات الفلسطينية في لبنان، وهو على متن المركب الذي غرق مؤخراً في عرض البحر، بعد انتقاله من صبراته الليبية باتجاه إيطاليا.

وقال آخر عبر هاتف زميل له: "خدعونا، وغرروا بنا، لقد أخلوا بكل ما وعدونا به، وها نحن الآن في عرض البحر في مهب العواصف والأمواج العاتية، معرضون للموت... أناشد الشباب بالكف عن التفكير بالهجرة".

لخص هذان الشابان، وبطريقة واقعية وعفوية، حقيقة المأساة التي تعرضوا لها، واحتمال تكرار ذلك مع كل من يتوهم "بنعيم" الهجرة.

تحدث البعض عن الدوافع الإقتصادية الصعبة التي يواجهها الشباب، والبطالة في المخيمات، وعدم توافر فرص العمل المناسبة، مادفعهم إلى التفكير بطريقة للتخلص من واقعهم المأزوم، غير أنهم لم يدركوا مخاطر ما أقدموا عليه، إلا بعد أن وقعت الواقعة.

والمشكلة لا تتوقف عند هذه الحدود، إذ اضطر البعض إلى الخضوع لابتزاز سماسرة الموت ، فأضطر إلى الإستدانة لتسديد فاتورة الرحلة، والبعض الآخر  باع منزله، أو سيارته، إضافة إلى دفع مدخراته، لتأمين "رحلة الموت".

فيما لجأ فريق ثالث إلى أقاربه وأصدقائه، وربما إلى بعض المصارف لتوفير المبلغ المطلوب.

هناك من دفع حوالي 4 آلالف دولار، وآخر قال 6 آلاف دولار، وصولاً إلى عشرة آلاف دولار للفرد، فكيف الحال إذا كان المهاجرون عائلات تجاوز عدد أفرادها السبعة أو العشرة أشخاص؟

مركب الموت وحالة الضياع

مأساة المركب الأخيرة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، مادام سماسرة الموت يسرحون ويمرحون دون وضع حد لـ"تجارتهم"، عشرات الأشخاص قضوا غرقاً، وهناك حوالي 7 أشخاص من مخيمات لبنان نجوا، والبعض توفي بعد نقله إلى المستشفى، وآخرون ما زال مصيرهم مجهولاً.

هذا المشهد الرهيب هز المجتمع الفلسطيني واللبناني والدولي، لأنه فضح عجز الدول عن معالجة الأسباب، لوقف هذا المسلسل الدموي البشع.

حتى الذين سبق لهم واخترقوا الرقابة والمطاردة، ووصلوا إلى شاطيء الهجرة الآخر، كانوا ضحايا الضياع والموت على الأرصفة، بعد أن ضاقت بهم السبل لتأمين عمل مناسب، أو توفير مورد رزق أفضل كانوا يحلمون به، ولوعدنا إلى ملفات هؤلاء وأقوالهم، فإن نصائحهم كلها تنصب على التحذير من مثل هذه الخطوة، والعمل على البقاء في المخيمات، والتمسك بالحقوق.

بعض هؤلاء المهاجرين أدرك أن وراء تهجير الشباب من المخيمات، مخطط إجرامي يرمي إلى تفريغ المخيمات من طاقاتها وقدراتها الشبابية الفاعلة، والبعض الآخر حمّل المسؤولية للسلطة الفلسطينية التي تلهث وراء القشور، وتركت الشباب عرضة للضياع، وكأنها تريد التخلص منهم بأي ثمن.

وأكد بعض أهالي هؤلاء المهاجرين لـ "وكالة القدس للأنباء"، أنهم لم يعرفوا مسبقاً بقرار أبنائهم بالهجرة، وإلا كانوا قدموا لهم النصيحة بإعادة النظر بقراراهم، لكن البعض الآخر أوضح  لـ "وكالة القدس للأنباء"، ان أولادهم وبعد أن أغلقت أبواب العمل في وجههم لم يجدوا سبيلاً للخلاص سوى الهجرة، وإن كانت تحمل المخاطر، فالموت في البحر أشرف من الموت على الرصيف بانتظار المجهول!!

وفيما أصر البعض على تكرار التجربة، رغم كل ما حصل، إلا أن عدداً كبيراً من الشباب أعلنوا رفضهم لهذا الخيار، وقالوا: لن نرحل إلا إلى وطننا فلسطين، فهو بوصلتنا الوحيدة، وكل المنافي البعيدة لن تصلح إلى أن تكون بديلاً.

