/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

2014... سنة المقاومة بامتياز

2014/12/31 الساعة 10:51 ص

لم يكن 2014 عاماً عاديا في إطار الأداء الأمني والعسكري للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، فدائرة النيران انطلقت من غزة وبلغت شمال فلسطين المحتلة. حتى مستوى المقاومة في الضفة والقدس المحتلتين كان أفضل من السنة التي قبلها، إذ برزت العمليات الفردية وأخرى غيرها منظمة.
وبمقارنة حرب 2014 بسابقتيها في (2008، 2009) و(2012)، فلا جدال أنها الحرب الأكثر إنجازا وألما في آن واحد. ولمعرفة البداية، فإن اتفاق الهدنة في 2012 لم يمنع الاحتلال من خرقها على مدار عامين، إذ إنه في الثامن من كانون الثاني الماضي استهدفت قوات الاحتلال مواطنين شمال قطاع غزة بطائرة استطلاع، ما دعا كتائب المقاومة الوطنية، الجناح العسكري للجبهة الديموقراطية، إلى الدعوة لتشكيل غرفة عمليات مشتركة والرد على التصعيد الإسرائيلي، لكن سياسة (ضبط النفس) كانت كابحا للمواجهة، إذ نشرت حكومة (حماس) السابقة عناصر (الضبط الميداني) على الشريط الحدودي الشرقي والشمالي لمنع إطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة عام 1948.
سرعان ما تجدد التصعيد إثر إعلان إسرائيل سيطرتها على سفينة إيرانية في الخامس من آذار داخل البحر الأحمر، وقالت إنه كان على متنها أسلحة وصواريخ متجهة إلى القطاع. ترافق مع ذلك توجيه ضربات جوية خاطفة في الشهر نفسه إلى غزة، وإطلاق النار في اشتباكات في الضفة المحتلة، حصدت كلها أرواح عشرة شهداء فلسطينيين. ردا على ذلك، أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة (الجهاد الإسلامي) عملية سمتها (كسر الصمت)، وأطلقت فيها 90 صاروخا دفعة واحدة على المستوطنات المحاذية للقطاع مع (تعمد عدم إيقاع خسائر في الصفوف الإسرائيلية)، فيما رد الاحتلال بقصف لبعض المواقع الخالية.
ظلت المواجهة قائمة في غزة على نحو فاتر، فيما تنامى الغليان الشعبي في الضفة على وقع الاعتقالات المستمرة والاعتداءات اليومية في مختلف المحافظات مقابل اشتباكات شبه يومية على الحواجز الإسرائيلية مع ثلاث محاولات لطعن جنود الاحتلال في آذار نفسه وإصابة 12 مستوطنا.
وتسبب أسر ثلاثة مستوطنين وقتلهم في مدينة الخليل، مع المدة الزمنية بين اختفائهم والعثور على جثثهم، في قلب جغرافيا الضفة وواقعها. ورغم مواراة «حماس» مسؤوليتها عن العملية، فإن الاحتلال أعلن اسمين لأسرى محررين تمكن من اغتيالهما بعد نحو شهرين. قبل ذلك، توجت حالة الاحتقان إثر الحادثة بإعلان إسرائيل بدء عملية عسكرية «كبيرة» ضد غزة في الثامن من تموز بعد ثلاث عمليات اغتيال ورد فلسطيني محدود.
كان المتوقع أولا ألا تطول الحرب، لذا بدأت التحركات السياسية العربية والدولية لاحتواء الموقف، وقدمت القاهرة مبادرة في الرابع عشر من الشهر نفسه مقترحا لوقف العدوان وافق عليها الاحتلال، لكن المقاومة رفضتها، على اعتبار أنها لا تلبي الحد الأدنى من الشروط.
