يعترف قادة الكيان الصهيوني بأن العدوان على قطاع غزة 2014 وضعهم أمام تحديات جديدة، ووضع نظرية الأمن القومي "الإسرائيلي" أمام أسئلة مصيرية حول ماهية الردع وماهية الحسم، وذلك بعد أن أخفق العدوان الصهيوني على قطاع غزة في تحقيق استراتيجية العدوان "كي الوعي الفلسطيني" ولم يردع المقاومة. فعلى الرغم من استخدام قوات الاحتلال للقوة النارية الجوية الدقيقة لم تتمكن من الوصول الى أهداف محددة، فيما ظلت صواريخ المقاومة تستهدف المواقع الاستراتيجية والأهداف الحيوية في الكيان الصهيوني، وألحقت ضرراً كبيراً بالإقتصاد "الإسرائيلي" إذ تم إغلاق مطار بن غوريون وتوقفت الرحلات السياحية والتجارية القادمة من الخارج، وأجبرت المستوطنين على مغادرة منازلهم والنزول الى الملاجئ طيلة أيام الحرب، ما يعني سقوط المرتكز الأساسي الأول في نظرية الأمن القومي "الإسرائيلي" وهو (الردع).
أما من الناحية الاستخبارية الاستراتيجية فلم يكن هناك تحذير مسبق ينبئ بالتطورات التي جرت في قطاع غزة، إذ لم تتوفر لدى قوات الاحتلال المعلومات بشكل مبكر حول طبيعة المواجهة المتوقعة مع سرايا القدس وكتائب القسام والأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة، حيث يقر قادة الاحتلال أنهم ارتكبوا أخطاء فادحة في عدم قدرتهم على اكتشاف موضوع الأنفاق، على الرغم من التكنولوجيا والتقنية العالية التي يمتلكها الكيان الصهيوني، وذلك بحسب اللواء الاحتياط يعقوب عميدرور الذي يقول: (عرفنا إلا أننا لم نستوعب)، ما يعني سقوط المرتكز الأساسي الثاني في نظرة الأمن القومي "الإسرائيلي" وهو (الإنذار). وفي محاولة لتحقيق الحسم عسكرياً، لجأ قادة الجيش "الإسرائيلي" الى زج كامل الوحدات البرية في قوات الاحتلال من أجل اجتياح قطاع غزة برياً ولم تتمكن من التقدم أكثر من خطوة واحدة الى الأمام. فقد واجهت قوات الإحتلال قوة استثنائية ذات مكونات خاصة ومستوى متطور من التدريب والتنظيم والتنسيق والسيطرة والقدرة القتالية الفائقة التي جسدتها سرايا القدس وكتائب القسام، وفرضت نوعاً من الحرب الجديدة هي الحرب (الهجينة) التي تجمع بين الحرب اللامتناظرة التي أعد الجيش "الإسرائيلي" نفسه لخوضها وبين الحرب التقليدية التي توقف عنها منذ صعود المقاومة، وبذلك أخفق الاحتلال في حربه البرية ليسقط المرتكز الثالث في نظرية الأمن القومي "الإسرائيلي" وهو (الحسم).
لقد واجهت سرايا القدس والقسام والأجنحة العسكرية في هذه المعركة الجيش الأقوى في الشرق الأوسط لمدة واحد وخمسين يوماً، وفرضت عليه حرب استنزاف طويلة لم يعتد عليها من قبل، حيث قامت عقيدته القتالية على استراتيجية "الحرب الخاطفة" التي يذهب بعدها ليجني مكاسب سياسية، كما أثبتت المقاومة أن ما يحققه الشعب الفلسطيني بالمقاومة لا يمكن تحقيقه بالمفاوضات، الأمر الذي جعل قادة الإحتلال يعيدون النظر في مفهوم "النصر" ويقفون أمام العبر والدروس التي نتجت عن العدوان الصهيوني على قطاع غزة. وفي هذا السياق قام معهد أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي" بعقد ندوة بحثية تحت عنوان (عبر عملية الجرف الصامد) بتاريخ 30/9/2014 شارك فيها عدد من الباحثين الاستراتيجيين "الإسرائيليين". وقد قام مركز اللغات والترجمة في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين برصد هذه الندوة وترجمة المحاضرات التي ألقيت فيها، وذلك للوقوف عند العبر التي استخلصها قادة العدو من الحرب على قطاع غزة.