/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

أهالي ضحايا صبرا وشاتيلا لـ "القدس للأنباء": لن ننسى دماء أبنائنا

2014/09/17 الساعة 01:09 م

في ليلة ظلماء كان البدر شاهدًا على ما حصل، فعيناه شاهدت وراقبت الفاعلين، إلا أن القنابل المضيئة التي أطلقها الجيش "الإسرائيلي" في سماء صبرا وشاتيلا عكّرت صفو البدر وأحلام الأطفال النائمة، فالقمر بقي نائمًا بسكون، فقد أطلت اشباح الليل التي لا ترحم أحدا، في تلك الليلة دخلت مجموعة من "القوات اللبنانية" إلى صبرا و شاتيلا، وأوغلت قتلًا بالأبرياء، فأغلب الشهداء كانوا من النساء والأطفال و الشيوخ.

وبعد مرور 32 عاما، لم تُرفع البصمة بعد عن مجزرة صبرا وشاتيلا، فالقاتل ما يزال حرا طليقا، وخيوط الجريمة تمتد من صبرا إلى غزة، مجزرة توقظ الروح من سبات عميق، فالمشاهد كانت تؤشر لحدوث مجزرة ستبقى أبدا، وصمة عار في جبين مرتكبيها.  
 ارتكبت المجزرة على مدار ثلاثة أيام، وصل فيها عدد الشهداء إلى 3500 شهيد،  إلا أن وقائعها وانعكاساتها، ما زالت حية في ذاكرة ونفوس أهالي الشهداء والمقربين منهم، فقصدتهم "وكالة القدس للأنباء"، وكانت الحوارات التالية:
 انتصار عبد الغفور "أم بلال"  تركت مخيم صبرا وشاتيلا تحت قساوة المشهد الذي شاهدته، هربت من واقع ظل يلاحقها سنوات عديدة، فهي لا تكاد تنسى حتى تعود الذكرى الأليمة إليها،     روت ما جرى بصوت مرتجف، وكأنها تعيش المجزرة لحظة بلحظة.
 فقالت: "كنا بمحيط مخيم صبرا وشاتيلا، ونسكن بالأساس بالقرب من مستشفى عكا، ومن بعد الاجتياح "الإسرائيلي" وخروج منظمة التحرير الفلسطينية، عدنا إلى منزلنا نريد العيش بسلام واطمئنان، ولكن تفاجأنا بمقتل بشير الجميل، "يللي هو ما كان النا علاقة بقتلو، وما كان في داعي يعملو هالمجزرة و يللي كانت مؤامرة على الشعب الفلسطيني وهدفها تهجيرنا، يخففو مننا ويقللو عددنا".
تتوقف "أم بلال" قليلا، تمسح دمعتها التي شارفت على السقوط، وتقول: "المهم، كنا جالسين في البيت، وفجأة بيجو ناس بصرخوا، لقد وصلت القوات "الإسرائيلية" إلى السفارة الكويتية، فأنا لم أكن أتخيل أن تقع مجزرة آن ذاك، وظننت أنهم سيعتقلون الشباب ونحن النساء والأطفال سوف يضعوننا في الشمس، كما فعلوا بصور في الجنوب اللبناني، وأنا أتذكر أمي عندما قالت لوالدي "أبو علي خود لولاد وروح عالسفارة الجزائرية قبل ما توصل "إسرائيل"".
وقفت لترتشف قليلا من الماء، لتبريد البركان الذي تفجر في جوفها، فكلما اقتربت من الحديث عن استشهاد جدها وعمتها، تبدأ بالغضب والبكاء: "لقد أخذ والدي أخواتي الصغار إلى السفارة، وبقيت أنا مع أمي في الحرش، وعند خروجنا من هناك شاهدنا أناسا يلبسون ألبسة عسكرية، فصرخت أمي في وجه أحدهم: "روح من هون يا سايب قبل ما تجي إسرائيل"، فنظر إليها ولم يتفوه بأية كلمة، فهم لم يكونوا يهودا، إنما عناصر من "القوات اللبنانية"، وصلنا إلى قصر حمادي، فسمعنا صوت القذائف، فعدنا إلى الحرش من جديد، فتحاصرنا وبدأت أمي بالبكاء، وقالت لوالدي "خلينا نطلع من هون هلق"، فقال لها والدي: "يللي بيجي من الله يا محلاه"، وبقي أبي وجدي والعائلة هناك، وفي تمام الساعة السادسة مساء، يدق باب منزلنا، ويصرخ أحدهم بصوت مرتفع "مجزرة يا عالم مجزرة"!!!
عندها بدأت "أم بلال" تبكي على جدها وعمتها ولم تعد تقوى على الكلام، ومع الدمع الممزوج بصوتها الخانق قالت: "راح كبير العيلة المحبوب أبو علي ليفتش على عمتي وما خلا أبوي وقتا يروح معو، راح جدي وما رجع لا هوي ولا عمتي".
وأضافت: "وعند انتهاء المجزرة بعد 3 أيام، نزلنا لكي نبحث عن جدي وعمتي، فشاهدنا الجثث في كل مكان، جثث بالأكوام مرمية في الطريق، ولكن ما شاهدناه جعلنا نتراجع إلى الخلف، وما لبثنا أن نتقدم آملين أن يكون جدي وعمتي من بين آلاف الجثث، ولكن عبثا لم نجد أي شيء،  شفنا طاولات كتير حد بعض، وعليها جثث مقطعة ومحطوط ع الجثث جاطات فواكه، كتبو عليهن هذه هدية لأبو عمار".