إثر ما سبق، بدأت المقاومة تقديم مفاجآتها، وسجلت الحرب أداء نوعيا لها ولاسيما حركتا (حماس) و(الجهاد الاسلامي) بصفتهما رأس الحربة، فجرى الكشف عن صواريخ أصابت العمق الإسرائيلي، منها (R160) الذي بلغ مشارف حيفا، و(فجر 5 وفجر 3 وجعبري 80 ومقادمة 75 وبراق 100 و90 و70)، والأنواع الأخيرة غطت مدن هرتسليا وتل أبيب، إضافة إلى القدس المحتلة وديمونا في النقب. وشاركت باقي الفصائل في وضع أكثر من سبع مدن ومستوطنات داخل الأراضي المحتلة (بئر السبع، واوفكيم، وعسقلان، وسديروت، ونتيفوت، وكريات جات، وغوش دان) في دائرة النار المستمرة، كما أدخلت أكثر من أربعة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ.
وكان لعمليات كتائب القسام البرية والبحرية (خلف خطوط العدو)، بجانب تحليق طائرة استطلاع بلا طيار، بالغ الأثر في رفع الروح المعنوية فلسطينيا. أيضا للتصدي القوي للمقاومة للاجتياح البري، الذي بدأ في السابع عشر من تموز، والإعلان عن أسر جندي واختفاء آخرين، الوقع نفسه. ومع أن الاحتلال استطاع في الحرب الأولى (2008) تقطيع أوصال القطاع واجتياح مناطق فيه، فيما أحجم عن الدخول البري في 2012، فإنه لم يقدر خلال المواجهة الأخيرة على تحقيق إنجاز في البر أو الساحل، ما دفع به إلى حملة جنونية في قصف عشرات آلاف البيوت وصولا إلى استهداف الأبراج السكنية.
المفارقة، أنه كلما تصاعدت حدة المواجهة في غزة، كانت المقاومة الشعبية في الضفة تتراجع على ضوء القبضة الأمنية لكل من إسرائيل والسلطة، منعت لاتساع دائرة النيران، وهو الأمر نفسه الذي جرى في الأراضي المحتلة عام 48.
وأعلنت إسرائيل أن الحراك الدولي اتجاه تطويق العدوان يجب أن يثمر نزع سلاح المقاومة مقابل وقف النار وإعمار غزة، لكن الفصائل الفلسطينية بمختلف أذرعها العسكرية رفضت ذلك، ووصفت السلاح بـ«الخط أحمر»، حتى جاء السادس والعشرون من آب ليعلن التوقيع على اتفاق «غير نهائي» لوقف الحرب في القاهرة. وكي لا يساء فهم موقف المقاومة وقبولها وقف النار، دون الموافقة على شروطها التي أصرت عليها بعد سلسلة اغتيالات طاولت قيادات في القسام والسرايا، فإنها ربطت استمرار التهدئة بمدى الاستجابة لمطالبها.
لم تمض الأيام حتى بدأ الحراك الشعبي في الضفة مجددا، فيما فجرت مدينة القدس سابقة بسلسلة عمليات فردية مع توتر غير مسبوق وصل حد إغلاق المسجد الأقصى ومنع المقدسيين الصلاة فيه.
في الميدان الغزي، ومنذ اليوم الأول لانتهاء العدوان باشرت قوى المقاومة ترميم قوتها من جديد، وشهد شهرا تشرين الأول والثاني إجراء تجارب صاروخية قالت مصادر عسكرية إنها ترمي إلى وصول صواريخها إلى أبعاد أطول من تلك التي جرى إتمامها خلال الحرب الأخيرة.
واستغلت كتائب القسام ذكرى انطلاقة «حماس» في الرابع عشر من كانون الأول لتقدم عرضا عسكريا تضمن أسلحة متنوعة، مع إعلانها صراحة طبيعة الدور الإيراني في هذا التسليح. إلى جانب ذلك تبدو القوى الأخرى، وخاصة سرايا القدس، أكثر حماسة وصرامة في التعامل مع الخروق الإسرائيلية للتهدئة.
تأسيسا على ما ذكر، فإن عام 2014 أبرز حجم التطور النوعي في أداء المقاومة الفلسطينية والتكتيكات المستخدمة في مواجهة إسرائيل، إلى جانب دخول القدس المحتلة على خط المواجهة. وقد يعيد العام المقبل سيناريو مشابها لما مضى، ولكن أي انفجار مقبل قد يبدأ بعدوان، ولا ينتهي بانتفاضة ثالثة جديدة.
 

 

المصدر: صحيفة الاخبار اللبنانية

 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/68547

اقرأ أيضا