/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

بعد الفشل العسكري.. إسرائيل تحصي الأضرار النفسية

2014/08/08 الساعة 12:04 م

لم تكن وسائل الإعلام في حاجة إلى استطلاعات الرأي للتعرف على مدى الذعر الذي أصاب الإسرائيليين، ليس فقط في غلاف غزة، وإنما أيضاً في مدن وسط وشمال وشرق فلسطين المحتلة. ويكفي اتصال واحد لأجهزة الدعم النفسي المتعددة في مختلف المناطق لمعرفة أن تجربة الحرب الأخيرة، كانت مختلفة جدياً عن تجربة كل الحروب الأخرى، خصوصاً في الأوساط الشعبية.
وخلافاً لكل الحروب السابقة لم تجر المعارك هذه المرة على الحدود، كما كان يحدث مع الجيوش العربية ولا حتى ضمن عمق محدود في جبهة أو قطاع كما حدث مراراً سواء في الحروب مع غزة أو في الحروب مع المقاومة اللبنانية. فقد توسّع نطاق المعركة ليشمل تقريباً الغالبية الساحقة من مساحة فلسطين بأسرها بعدما وصلت صواريخ إلى حيفا شمالاً وإلى ديمونا جنوباً، كما أنها استمرت شهراً على هذا النطاق.
وبعد يومين من إعلان الهدنة وطلب قيادة الجبهة الداخلية من الإسرائيليين العودة إلى حياتهم الطبيعية، تؤكد جهات الدعم النفسي أن الشهر الماضي كان قاسياً على وجه الخصوص. فطلب المساعدة النفسية عبر الهاتف بالكميات التي حدثت يشير إلى ذعر شديد رافق فترات القتال وجعل الهواتف لا تتوقف في هذه المراكز. وبتقدير أولي تتحدث إحدى هذه الجهات، «رابطة عاران»، عن أنها وحدها تلقت 25 ألف طلب للدعم النفسي، وأنه مقارنة بظروف أخرى ارتفعت نسبة الطلبات بأكثر من 400 في المئة.
وبحسب تحليل المعطيات في «رابطة عاران» للدعم النفسي، فإن 52 في المئة من طالبي الدعم كن من النساء، وهذا يعني أن الخوف كان سائداً لدى الجنسين على حد سواء. فهذه النسبة من طالبي الدعم النفسي تعبر أيضاً عن نسبة النساء في المجتمع.
وتبين المعطيات أن النسبة الأغلب من طالبي الدعم النفسي كانت من المنطقة الوسطى، أي ما يُسمّى غوش دان أو تل أبيب الكبرى.
إن إدخال تل أبيب الكبرى في نطاق الصواريخ قاد إلى تغيير المعطيات بشكل جدي عند «رابطة عاران». فقد أتت 40 في المئة من طلبات الدعم النفسي من غوش دان وكانت قليلة جداً مثل هذه الطلبات من المناطق القريبة من غزة والتي كانت تعوّدت على مر السنين على هذا التوتر.
وكان ملحوظاً أن 60 في المئة من طلبات الدعم النفسي كانت على خلفية الذعر من الوضع الأمني، وأن غالبية المتصلين كانوا من أعمار تتراوح بين 25 إلى 35 عاماً. وبديهي أن هذا الجيل هو تقريباً الجيل الأكثر استدعاء للخدمة الاحتياطية في الجيش، الأمر الذي يدلّ على حالة عامة.
ويشدد مدير عام «رابطة عاران» ديفيد كيرن على أن «الوضع الأمني أعطى إشاراته في كل شرائح المجتمع. والحديث يتعلق بظاهرة معروفة ومع ذلك هذا يثبت مرة أخرى أن لدينا جبهة خلفية قوية».
على أية حال فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية القوية كانت قوية فعلاً في شدة كراهيتها للفلسطينيين وغزة. كتب جدعون ليفي، وهو كاتب يساري، في «هآرتس» أن «فرقة الإنشاد الوطنية تحاول الآن تزوير نصر. وهي تزور أيضاً هزيمة حماس مع عدم وجود إنجازات كثيرة. وقد زوّرت قبل ذلك وحدة الشعب وثباته الصلب، وزورت بالطبع بطولة الجيش الإسرائيلي وأخلاقيته. وهي تزور كل رشقات الانتقاد من العالم باعتبارها معادية للسامية. هكذا هي فرقة الإنشاد الوطنية، إنها فرقة التزوير».
وأشار ليفي إلى أن «المحللين ينافس بعضهم بعضاً في أيهم أشد تعبيراً عن سحق حماس ـ لكن الحقيقة تختلف تمام الاختلاف». ويضيف أن «فرقة الإنشاد الوطنية طمست حقيقة أن إسرائيل قبلت طلب حماس خروج الجيش الإسرائيلي من القطاع شرطاً للهدنة. وهي تتجاهل أيضاً أن إسرائيل أصبحت مستعدّة فجأة بعد الحرب للتباحث مع ممثلي الوحدة الفلسطينية، أفليس ذلك إنجازاً لحماس؟».