مواقف وهواجس الأهالي

وكشف ذوو احد المهاجرين لـ "صدى البلد"، ان طريق الهجرة من المخيم طويل ومحفوف بالمخاطر، وتبدأ من لبنان الى السودان ثم الى ليبيا عبر الصحراء مسيرة 13 يوما، ثم يستقلون المراكب الى ايطاليا وهم وحظهم في النجاة او الغرق، فيما تستمر كل الرحلة نحو 25 يوما وتكلف نحو 5 الاف دولار اميركي.

واكد ناشطون فلسطينيون تابعوا تفاصيل الكارثة الانسانية، ان ما لا يقل عن 25 الى 30 مهاجرا قد فارقوا الحياة، وعرف من الناجين من عين الحلوة كل من ضياء حمد، أدهم دحابرة، نور دحابرة، خالد محمد، فؤاد موسى، محمود نصر الله وحسام الحاج حسن، فيما تضاربت المعلومات حول مصير الفلسطيني محمود صلاح المحمد بين انه مفقود والغيبوبة في المستشفى وترجيح الوفاة غرقا.

وفيما انعكست هذه "الكارثة الانسانية" حالة من الارباك والقلق على أهالي الناجين بعدما نقلوا عن ابنائهم بانهم باتوا في المانيا، رفضت شقيق المحمد الحديث عن التفاصيل، بينما قال ابن عمه ثائر لقد تبلغنا انه غرق على متن المركب ولكن لم نتأكد بعد لانه لم يعثر على جثته، وقد اتفقنا على ان يتابع الموضوع شقيقه في الامارات العربية المتحدة واشقائي في المانيا لمعرفة كل التفاصيل"، حيث سنرسل احد الاصدقاء من الاتراك الى ايطاليا لمعرفة ما يجري سريعا، موضحا انه غادر عين الحلوة مع مجموعة من رفاقه، قبل 25 يوما تقريبا عن طريق السودان ومنها الى ليبيا ومنها الى ايطاليا طمعا في الوصول الى المانيا والحصول على لجوء انساني هربا من ضنك العيش هنا.

وقال صديق المحمد، علي حبوب من بلدة حطين، ان سبب هجرة ابناء عين الحلوة هو قلة الشغل وكل يوم يموت واحد منا نتيجة التوتير الامني، مضيفا انني اعرف اربعة من الذين هاجروا وقد فعلوا كل ما بوسعهم من اجل التخلص من البطالة وسعيا وراء العيش الامن دون التفكير بعواقب الامور المهم التخلص من ظروفهم المعيشية الصعبة انها لعبة حظ".

بينما قالت "أم عثمان" والدة احد الذين بقوا في ليبيا بانتظار الهجرة، ان الوضع الذي لا يطاق، هو الذي دفع الشباب الى الهجرة من ضيق المخيم ومشاكله الامنية وقلة العملل وكثرة البطالة، وقد اتصلنا للاطمئنان عليه وعلى من بقي في ليبيا وقلت لهم ارجعوا، ولكن اكدوا "ان الموت واحد" وهو محتوم في حال قرروا العودة في الصحراء انها مأساة انسانية بكل ما للكلمة من معنى.

وأظهرت لقطات الفيديو المسجلة بثها ناشطون من عين الحلوة تمكنوا من التواصل مع اقارب واصدقاء لهم قبيل وصولهم الى المانيا، ان بارجة حربية تقوم بالبحث عن الناجين وجثث الغرقى، بينما تحدث احد الناجين "ابو محمد" من الشمال اللبناني، انه رفع بيديه ما بين 25 الى 30 جثة، قائلا "لقد شاهدنا الموت بأم العين"، مضيفا "اقسم بالله انها كوارث، شاهدوا هذه الكوارث"، وصب جام غضبه على السماسرة، مرددا "الله لا يوفق تجار البشر ولا انصح احد بالهجرة".

أخيراً، هل يسمع الشباب أو من يفكر بالهجرة غير الشرعية، أصوات المستغيثين، ونصائح الذين رأوا الموت بأعينهم، وعاشوا لحظات حفرت أخاديد وجع في الذاكرة؟

هل يتوقف سماسرة الموت عن أداء "وظيفتهم"  اللاانسانية، وعن ابتزاز وإغراء الشباب بالكذب والخداع، من أجل مكاسب قليلة؟

هل تتحرك الفصائل والدولة اللبنانية، في ملاحقة تجار البشر؟

نأمل ذلك، علنا نستعيد رشدنا في هذا الملف، ونوقف النزف المؤلم.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/71617

اقرأ أيضا