في مقبرة الشهداء
توجهت إلى مقبرة صبرا وشاتيلا، كنت أحس هنا آهات الأطفال، وصراخ النساء، فأرواحهم ما زالت تحوم حول المكان، دخلت إلى المقبرة، فوجدت عجوزا تدعى أم علي سالم، رسم الزمن على وجهها تجاعيده، فالذكريات تختبئ وراء هذه التجاعيد السمراء، سألتها :" هل استشهد أحد من أفراد أسرتك؟"
-    قاطعتني، وبدأت بالحديث:" كنت في المنزل عندما دق علينا الباب منذ 32 عاما، أحد عناصر القوات اللبنانية، وقال لي:" وين جوزك"، فقلت له:" زوجي متوفي من زمان"، فأخرجوني من المنزل بالقوة، وجعلوني انا وأطفالي نمشي على الجثث التي كانت في كل مكان، وكان معي إبني علي ويوسف وإبنتي نور، وأولاد أقاربي، وصلنا الى السفارة الكويتية، وكان شارون هناك في المدينة الرياضية، اخذوا مني علي ويوسف الى مكان مجهول، وبقيت انا وإبنتي نور محجوزين لأكثر من 8 ساعات، حتى جاء رجل من القوات اللبنانية واطلق سراحنا، وسألته: "وين اخدتو ولادي يا مجرمين"، فقال لي: "فتشي عليهن بين الجثث"، لم أحتمل ما قاله لي، وغبت عن الوعي لاكثر من 4 ساعات، وبعد ان استيقظت ذهبت لأبحث عن محمود ويوسف، ولكن لم أجدهما".
ذهبت "أم علي" وهي تمسح دمعتها إلى ضريح شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، فهي على يقين أن إبنيها علي ومحمود قد دفنا في هذه المقبرة الجماعية.

