المصدر: هيثم زعيتر - موقع جريدة اللواء
تشير طلائع العام 2015 إلى أنّه سيكون قاسياً، محمّلاً بملفّات مُرحّلة من العام 2014، بعواقب وخيمة إذا لم يتم القيام بخطوات استباقية لمنع تنفيذ مخطّطات التوتير، وأقلّه منع حدوث تداعيات لنتائج الأحداث التي يمكن أنْ تُنفّذ، وفق مخطّط يهدف إلى محاولة زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان، وإثارة النعرات المذهبية والطائفية تحت عناوين ومسميات متعدّدة...
وبات واضحاً أنّ «المايسترو» قد أعطى الضوء الأخضر للخلايا الإرهابية للانطلاق بتنفيذ المخطّط، بعدما وجّه الجيش اللبناني والقوى الأمنية ضربات قاصمة لها، تمثّلت بتوقيف العديد من القادة والكوادر فيها، وإفشال تنفيذ الكثير من المخطّطات، وكشف النقاب عن جرائم وتفجيرات انتحارية وقعت، سواء لجهة تحديد هوية المنفّذين أو مَنْ قام بالتجهيز والإيعاز والتخطيط...
ومع عودة مسلسل التفجير الإرهابي إلى جبل محسن في الشمال (السبت 10 الجاري)، فإنّ ذلك - وفقاً لمصادر أمنية متابعة ومعلومات تقاطعت لدى أكثر من طرف – ما هو إلا بداية لتنفيذ حلقة من الحلقات المتعدّدة للمخطّط الإرهابي، الذي يهدف من خلاله الإرهابيون إلى توجيه عدّة رسائل، ومحاولة إشعال نار الفتنة، خاصة أنّ ذلك يتم مع:
- تجاوز حكومة الرئيس تمام سلام للعديد من الألغام في الملفات الشائكة التي يطرحها وزراء يمثّلون القوى السياسية في الحكومة.
- مواصلة خطف الإرهابيين في «داعش» و»جبهة النصرة»، العسكريين اللبنانيين الأسرى (منذ 2 آب 2014)، والضغط على الحكومة من خلال الأهالي لإحداث فوضى داخلية مربكة للدولة ومحرجة للأمن.
- استمرار الشغور في سدّة الرئاسة الأولى لعدم تمكّن النوّاب من انتخاب رئيس للجمهورية (منذ 25 أيار 2014).
- انطلاق الحوار بين «تيار المستقبل» و»حزب الله» تحت رعاية الرئيس نبيه بري، وهو ما ترك ارتياحاً لدى غالبية الأوساط السياسية، وانعكس تخفيفاً للتشنّج والاحتقان المذهبي في الشارع.
حسناً فعلت الدولة اللبنانية بأنْ قامت بعملية أمنية ناجحة في «سجن رومية» وتحديداً في «المبنى ب» الذي يتواجد فيه الموقوفون الإسلاميون، وكُنّا قد تطرّقنا في أعداد سابقة من «اللـواء» (خاصة في عدد «لـواء صيدا والجنوب» الصادر بتاريخ 29 تشرين الأول 2014 بعنوان: «غرفة عمليات رومية تفشل بإيقاظ خلايا الإرهاب بالانتفاض على القوى الأمنية») إلى ما يجري في السجن، الذي يُعتبر غرفة العمليات الرئيسية التي يستخدمها قادة الإرهاب، بالتخطيط والتدريب والتوجيه والتجنيد لإرهابيين، مستفيدين من الحراسة المؤمّنة لهم من القوى الأمنية، في وقت تتوافر لديهم مختلف وسائل التكنولوجيا والتقنية، بما في ذلك «الإنترنت»، حيث يتواصلون مع مَنْ يشاؤون بسهولة!!!.
ويأتي قرار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق القيام بالعملية الأمنية في «سجن رومية» (12 من الجاري)، بعدما تم التأكد من أنّ منفّذَيْ الهجوم في جبل محسن طه سمير كيال وبلال محمد ابراهيم، كانا على تواصل مع «سجن رومية» – «المبنى ب»، وبالتالي بات تواصل السجناء مع خارج «سجن رومية» مستحيلاً بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الوزير نهاد المشنوق في العملية الدقيقة الناجحة التي سدت ثغرة كبيرة كان الإرهاب يتحرك من خلالها لضرب الاستقرار في لبنان، الأمر الذي أراح الدولة والأهالي على حد سواء.
