القدس للأنباء – خاص المخيمات الفلسطينية.. أضيق البقع الأرضية مساحة، وأكثرها سكاناً، وأصعبها ظروفاً معيشية، إلّا أن أبناءها، يحاولون تحدي هذه المأساة تحت ضوء الأزقة الخافت، بإرادة حقيقية، للخلاص من عتمة بيوت متهالكة أرهقتها سنوات اللجوء. وفي ظل ظروف معيشية، توحي للناظر أن سكان تلك البيوت المتراصة، مصابون بحالة من اليأس والإحباط، لم تقف طبيعة الحياة في المخيم عائقاً أمام أحلام قاطنيه. إبداع رغم اللجوء لم يتوانَ لاجئو لبنان في المخيمات الفلسطينية، وبوسائلهم المتواضعة، العمل على إحياء التراث الفلسطيني، برغم العوائق التي تحاصر محاولاتهم العديدة؛ فسعى المبدعون في المخيمات، على إضاءة شعلة تعيد عبق التاريخ الفلسطيني الى النور. فأفسح اللاجىء مكاناً لصور الشهداء المزينة، والرسم التشكيلي، النحت، العزف، الشعر، وكل أشكال الفن التي تتعلّق بالتراث، لتظل القضية عنواناً وهدفهاً له. العمر ليس عائقاً بين ثنايا المخيم، إبداعات لا تتوقف عند فئة عمرية معيّنة. أطفال، ونساء، وشباب في مقتبل العمر، تركوا بصمة واضحة في تاريخ الإبداع. ومسنون قد يكون عطاءهم متأخراً، إنّما لم يتقاعسوا عن السعي في سبيل تحقيق طموحاتهم. أحمد البنّا، متقاعد فلسطيني، من مخيّم برج البراجنة في بيروت، يبلغ من العمر سبعين عاماً، تفرّغ للنحت بعد أن تقاعد عن التعليم في مدارس الأونروا. فهوايته تحولت الى مصدر دخلٍ له، بعد تقاعده من عمله في ظل الظروف الصعبة. وفي ذكرى إحياء يوم الأرض، وغيرها من المناسبات الوطنية، تعجّ المعارض الفلسطينية في لبنان، بقطع فنية، وأشغال يدوية، أبدعتها أيدي نساء فلسطينيات. برزت بينها الأزياء التراثية، واللوحات الفنية المطرزة، وحمالات المفاتيح، والعلب الخشبية المميزة.. وغيرها الكثير من الصناعات الأصيلة التي تستعصي على الفناء، مهما حاول من يريد طمس، وسرقة هوية معالمها الفلسطينية. وفرقة الكوفية التراثية، التي تضم أطفالاً من مختلف أحياء مخيّم عين الحلوة في جنوب لبنان، باتت تحيي اليوم حفلات فنيّة، وعروضات وطنية. فحمل أطفال فلسطينيون بعمر الزهور إرث أجدادهم، ليؤسّسوا "فرقة الكوفية للتراث الشعبي الفلسطيني" للرقص الشعبي والإبداعي. حياة مختلفة مئات ممن خرجوا من المخيّم، ما زالوا يتذكرون وحداتهم السكنية فيه، وقد عملوا بإصرار على كسر الحصار والظروف المعيشية الصعبة. فمحمد خلف، من مخيّم مار إلياس، قضى ليال طويلة في الدراسة، الى أن حصل على إجازة جامعية في الفنون الزخرفية بتقدير إمتياز. حصل محمد على منحة دراسات عليا، قدمتها له وكالة الأونروا، لمتابعة الدراسة في جامعة "إيدينبرغ" في اسكوتلندا. أما، نديم عبد العال، البالغ من العمر 17 عاماً، من مخيّم البصّ جنوب لبنان، كان يمتلك مواهب عدّة، أبرزها الدراما والمسرح. وعلى الرغم من الصعوبات التي يعيشها داخل المخيم، إلا أنها لم تقف يوماً أمام طموحاته وأحلامه. اكتشف نديم موهبته وطورها، من خلال تفاعله مع أنشطة "جمعيّة أطفال الصمود" في مخيمه. الأمر الذي أتاح له القدرة على معرفة ميوله، والمشاركة في العديد من العروض المسرحية في منطقة صور، كما شارك في إعداد مسرحيات عدّة، تم عرضها في بلدان مختلفة، تناولت أحداثهم الواقع الذي عاشه أطفال المخيمات في اللجوء. المخيّم ليس المستقبل على الرغم من أهوال اللجوء، وآلام العيش في المخيمات، تمكّن الفلسطينيون من أن ينصرفوا الى العلم، والى اعادة تأسيس أنفسهم كجماعة بشرية متآزرة، لها طموحات سياسية واجتماعية في الوقت عينه. وفي هذا المجال، لمع بينهم كثيرون، ولا سيما في حقل الإبداع الأدبي والعلمي. وكما أن للبؤس والفقر، مساحة تلازم كل مخيّم للاجئين الفلسطينيين، إلّا أن التحديات لن تتلاشى بتوفير الإمكانات. فيصرّ الفلسطيني داخل المخيّم، على أن يعكس واقعه للعالم ، بإبداعات تتحدّى المأساة.. فتتناول الأعمال الفنية والإبداعية بيئات متعددة، يحاول اللاجىء من خلالها جاهداً، أن يعبّر عن رغبته في تغيير الوضع القائم، والعودة الى الوطن.