الحذر الذي ميز رد الفعل الاولي على اعلان نهاية الانقسام كان مبررا، بل ان ما يجري حاليا، هو التفسير العملي للمخاوف الشعبية.
الا ان الحذر لم يصدر عن جهات مستقلة، وانما ومنذ اللحظة الاولى، صدر عن اوساط فتحاوية وحمساوية، واكاد اجزم ان الحذرين مما تم هم الاغلبية، والسؤال المركزي الذي يدور في فتح وفي حماس، هو من الذي اوقع بالاخر؟ او من الذي ألبس الاخر العمامة؟ وهو تعبير مصري حين يدور الحديث عمن " بلف " الاخر في صفقة ما.
يقولون في حماس، ان فتح كسبت المعركة من خلال القرائن التالية...
اولا...انها شكلت الحكومة على مزاجها ومن مؤيديها.
ثانيا... انها جذبت حماس الى موقعها السياسي، حين اعلنت الحكومة المشتركة عن تجديد اعترافها باسرائيل، والتزامها بوقف العنف، ومضيها قدما في التنسيق الامني الذي أسبغ عليه الرئيس عباس صفة المقدس، ومهما حاولت حماس فصل نفسها عن الحكومة التي فعلت كل هذا، الا ان اعتبارها حكومة مشتركة، جعل حماس ليست مجرد شريك في الرواتب مثلاً، وانما شريك في السياسة، حتى ساد مصطلح يقول، ان حماس اعترفت بإسرائيل بالباطن، او بالسكوت والسكوت غالبا هو علامة الرضى.
هكذا يتحدثون في حماس، الا ان المتحمسين لما تم، يفسرون ذلك كله ويحاولون من خلال هذا الحديث الفوز بمغانم الحكومة المشتركة، وتجنب مغرمها السياسي، وهذه مسألة لن تقنع احداً لا في حماس ولا في العالم الخارجي.
اما فتح ..فان رأيا عاما مهما في داخلها ، يرى ان الحركة التي جرى التنكيل بها على مدى سبع سنوات في غزة، هي التي قدمت طوق النجاة لحماس، بعد ان فقدت جميع حلفائها ومصادر قوتها ، ويقولون في فتح استطرادا لذلك، ان الاتفاق المرتجل الذي اعلن في مخيم الشاطئ لمجرد الاستعراض التلفزيوني، اعفى حماس من جميع مسؤولياتها خصوصا المالية، دون ان يمس باستقلالية قوتها الامنية والادارية والعسكرية، وبذلك تكون حماس تخلت عن قشرة السلطة وحصلت بالمقابل على عمق السيطرة والنفوذ، وهذا اراح حماس في غزة وفتح لها ابواب نفوذ وشرعية في الضفة.
وجدل كهذا وان دار بحدة داخل اوساط واطارات الحركتين الكبيرتين، الا انه اتسع وانتشر على مستوى الرأي العالم الفلسطيني كله، حين اصطدمت احتفالات الوحدة السطحية وغير المقنعة، بأزمة الرواتب ، وهي ازمة لا صلة لها بالخيارات السياسية او المقاومة، فأزمة الرواتب، وضعت المقاتل والمفاوض على قدم المساواة، ولا مجال اثناء الجدل حولها الادعاء ان من قبض هو من اتباع خيار التفاوض، وان من لم يقبض هو ضمانة المقاومة المسلحة، ذلك ان الموظف الذي ينتظر راتبه بفارغ الصبر آخر الشهر، وان كان وطنيا بالفطرة كسائر ابناء الشعب الفلسطيني ، الا انه في امر قوت عياله يفكر بصورة عملية بعيدة عن تصنيفات السياسيين وادعاءاتهم
ان الذي يجري الان من اقتتال حاد على المرتبات، وسبقه اقتتال كلامي على بعض الوزراء وبعض المسميات الادارية، يؤكد ان وحدة الوطن في واد ووحدة المأزومين من السياسيين في وادٍ آخر، وهذا امر فوق انه برر الحذر مما تم الا انه يقرع جرس انذار يدعو الفلسطينيين الى التفكير جديا في وحدة حقيقية، وليس في مجرد استعراض تلفزيوني.
المصدر: القدس