المخيمات اكتظاظ سكاني وأمني
واللافت أنّ سلسلة من التحرّكات سرعان ما تنطلق في أكثر من منطقة متأثّرة بالشائعات، ومنها ما جرى عند المدخل الشمالي - الغربي لمخيّم عين الحلوة لجهة مخيّم الطوارئ – تعمير عين الحلوة، بقطع الطريق بالعوائق الحديدية من قِبل عناصر «جند الشام»، قبل أنْ تُجرى اتصالات على أكثر من صعيد لإزالة هذه العوائق وإعادة فتح الطريق.
وانطلاقاً من ذلك، فإنّ الأنظار تبقى شاخصة بشكل دائم إلى الوجود الفلسطيني في لبنان، خاصة أنّ أي ملف ينعكس بتداعياته على الواقع الفلسطيني المُثقل بالملفات العالقة والمُرحّلة والمستجدة، والتي تستهدف القضية الفلسطينية بشكل عام، وقضية اللاجئين بشكل خاص، حيث تتأثّر بالتطوّرات المحلية والدولية.
ولأنّ الوجود الفلسطيني يتوزّع على 12 مخيّماً و58 تجمّعاً سكانياً في مختلف المناطق اللبنانية، فإنّ الكثير من الأحداث التي تقع في أي منطقة لبنانية سرعان ما تنعكس على أرض الواقع في هذه المخيّمات، خاصة مخيّم عين الحلوة، بما يمثّله ويرمز إليه باعتباره أكبر المخيّمات الفلسطينية في لبنان.
تتعايش في مخيّم عين الحلوة مختلف الشرائح الفلسطينية، حيث يضم «موزاييكاً» سياسياً لا يتوافر في أي مخيّم آخر، إذ يفوق عدد الفصائل والقوى المتواجدة فيه الـ 20، كلها منضوية ضمن «منظّمة التحرير الفلسطينية»، «تحالف القوى الفلسطينية»، «القوى الإسلامية»، «أنصار الله» و»الشباب المسلم» الذي يضم عدّة مسميات منها: «فتح الإسلام» و»جند الشام» وحركات وخلايا أخرى.
ويُصنَّف المخيّم بأنّه مكتظ سكانياً، حيث يُقيم فيه أكثر من 100 ألف لاجئ فلسطيني، فضلاً عن 15 ألف لاجئ فلسطيني نزحوا من سوريا، يشغلون مساحة جغرافية لا تتجاوز الـ 1.5 كلم2، وهو ما يُعتبر من أكثر الأماكن اكتظاظاً في العالم، إذ انتشر البناء العمودي، بعدما استنفذ البناء الأفقي، حتى للمساحات التي كانت عامة وفارغة.
وتُسجّل بين الحين والآخر العديد من الأحداث، التي يسعى البعض إلى القيام بها تنفيذاً لـ «أجندات خارجية»، سواء أكان مَنْ يقوم بذلك يدري أم لا، أو لبعض الحسابات الخاصة.
وفي ضوء التجارب السابقة فإنّ أصعب ما يواجهه المخيّم، هو الاتهامات بأنّ انطلاق العمل الأمني منه، أو جرى التخطيط والتحضير له في المخيّم، أو أنّ مُتّهماً هو من أبناء المخيّم، لكن الكثير من الأحداث ثبت فيها عكس ذلك، أي إنّه لا المخطّط ولا المنفِّذ ولا أداة الجريمة، كانت ببصمة من مخيّم عين الحلوة، الذي يؤكد أبناؤه أنّه ليس فقط «عاصمة الشتات الفلسطيني» بل «عاصمة الثبات الفلسطيني».