وفي نظره «تزوّر فرقة الإنشاد أيضاً الثبات الصلب للجبهة الداخلية ووحدة الشعب. وُجدت في الحقيقة مظاهر تكافل مدهشة، لكنه إذا وُجدت وحدة فهي شدة الوطء والعدوان والشعور القومي والتحريض، ويمكن أن نشكّ أيضاً في مقدار ثبات الجبهة الداخلية. ويحسن ألا نفكر في ما كان سيحدث لو لم توجد للجبهة الداخلية قبة حديدية تحميها».
وأياً يكن الحال، فإن استطلاعات الرأي الإسرائيلية حاولت الإجابة عن السؤال حول الانطباعات المتولدة عن الحرب والتي في أساسها وإجمالاً تتحدث عن اعتقاد الجمهور الإسرائيلي بأن أياً من الطرفين لم ينتصر.
وبحسب استطلاع نشر في «هآرتس» أمس الأول، فإن 51 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن أياً من الطرفين لم ينتصر، وفقط ثلث الإسرائيليين يعتقدون أن جيشهم حقق النصر.
وأشار محرر الشؤون الحزبية في «هآرتس» يوسي فيرتر إلى أن خلاصة رأي الإسرائيليين المستطلع رأيهم هو أن نتيجة الحرب تتلخص بكلمة واحدة «التعادل».
وأضاف أنه «من دون أبواق انتصار ومن دون أوهام زائدة، وبنظرة واعية إلى الواقع، ومع تأييد كاسح لا مثيل له للقادة الثلاثة الكبار الذين أداروا عملية الجرف الصامد... تُبين معطيات استطلاع صحيفة هآرتس بين الجمهور عامة، أن أكثرية ساحقة من المستطلعة آراؤهم لا تؤثر فيهم الرسائل التي اشتملت عليها خطب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشي يعلون ورئيس الأركان بني غانتس والمتحدثين باسمهم».
وأظهر استطلاع نشره موقع «والا» الإخباري أنه برغم الشكوك التي أثارها وزراء حول أداء رئيس الحكومة والجيش في الحرب، فإن غالبية 62 في المئة تعتقد أن نتنياهو أدار الحرب بشكل أفضل من إدارته للشؤون الداخلية والعلاقات الدولية.
ومعروف أن غالبية الاتهامات التي وجهت إلى نتنياهو تحدثت عن «تردّده» وعدم سعيه «للهجوم بقوة» على غزة. وبين الاستطلاع أن الجمهور الإسرائيلي ليس راضياً عن اتفاق وقف النار مع حماس حيث يريد 46 في المئة من المستطلع رأيهم رؤية حماس أضعف حتى في مقابل استمرار العملية الحربية.
12 في المئة فقط أبدوا اعتقادهم بأن الضربة التي تلقتها حركة حماس ستضمن الهدوء لفترة طويلة قبل الجولة المقبلة. واعتبر 74 في المئة أن الدولة أهملت حماية مستوطنات غلاف غزة ولم توفر لسكانها الحماية اللازمة عبر «القبة الحديدية» وأنها لم تستعد لمواجهة خطر الأنفاق.
من ناحيتها نشرت «يديعوت أحرونوت» مقالة حول استطلاعات أجرتها جاء فيها أن «28 في المئة من الاسرائيليين ـ بحسب استطلاع للرأي قام به الخبير بالعلاقات العامة روني ريمون ـ يعتقدون أن حماس انتصرت، ويعتقد 21 في المئة فقط أن الجيش الاسرائيلي انتصر. ويؤمن 45 في المئة أن النتيجة متوسطة».
وليس واضحاً تماماً هل «متوسطة» تعني أنها خير لليهود أم لا. وليس واضحاً ايضاً ماذا كان سيكون التعريف لو كانت النتائج خلاف ذلك، أي لو أن 28 في المئة اعتقدوا أن الجيش الاسرائيلي انتصر واعتقد 21 في المئة أن حماس انتصرت. هل كان ذلك سيغير هذه المتوسطة التي ربما تكون تعبيراً بديلاً عن «الاكتئاب» الذي تفشى بيننا وحل محل «إضاعة الفرصة».
وبحسب المقالة فإن هذه النتائج يجب أن تقرأ على قاعدة أن الجمهور الإسرائيلي نادى بالحسم العسكري مع حماس. فقد أبدى «70 في المئة منا على الأقل إذا اعتمدنا على استطلاعات الرأي أملهم أن نحتلّ غزة ونقضي على حماس وعلى الإرهاب وأن ننتصر بمرة واحدة والى الأبد وأن تكون تلك نهاية كل أولئك العرب».
وأخيراً وليس آخراً، من المهم الإشارة إلى نتائج استطلاع نشرته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي وأظهر أن 21 في المئة من سكان مستوطنات غلاف غزة لا يريدون العودة إلى مستوطناتهم. ويريد هؤلاء نقل أماكن سكنهم وحياتهم إلى خارج هذه المنطقة وربما أيضاً إلى خارج حدود إسرائيل.

 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/63167

اقرأ أيضا