شاهدة عيان
بحثت بين الموجودين عن شاهد عيان آخر، يحكي لي قصة في هذه المجزرة، فأطلت عجوز تمشي بخطوات ثقيلة، إنها عفيفة أحمد عبدالرحمن، وصلت الى المقبرة وهي تحمل صورا لفلذات أكبادها الذين قضوا بمجزرة صبرا وشاتيلا، لقد فقدت أمها وإثنين من اخوتها وابن عمها، فاقتربت منها، وسألتها:" مين هول يلي بالصور" قالت لي: "انا أصلا جاي لهون كرمال أحكي وطّلع يللي بقلبي".
تتذكر عفيفة والدتها التي ذهبت لكي تشتري أغراضا، فما زالت كلمات أمها تتردد في ذاكرتها،  قالت:" أمي كانت معي بالبيت، وفجأة صارت بدا تضهر، لحقتا لامي، وبعدني بتذكر آخر جملة قالتلي ياها "خليكي بالبيت وما تفتحي لحدا".
خرجت الام وتركت ابنتها على أمل ان تعود، ولكنها لم تعد، اما عن أخويها حسن وجميل، فقالت عفيفة: "اخوي حسن وجميل ما استشهدو بصبرا وشاتيلا، استشهدو بأحداث تل الزعتر".
وحدثتنا عن إبن عمها أحمد محمد عبدالله، وقالت:" ابن عمي احمد كان بمدرسة بجبل لبنان، بحماية الجيش اللبناني، بس لما صارت مجزرة السبت الاسود، طلعو الجيش من المدرسة، ومن وقتها ما شفناه لحد هلق".

في زواريب المخيم
تركت عفيفة والمقبرة، واخذت أجوب زواريب المخيم، ففي أزقته تنام قصص لم تستيقظ حتى الآن، وجدت رجلاً يجلس على كرسي قديم، الشعر الأبيض الذي يغطي رأسه، يشير إلى وقار، انه الحاج  احمد عبدالرحمن بن نعمان، روى لي كيف فقد، أخته وأولادها.           
 قال بصوت عال:"إنه سعد حداد ومجموعة من القوات اللبنانية هني يلي عملو المجزرة، دخلت القوات اللبنانية من المدينة الرياضية، جانب محطة الرحاب، جاءوا على الدبابات "الاسرائيلية"، الله يلعنهم، وبأمر من الارهابي آريل شارون، صارت المجزرة."
وأضاف: "لقد ذبحوا اهلنا بالسلاح الابيض" البلطات" ومن ثم استعملوا الرصاص، انا لما فتت عالمخيم، بلشت أعد الجثث وصلت ل 150 جثة، كانو كتار ومنفخين، حتى وجدت حد الجثث تنكات لمشروبات روحية وبرنيطة كتب عليها القوات اللبنانية".
وعندما سألته عن سبب قدومه الى المخيم بعد المجزرة مباشرة، قال لي:"اختي جميلة واولادها محمود ومحمد، كانو هنا في المخيم وقت المجزرة، وانا جيت عالمخيم كرمال أطمن عنهم، بس للأسف ما لقيت حدا منهم، بس في ناس اعطوني البطاقات الشخصية لاختي وولادا، وجدوها بأحد الزواريب".
 فلكل واحد داخل المخيم، قصة مؤثرة، في كل منزل او حارة او عائلة او زاروبة او دكانة، توجد قصة مخبأة تحت طلاء الجدران، فالدم المسفوك من الاطفال والنساء والشيوخ، ما زال طريا يرشح بألف حكاية وحكاية.  
 
المجزرة - صبرا وشاتيلا – والشجاعية وخزاعة وتل الزعتر وايلول الاسود وجنين، هي تعبير عن معاناة شعبنا، والواقع الفلسطيني الصعب الذي نعيشه، اليوم نؤكد في ذكرى صبرا وشاتيلا ومما لا يدع مجالا للشك بأن هذه المعاناة تتطلب مزيدا من الاهتمام بأوضاع شعبنا الحياتية، والإنسانية والتمسك بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم طبقا للقرار رقم ،194 ان التاريخ لن ولم يرحم القتلة، وسيأتي اليوم ليتم تقديمهم الى العدالة، وشعب فلسطين سينتصر مهما طال الزمن.   
        

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/64459

اقرأ أيضا