المطبات الأمنية وضرورة الحوار
وانطلاقاً من التجارب السابقة تمكّن المخيّم من تجاوز العديد من المطبّات الأمنية، وتفكيك صواعق الألغام ما أدّى إلى انعكاس إيجابي لذلك على المستويين الفلسطيني واللبناني، وهو ما يجب أنْ يتواصل من خلال مواصلة اللقاءات الفلسطينية – الفلسطينية، والفلسطينية – اللبنانية على مختلف المستويات الروحية والرسمية والسياسية والأمنية، تأكيداً على أنّ الفلسطينيين ملتزمون بما أعلنوا عنه، وهو «عدم الدخول في أتون التجاذبات الداخلية على الساحة اللبنانية».
لذلك، فإنّ أي تطوّرات يمكن أنْ تبرز، تستدعي مواصلة الحوار واللقاءات الفلسطينية الداخلية، كما جرى في محطات سابقة، وذلك من خلال «اللجنة الأمنية العليا الفلسطينية» التي تضم جميع الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية، والتي تلتقي دورياً في سفارة دولة فلسطين في بيروت، بمتابعة من سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، ولم تتأثّر بالخلافات المركزية بين بعض الفصائل الفلسطينية، خاصة حركتي «فتح» و»حماس».
وأيضاً أهمية المصارحة وتوطيد العلاقات مع الجهات اللبنانية، خاصة أنّ هذه المرحلة بالذات يعتبرها الفلسطينيون كما اللبنانيون، أفضل فترة تعاطي مع الملف الفلسطيني في لبنان لجهة التنسيق مع الجيش اللبناني بفضل حكمة ودراية قائده العماد جان قهوجي، والمتابعة الدؤوبة لمدير المخابرات العميد الركن إدمون فاضل، والتي انسحبت على أكثر من مجال، ما أدّى إلى حفظ الأمن والاستقرار في المخيّم، وانسحاب ذلك على الجوار، خاصة مدينة صيدا والعمق الجنوبي والامتداد شرقاً.
وهنا يُسجَّل الدور الهام الذي قام به مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم (عندما كان رئيساً لفرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب)، حيث دخل إلى مخيّم عين الحلوة (8 تشرين الثاني 2006)، فاتحاً كوّة في جدار العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، كان من ثمارها تجنيب المخيّم والجوار ولبنان، الكثير من المخطّطات التي كانت تهدف إلى ضرب هذه العلاقة.
مراحل ثلاث
وفي قراءة سريعة لأبرز المحطات التي شهدها مخيّم عين الحلوة فإنّه يمكن توزيعها على مراحل ثلاث:
- المرحلة الأولى: ما قبل توصّل الفصائل والقوى الفلسطينية المنضوية ضمن «منظّمة التحرير الفلسطينية»، «تحالف القوى الفلسطينية»، «القوى الإسلامية» و»أنصار الله» الإعلان عن المبادرة الفلسطينية (28 آذار 2014).
- المرحلة الثانية: ما بين الإعلان عن المبادرة وقرار تشكيل «القوّة الأمنية» ونشرها (8 تموز 2014).
- المرحلة الثالثة: ما أعقب انتشار «القوّة الأمنية» في المخيّم.
* المرحلة الأولى: شهد مخيّم عين الحلوة بين النصف الثاني من العام 2013 وبداية الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2014 سلسلة من الأحداث الأمنية أدّت إلى اغتيالات، كان أبرزها:
- إطلاق النار على حسين الطويل (19 تشرين الأول 2013)، حيث فارق الحياة (11 تشرين الثاني 2013).
- استهدف مسلّح ملثّم الضابط في القوّة الأمنية مسعد حجير، الذي كان يقوم بتنظيم السير في سوق الخضار في المخيّم ما أدّى إلى وفاته (25 تشرين الأول 2013).
- اغتيال رامي خالد النابو (سوري كردي)، يعمل في شركة لفرز النفايات في صيدا، حيث وُجِدَ جثة في أحد أزقة المخيّم مُصاباً بطلقات من كاتم للصوت (22 تشرين الثاني 2013).
- إطلاق النار على العنصر في حركة «فتح» محمد عبد الحميد السعدي، وهو داخل أحد المحال في الشارع الفوقاني للمخيّم، من قِبل شخص مسلّح كان ترجّل من على دراجة نارية (1 كانون الأول 2013)، ما أدّى إلى وفاته، وخلال موكب تشييعه (بتاريخ 3 منه) انفجرت عبوة ناسفة مستهدفة موكب التشييع، ما أدّى إلى إصابة الفتى ابراهيم بيومي سرحان بجراحٍ، قبل أنْ يفارق الحياة (10 كانون الأول 2013).
