/مقالات/ عرض الخبر

فلسطينيو 48 يتحدّون (إسرائيل) بالوحدة

2015/01/30 الساعة 09:30 ص

يعاني الفلسطينيون ممن بقوا على أرضهم داخل الدولة العبرية منذ إعلانها عام 48 صنوفاً شتى من التمييز العلني والمستتر واعتبارهم "طابوراً خامساً". ورغم كل أشكال الضغط لإخراج هؤلاء عن انتمائهم حافظ فلسطينيو أراضي 48 على هويتهم الوطنية وطوروا أشكال نضالهم وأساليب صمودهم بطرق تثير الإعجاب. وليس صدفة أنه بعد حملة هائلة من التشريعات والتهديدات لوجودهم وحياتهم جراء النزوع اليميني المتطرف لدى الجمهور اليهودي توصلت قواهم السياسية والاجتماعية إلى اتفاق على خوض الانتخابات بكتلة واحدة لأول مرة في التاريخ . رغم أن القيود تفرض على فلسطينيي الداخل منذ حرب 48 إلا أنها تعاظمت في الأعوام الأخيرة بشكل لم يسبق له مثيل، جراء تنامي قوة الجهات الأشد تطرفاً في اليمين الصهيوني. وفي ظل حكومة نتنياهو الحالية التي تضم أحزاباً مثل "البيت اليهودي" برئاسة نفتالي بينت و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وتحكم اليمين المتطرف بالليكود صار التشديد على فلسطينيي الداخل حلاً لكل المشاكل. وتعاظمت في العام 2014 مثلاً، المخططات والتهديدات لفلسطينيي الداخل مثل خطة طرد أهالي عكا القديمة بقصد تهويدها بحجة تطويرها وتكثيف الجهود للفصل بين المسلمين والمسيحيين العرب بذرائع "أرامية".  وتزايدت مساعي تجنيد الفلسطينيين من الدروز والبدو والمسيحيين للجيش "الإسرائيلي" في محاولة لعزل الوطنية الفلسطينية والهوية العربية في غيتوات طائفية أو قطاعية. ولم يتوان الاحتلال عن توسيع عمليات طرد السكان العرب البدو من قراهم في النقب بقصد توسيع مستوطنات هناك وحرمان البدو من نطاقهم الطبيعي الخاص بالرعي والحياة. وأقدمت السلطات "الإسرائيلية" على هدم قرية العراقيب في النقب مرة أخرى بعد أن كانت هدمتها عشرات المرات. كما أقدمت على هدم منازل في حي "مقبل" شرق مدينة شفاعمرو، وذلك في إطار مخطط لهدم الحي كله رغم أنه قائم منذ ما قبل قيام الدولة اليهودية . وتوجهت المساعي الصهيونية نحو محاولة إخماد الهوية الوطنية في النفوس من خلال شن حملات قمعية داخل الجامعات "الإسرائيلية" لمنع الطلاب العرب من الإعراب عن مواقفهم واستخدمت في ذلك عدا القمع الاعتقالات الشرطية والإجراءات الانضباطية .  وما أن بدأ العدوان "الإسرائيلي" على غزة في يوليو/ تموز الفائت حتى ظهرت العنصرية "الإسرائيلية" بأشد أشكالها فظاظة سواء لجهة قمع كل مظاهر التضامن مع غزة أو لجهة "جباية ثمن" لهذا التضامن عبر موجة مقاطعة للمحال العربية وطرد للعمال العرب من الورش اليهودية. وشرعت عصابات "جباية الثمن" الصهيونية بشن هجمات على الأماكن المقدّسة للعرب كالمقامات والمساجد بل والاعتداء على القرى العربية في المثلث ومحيط الناصرة .  ولم تتورع سلطات الاحتلال عن استخدام الرصاص الحي في قمع تظاهرات فلسطينيي الداخل كما حدث في كفر كنا في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت عندما قام أفراد الوحدة الخاصة بإعدام الشاب خير حمدان. وقاد هذا الحدث إلى مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة "الإسرائيلية" استمرت أسبوعين حوصرت خلالها القرية واعتقل وأصيب عشرات الشبّان. وحدث الأمر نفسه الشهر الجاري في قرية رهط البدوية في النقب حينما قتلت الشرطة "الإسرائيلية" الشاب سامي الجعار بدم بارد. وقاد ذلك لجنة المتابعة العربية إلى إعلان الإضراب العام في الوسط العربي برمته احتجاجاً على استمرار الجرائم "الإسرائيلية" المقصودة . غير أن كل هذه الأحداث شيء والدوافع الفكرية خلفها وخلف سن التشريعات والقوانين المقيدة للفلسطينيين في مناطق 48 شيء آخر. تشهد على ذلك محاولات اليمين العنصري تغليف هدف التهجير والطرد بدوافع سياسية بل وسلمية أيضاً. ففي أساس مبادرة وزير الخارجية "الإسرائيلية" أفيغدور ليبرمان السلمية يوجد هدف التخلص من فلسطينيي 48 مع أقل مساحة من الأرض. وعرض ليبرمان خطة "تبادل الأراضي والسكان" التي تقضي بنقل أهالي المثلث إلى الدولة الفلسطينية. وترافق مع ذلك سن قوانين تقييدية بعضها يتعلق مثلاً بالنائب عن حزب التجمع الوطني، حنين الزعبي التي شكلت نوعاً من التحدي لمظهرية "الديمقراطية" "الإسرائيلية". فضلاً عن قوانين أخرى كثيرة تمس بفلسطينيي 48 وحقوقهم وترسخ مكانتهم كمواطنين غير مرغوب فيهم وفي أفضل الأحوال كمواطني درجة ثانية. وبين أهم القوانين التي سنت لإبعاد عرب 48 عن لعب أي دور والمس بحقوقهم كان قانون رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست إلى 25 .3 في المئة. وهذا يعني أن معظم الأحزاب العربية بتشكيلتها الحالية تكون خارج ما يسمى بـ"اللعبة الديمقراطية" لأن أياً منها، ربما عدا واحد، لا يستطيع نيل هذه النسبة ما يعني أن القانون فصل خصيصاً لإبعاد هذه الأحزاب عن "الكنيست". ولم يعد الأمر مجرد مبادرات تبادر لها جماعات أو أحزاب متطرفة لأغراض انتخابية وإنما تحركات تقوم بها الحكومة. وكان تبني رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو لقانون "يهودية الدولة" والاستعداد لتفكيك الحكومة من أجل إقراره أمراً بالغ الأهمية. فقد عنى هذا القانون أن الجمهور "الإسرائيلي" يريد ذلك وأن الأحزاب الرئيسية خصوصاً "الحزب المركزي" لليمين، الليكود يريد ذلك وهو ما يعني أن ""إسرائيل" هي الدولة القومية لليهود فقط"، كما يقول نتنياهو. وبداهة أن هذا يعني أن "تصبح العنصرية الموجودة حالياً كأمر واقع في الشارع مقبولة على مستوى المؤسسات"، كما قالت جمعية "عدالة" التي تدافع عن حقوق الأقلية العربية داخل الخط الأخضر . وأمام هذا الواقع تعددت أشكال تصدي فلسطينيي 48 له. وعدا عن استمرار التركيز على الهوية الوطنية وزيادة الاهتمام بالتعليم ورفع المستوى الطبي والاجتماعي تداعت كل القوى من أجل إيجاد رد سياسي حاسم. وليس صدفة أنه في مواجهة النزعة العنصرية التي تريد من فلسطينيي 48 الامتنان للصهاينة اندفع قادة الوسط العربي إلى تأكيد أنهم أصحاب الأرض الحقيقيون وأن الصهاينة عابرون. وخلافاً لنوعية التشظي المهيمنة في المنطقة العربية تداعت القوى السياسية والاجتماعية والفكرية في الداخل للاتفاق على أول عمل وحدوي كبير. وتم الإعلان في الأسبوع الفائت عن أول قائمة تضم التيارات القومية والوطنية والإسلامية واليسارية لخوض انتخابات "الكنيست".  وثمة نوع من الإجماع على أن هذه القائمة كانت على الدوام حلماً للكثير من الفلسطينيين، بصرف النظر عن أية تحفظات جزئية هنا أو هناك. ولاحظ البعض أن هذا الاتحاد يمثل في اللحظة الراهنة فعلاً تاريخياً بامتياز خصوصاً في ظل الحملة الصهيونية القوية لانتزاع ما تبقى من حقوق للأقلية العربية داخل فلسطين 48. وهكذا للمرة الأولى يقبل إسلامي التواجد في قائمة يرأسها منتم للحزب الشيوعي وتتنازل قوى وطنية عن تحفظاتها لتدخل في قائمة تضم هذا الخليط لتخرج فلسطينيي الداخل من أجواء عجز كانت شاملة. وهكذا التقت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة "حداش" مع القائمة العربية الموحدة التي تضم أيضاً الحركة الوطنية للتغيير ومع التجمع الوطني الديمقراطي لإعلان القائمة الموحدة . ولم يكن بالوسع التوصل إلى مثل هذه القائمة لولا الجهود المخلصة من جانب قوى مجتمعية وفكرية ودينية أرادت وحدة كل القوى في مواجهة الهجمة اليمينية الشرسة . وليس صدفة أن الرد الصهيوني على القائمة الموحدة كان استنكارياً وغاضباً. فقد طالب زعيم "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان بإخراج هذه القائمة عن القانون ومنعها من خوض الانتخابات. ومن شبه المؤكد أن كل القوى الصهيونية التي عملت على مدى عقود من أجل تكريس حالة العجز في الوسط العربي داخل الخط الأخضر فوجئت من هذا الاتحاد. فالسياسة الصهيونية رفضت على مدى عقود التعامل مع فلسطينيي 48 على أنهم "أقلية قومية" وأصرت دوماً على التعامل معهم على أنهم "أقليات". وكانت فكرة الأقليات تسهل على الحكم الصهيوني مواصلة التعامل بمنطق "فرق تسد". وكان رد عضو "الكنيست" أحمد الطيبي على ليبرمان معبراً حين قال إن "هناك احتمالاً أن ننال ما بين 13-15 مقعداً في "الكنيست". وآمل أن تنشأ في الانتخابات المقبلة فرصة كي نكون المعسكر الذي يمنع نتنياهو من تولي الحكم". وأضاف: "هناك حقيقة واحدة مهمة تجدر الإشارة إليها وهي أن ليبرمان، الذي بادر لسن قانون نسبة الحسم من أجل ألا يرانا في "الكنيست"، يرى الآن أمام ناظريه كتلة عربية كبيرة في "الكنيست" فيما صار هو يتراجع ليقترب من نسبة الحسم. وحالياً صار واضحاً أن كتلتنا في "الكنيست" ستكون أكبر من كتلته" . تجدر الإشارة إلى أن العرب في مناطق 48 يشكلون نحو 20 في المئة من السكان ونحو 15 في المئة من الناخبين وبوسعهم أن ينالوا إذا ما وحدوا أصواتهم ما يقرب من 18 مقعداً في "الكنيست" ليصبحوا القوة الثالثة بعد كل من معسكري "الليكود" و"العمل". ومن المؤكد أن توحيد صفوفهم يجعلهم أقرب إلى تحقيق أهدافهم وأقدر على الدفاع عن حقوقهم . المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/69923

اقرأ أيضا