قرَّر المجلس الإقليمي "الإسرائيلي" مؤخرًا إقامة مصنع كيماويات تابع للشركة الأمريكية ICC المسمى بـ "بروتروم"، والذي يعتبر أخطر المصانع في المنطقة، وصاحب تاريخ جنائي طويل في تلوث الهواء والتربة وإشعاع المواد السامة تجاه سكان منطقة عكا وخليج حيفا.
وسبق أن تم إغلاق هذا المصنع قبل نحو 9 أعوام بعد حوادث حرائق كبيرة أحدثها عام 2004، وحوادث خطيرة أدت إلى وفاة عدد من العمال العاملين فيه، إضافة لتلويث المنطقة بأكملها، والتي اندلعت احتجاجات واسعة ضدها أدت لصدور قرار قضائي بإغلاقه.
وعادت "اسرائيل" لتعلن في الـ2 من يونيو من العام الجاري قرارًا بإعادة إقامة هذا المصنع الخطير في منطقة أخرى وهي الجبلوع، بالرغم من رفض الكثير من مجالس البلدات عروضًا مغرية لإقامته في مناطقها.
ويهدد افتتاح المصنع صحة وبيئة وهواء أهالي بلدات فلسطينية جديدة في المنطقة وعلى رأسها في منطقة الناعورة والمقيبلة وصندلة.
واحتجاجًا على إعلان إعادة إقامة المصنع قدّم ألاف المواطنين اعتراضًا على القرار، قدّمته نيابة عنهم النائب الفلسطينية حنين زعبي للجنة الداخلية في الكنيست "الإسرائيلي"، إلا أن ردًا لم يصدر منها بعد.
جشع رأس المال
وعن تاريخ هذا المصنع، يقول عضو الكنيست العربي السابق عصام مخول:"إنه كان وعلى مدار السنوات الماضية وخلال مدة عملي بدورة الكنيست السابقة محط رفض واعتراض واسعيْن".
وسبق أن أجرى مخول بحثًا طويلاً حول هذا المصنع قبل نحو 9 سنوات وتمت مناقشة البحث في لجنة هيئة البيئة في الكنيست.
ويؤكد أنه وبعد الاطلاع على البحث صدر قرار واضح من اللجنة بتفريغ كافة المواد الكيماوية منه بسبب خطورتها وانعكاسها على البيئة والسكان في المنطقة.
ولاقت قضية وجود المصنع سابقًا بعدًا اجتماعيًا وسياسيًا وبيئيًا وثقافيًا، وهي ما أدت إلى محاصرة جشع رأس المال "الإسرائيلي" والأجنبي في محاولة الاستهتار بحياة الناس وحتى العاملين في المصنع ذاته.
ويشدد على أنه سبق وأن اجتمعت هيئات وأطر واسعة بلجنة العمال في هذا المصنع، والتي طرحت تفاصيل الحرائق ومعلومات خطيرة حول المواد السامة التي تخرج منه أثناء التصنيع.
وشهدت منطقة خليج حيفا وعكا مظاهرات كبيرة ضد المصنع في تلك الفترة وتم إغلاق أبوابه أمن قبل المحتجين أمام العمال عدة مرات بسبب وجود المواد الكيماوية داخله، وأعقب ذلك قرار بإغلاق المصنع.
ويضيف مخول أن إعادة افتتاح المصنع من جديد هو استهتار بصحة الجمهور وتفضيل لأرباح الشركات ورأي المال في المنطقة خاصة وأننا نتحدث عن منطقة تتميز بالكثافة السكانية.
من جانبه، يؤكد الخبير الإسرائيلي في شئون وقوانين البيئة والنائب في الكنيست "دوف حنين" إن هذا المصنع صاحب تاريخ خطير ويجب أن لا يكون له وجود في المنطقة.
ويقول في حديث نقلته المساعدة البرلمانية العربية في مكتبه شذى عمارة لـ "صفا" إن القضية ليست قضية نقل للمصنع فالمشكلة ليست في المكان حتى يتم نقله إلى منطقة الجلبوع، لأن المشكلة هي المصنع نفسه والمخاطر التي يسببها على صحة الإنسان وتلوث البيئة.
ويستوجب قرار إعادة المصنع العمل على إزالة تاريخه قبل إقامته وبشكل جذري لئلا يتم بحث إعادة افتتاحه من الجهات القائمة عليه، بحسب "حنين".
ويوضح أن هذا المصنع حينما كان قائمًا في السابق لم يتم إغلاقه بالصدفة حتى يأتي الوقت الذي يعاد افتتاحه، لكون قرار الاغلاق السابق جاء بعد معطيات وأثار خطرة على أرض الواقع أعقبها احتجاجات أدت لذلك.
على العرب واليهود
ويقول مسئول اللجنة القطرية للسلطات المحلية في الداخل المحتل مازن غنايم: "إن خطر هذا المصنع سيكون شاملاً للسكان العرب واليهود على حد سواء".
ويندرج هذا المصنع-بحسب غنايم- ضمن أوجه التلوث الأخرى المنتشرة في "اسرائيل" كالهوائيات الخلوية والمصانع الكيماوية التي تبث إشعاعات وغبار سام، وكلها مصادر اجتمعت لتزيد من حالات الإصابة بالأمراض المزمنة وعلى رأسها السرطان.
ويشير إلى أنه ونتيجة لمباعث التلوث هذه فإن حالتين من بين كل 3 حالات وفيات في "اسرائيل" تكون مصابة بالسرطان.
ويضيف أن عودة المجلس الإقليمي لإصدار هذا القرار يدلل على أن المؤسسين لهذا المصنع لا يبحثون عن شيء سوى على تطوير رؤوس الأموال والأرباح حتى لو كانت على حساب الإنسان والبيئة.
ويؤكد أن هذا المصنع كان يصدر اشعاعات خطيرة هددت حياة مئات العمال الذين توفي عدد منهم، ولهذا فإن الدور الأول المطلوب من قبل العمال برفض العمل فيه.
والمطلوب من وجهة نظر مخول لمنع عودة هذا المصنع هو معركة شعبية وسياسية واسعة وتعميق المواجهة وتجنيد الجمهور العربي واليهودي لوقف هذه الكارثة الموعودة بشكل كارثي للسكان.
ويضيف إلى ذلك غنايم، بضرورة التسريع بالتوجه نحو القضاء لاستصدار قرار بمنع ترخيص المصنع وبالتالي حظر إقامته، إضافة لدور كبير على عاتق وزارة البيئة الإسرائيلية بإصدار قرار رفض إقامته.
أما الخبير "دوف" فيرى وجوب أن يكون هناك فحص للظروف التي تم بناءً عليها إصدار قرار إعادة افتتاحه وبالتالي معرفة ما سيكون وما سيجري داخله مسبقًا، لكنه في نهاية الأمر يرى أنه يجب ألا يكون هذا المصنع موجودًا.