- اغتيال وسام كمال أبو الكل من حركة «فتح»، وهو سائق سيارة أجرة، عندما أطلق مسلّحان ملثّمان النار عليه في سوق الخضار وأردياه (2 شباط 2014).
- إطلاق النار على عبدالله وحيد سرية، على يد مسلّحين مقنّعين أثناء تواجده في محلّه المُعد لبيع الخضار في الشارع الفوقاني للمخيّم، ما أدّى إلى مقتله (22 شباط 2014).
- اغتيال العميد في حركة «فتح» جميل جمال زيدان، وهو مدير مكتب قائد «قوّات الأمن الوطني الفلسطيني» في لبنان اللواء صبحي أبو عرب (10 آذار 2014)، عبر إطلاق النار عليه من قِبل مسلّح ملثّم، في الشارع الفوقاني للمخيّم.
* المرحلة الثانية: تم عقد عدّة اجتماعات فلسطينية – فلسطينية، وفلسطينية – لبنانية لتذليل كافة العقبات، للتوصّل إلى مبادرة فلسطينية مشتركة ، تنظيم العلاقات الداخلية ومع الجوار، وكان من بينها اللقاء الذي عُقِدَ بين أمين سر حركة «فتح» وفصائل «منظّمة التحرير الفلسطينية» في لبنان فتحي أبو العردات، ممثّل حركة «حماس» في لبنان علي بركة وممثّل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان أبو عماد الرفاعي، بدعوة من الزميل هيثم زعيتر في دارته بحارة صيدا (22 آذار 2014)، والذي سبق لقاءً موسّعاًَ للقوى الفلسطينية صباح الإثنين (24 منه) في سفارة فلسطين، حيث أعلن عن توصّل الفصائل والقوى الفلسطينية في لبنان إلى المبادرة خلال حفل توقيع كتاب الزميل زعيتر «زلزال الموساد»... «العملاء في قبضة العدالة» الذي أُقيم تحت رعاية قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في «قصر الأونيسكو» – بيروت، حيث أعلنت القوى الفلسطينية عن المبادرة (28 آذار 2014)، وتقرّر تشكيل «القوّة الأمنية المشتركة»، التي كان مقرّراً أنْ يكون عديدها 150 بين ضابط وعنصر، ولكن عند انتشارها تبيّن أنّ الحاجة تفوق ذلك فارتفع العدد إلى 225 بين ضابط وعنصر.
وبعد قرار تشكيل «القوّة الأمنية» المشتركة سُجِّلَتْ سلسلة من الأحداث الأمنية والانفجارات التي كانت تهدف إلى جر المخيّم إلى الاقتتال استباقاً لنشرها، وفي مقدّمة ذلك:
- استهداف مسؤول «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» وإمام «مسجد السلطان صلاح الدين الأيوبي» في المخيّم الشيخ عرسان سليمان (9 نيسان 2014) الذي أُعلنت وفاته (15 منه).
- اغتيال الناشط الإسلامي علي نضال خليل (إبن شقيقة الشيخ أسامة شهابي وأحد المقرّبين من بلال بدر (21 نيسان 2014).
- إطلاق النار على علاء علي حجير في الشارع الفوقاني لمخيّم عين الحلوة (8 أيار 2014)، حيث كثرت الشائعات عن وفاته، ما أدّى إلى حصول اشتباكات على خلفية هذه الشائعات، وهو ما أسفر عن إصابة 9 أشخاص بجراح، حيث قامت «عصبة الأنصار الإسلامية» بالانتشار للفصل بين المسلّحين (12 منه)، قبل أنْ يعلن عن وفاة الجريح علاء حجير (14 منه).
- انفجار عبوة ناسفة بالقرب من «قاعة حطين» للجهة الجنوبية لمخيّم عين الحلوة، استهدفت سيارة قائد «كتيبة شهداء شاتيلا» في «قوّات الأمن الوطني الفلسطيني» العقيد طلال الأردني (19 أيار 2014).
* المرحلة الثالثة: جاء قرار توقيت نشر «القوّة الأمنية المشتركة» (8 تموز 2014) بعدما تم استكمال كافة التجهيزات المتعلّقة بتأمين انتشار يلائم متطلّبات المرحلة، حيث تم اختيار العميد في حركة «فتح» خالد الشايب لقيادة هذه القوّة، التي جاءت المشاركة فيها بين حركة «فتح» و»منظّمة التحرير الفلسطينية» و»تحالف القوى الفلسطينية» و»القوى الإسلامية» و»أنصار الله» بنسبٍ تم التوافق عليها.
وتزامن ذلك بعد الإعلان عن «الخلافة الإسلامية في بلاد العراق والشام» بزعامة أبو بكر البغدادي (29 حزيران 2014)، وردُّ «القوى الإسلامية الفلسطينية»، وتحديداً في مخيّم عين الحلوة، سريعاً (بداية تموز 2014) بعدم مبايعتها، وهو ما عبّرت عنه القوّتان الإسلاميتان الرئيسيتان في المخيّم، على لسان أمير «الحركة الإسلامية المجاهدة» الشيخ جمال خطاب والناطق الرسمي بإسم «عصبة الأنصار الإسلامية» الشيخ أبو شريف عقل، بأنّ «إعلان الخلافة الإسلامية لم يتم بالطريقة الشرعية، لأنّ إعلانها يتطلّب أهل الحل والعقد من العلماء، وليس مجرّد شورى حزب أو تنظيم، وإلا لكان بإمكان كل تنظيم إسلامي القيام بذلك».
وأكدتا أنّ «إعلان الخلافة الإسلامية يحتاج إلى بحث شرعي وسياسي، لأنّ الواقع الآن يزيد الأمر تعقيداً، وأبو بكر البغدادي غير معروف لدى الكثير من المسلمين، ويجب أنْ يكون الخليفة قُرشياً، ومجتهداً، سليم الحواس»... وهو ما لا تجده فيه القوى الإسلامية، ولكن على الرغم من ذلك، باتت الخشية من استغلال الوضع في مخيّم عين الحلوة، ومحاولات «داعش» وغيرها إيجاد موطئ قدم لها على ساحة المخيّم، فتم إفشال أي محاولة للاستغلال الخارجي من قِبل أي من الجهات التي يتم التداول في أسمائها».
واقتصرت الأحداث التي شهدها المخيّم على الفردية، ومنها: إطلاق النار على وليد ياسين أحد كوادر حركة «فتح» في الشارع الفوقاني لمخيّم عين الحلوة، ما أدّى إلى وفاته ووقوع عدد من الإصابات، عُرِفَ منهم محمود اليوسف وحسن راضي وسهيل سلامة (8 تشرين الأول 2014).
ولعل أصعب ما يواجهه المخيّم، الأحاديث الدائمة عن لجوء فارّين أو مطلوبين إليه، خاصةً أنّ هناك مَنْ يُصر على أنّ إمام «مسجد بلال بن رباح» المتواري من وجه العدالة الشيخ أحمد هلال الأسير (مواليد 1968 - صيدا) قد لجأ إلى المخيّم بعد فراره من عبرا، إثر اعتداء مجموعته على الجيش اللبناني (23 حزيران/يونيو 2013)، على الرغم من أنّه أعلن عبر «تويتر» عن أنّه ليس في المخيّم.
وأيضاً مع الحديث عن فرار المطلوب شادي مجدي المولوي «أبو آدم» (مواليد 1987 – طرابلس) ولجوئه بعد دخول الجيش اللبناني إلى أحياء طرابلس (27 تشرين الأول 2014) وأنّ هناك مَنْ أوصله إلى مخيّم عين الحلوة، حيث أدّى ذلك إلى تشنّج في العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، لكن كان هناك حرص فلسطيني على تأكيد رفض دخول المولوي إلى المخيّم، وإنْ تم ذلك، فيجب خروجه لتجنيب المخيّم ما هو بغنى عنه، وحتى لا يؤدي تواجده إلى تهديد حياة أكثر من 100 ألف نسمة لا يمكنهم أنْ يؤمنوا الحماية له، وهو المُعتدي على الجيش اللبناني.
فلسطين هي البوصلة
وبما أنّ أبناء المخيّم يتأثّرون بما يتعلّق بقضية فلسطين، فكانت لهم سلسلة من التحرّكات خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة من (7 تموز 2014 وحتى 26 آب 2014)، وهو ما أثبت أنّ بوصلة القوى الفلسطينية هي باتجاه فلسطين المحتلة، وليس هناك مشروع لا أمنياً ولا سياسياً ولا عسكرياً على الساحة اللبنانية، بعدما أثبتت القوى الفلسطينية ذلك بالملموس أنّها لن تكون طرفاً على حساب طرف لبناني آخر، ولن تكون وقوداً في الصراع الطائفي والمذهبي والخلافات الداخلية على الساحة اللبنانية، بل إنّ الفلسطينيين سيكونون عامل تهدئة واطمئنان، والقيام بإصلاح ذات البين، وهو ما جرى أكثر من مرّة وبشهادة أطراف لبنانيين على المستويات كافة، والمخيّم ليس بيئة حاضنة للإرهاب، ومنها إدانة ما قام به الإرهابيون وفي مقدّمهم نعيم عباس الذي أوقف من قِبل مخابرات الجيش اللبناني بمنطقة الطريق الجديدة في بيروت، واعترف بالقيام والتخطيط لعمليات إرهابية (12 شباط 2014).
وأيضاً الجهود الفلسطينية في حملة الأمن الغذائي، حيث يتم التدقيق في الأغذية وصلاحيتها، وتوقيف المخلين بالأمن حتى من حاول اللجوء إلى المخيّم.
وتأكيداً على الوحدة الفلسطينية وعلى الرغم من الخلافات الفلسطينية مركزياً إلا أنّ القوى الفلسطينية في لبنان بقيت موحّدة في تحرّكاتها، حيث زار وفد فلسطيني مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في منزله ببيروت، تقدّمه سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، وضم ممثلين عن مختلف الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية، بحضور الزميل هيثم زعيتر (29 آب 2014).
وهنّأ المفتي دريان الوفد الفلسطيني على «الانتصار التاريخي على العدو المشترك الاحتلال الإسرائيلي، الذي تحقّق في غزّة بفضل الوحدة الفلسطينية»، مؤكداً أنّ «الشعب الفلسطيني في لبنان هم أهلنا وضيوفنا إلى حين العودة إلى فلسطين محرّرة من العدو الإسرائيلي الغاشم».
وكانت لفتة خاصة من المفتي الدريان بإدلائه بتصريح للمرّة الأولى بعد توليه سدة الإفتاء خلال استقباله وفوداً مهنئة بانتخابه.
مَنْ يتابع الواقع الفلسطيني في لبنان، وتحديداً في مخيّم عين الحلوة، يخلص إلى نتيجة أنّه يمكن أنْ تحدث إشكالات بين الحين والآخر، سواء فردية أو ذات طابع عائلي واجتماعي، وهو ما ينسحب على أكثر من منطقة لبنانية.
ولكن مَنْ يمتلك القوّة العسكرية والأمنية في المخيّم، ليس بوارد التفجير، بل هو حريص على الاستقرار في المخيّم، الذي أيقن أبناؤه أنّه الملاذ الأخير لهم ولعائلتهم، ويرفضون تكرار «سيناريوهات» متعدّدة، حتى لا يؤدي ذلك إلى نزوح أبناء المخيّم إلى أماكن أخرى، فهم يتمسّكون بأنّ وجهتهم وهجرتهم التالية هي باتجاه فلسطين فقط دون سواها.
في المقابل، فإنّ المطلوب من القوى السياسية اللبنانية، وخاصة في مجلسَيْ الوزراء والنوّاب، العمل على إقرار حق العمل والحقوق الإنسانية والاجتماعية والمدينة وحق التملّك للفلسطينيين في لبنان، لأنّ تحسين ظروف اللاجئ الفلسطيني تساهم برفضه لكل مشاريع التوطين أو الهجرة، وتساعده على التمسّك بحق العودة إلى فلسطين وفقاً للقرار الدولي 194، وعدم شطب قضية اللاجئين المستهدفة من قِبل العدو الإسرائيلي، والتي تبرز عقبة في إطار مباحثات السلام.