قع مصير اتفاق المصالحة في المحظور، بالنسبة إلى مسؤولين فلسطينيين، عند "اصطدامه باستحقاق بحث ملفي الأمن ومنظمة التحرير قريباً، وتباين البرنامج السياسي لحركتي "فتح" و"حماس"، والضغوط الخارجية المضادّة.
وإذا كان الطرفان قد اتفقا على تأجيل خلاف الانتخابات، بإرجاء إجرائها لما بعد الستة الأشهر المحددة، وفق إعلان الشاطئ في 23 نيسان (إبريل) الماضي، فإن القضايا المفصلية ستطلّ برأسها الثقيل على آفاق المصالحة قريباً.
ومنذ مشهد توقيع الاتفاق في غزة؛ تناوبت الحركتان على إصدار التصريحات الايجابية لتأكيد توفر الإرادة والنيات الجادّة للمصالحة، وتحقيق الوحدة الوطنية المضادّة للاحتلال والطاردة لانعكاس ملابسات أحداث المنطقة في الساحة الفلسطينية.
إلا أن "الانشغال بالأدوات الفنية لتطبيق الاتفاق، وبروز خلافات حول ملفاته، أو استهداف طرف لإخضاع الآخر سياسياً، قد يؤدي إلى عرقلة مساره"، وذلك وفق مسؤولين في حديث صحفي، اقترب قلقهم من ما سبق بحثه في جلسة نقاشية مغلقة حول آفاق مصير المصالحة، وذلك على هامش منتدى الجزيرة الثامن الذي عقد خلال يومي 25 – 28 من الشهر الماضي في الدوحة.
وبالنسبة إلى بعضهم، فإنه "بالرغم من عدم وجود نية مبيتة لإفشال المصالحة مقابل توفر إرادة جدية لإنجاحها، ولكنها ستصطدم، لا محالة، بالملفين الأمني ومنظمة التحرير وعند مناقشة البرنامج السياسي الوطني".
واعتبروا، في حديثهم مفضلين عدم نشر اسمهم، أن "ثمة تحديات معتبرة تقف أمام مسار المصالحة، ومنها التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة والاحتلال".
ولفتوا إلى أن "الجزء الأكبر من المساعدات الأمريكية المقدمة إلى خزينة السلطة، بمعدل متوسط 400 مليون دولار سنوياً، يذهب لبناء قدرات أجهزة السلطة الأمنية وتنسيقها مع الاحتلال في الضفة الغربية".
وبالتالي، فقد "يصعب إسرائيلياً وأمريكياً "قطع" هذا التنسيق الأمني، الذي يوفر للاحتلال كل أسباب الراحة والأمن والاستقرار في الضفة الغربية، تصل حدّ عدم إزعاجه بكوادر المقاومة التي يتم مطاردتها واعتقالها من جانب أجهزة السلطة"، بحسبهم.
ويعدّ الملف الأمني من أبرز تحديات اتفاق المصالحة، إذ تطالب "حماس" بإبقاء سلاح المقاومة دونما مساس، مع دمج أفراد الشرطة والأمن في قطاع غزة ضمن إطار الأجهزة ألأمنية التابعة للسلطة، غير أن الأخيرة صرحت أكثر من مرّة بأن الدولة المنشودة ستكون منزوعة السلاح.
وكان عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عزام الأحمد قد تحدث، في تصريح صحفي، بأن "الملف الأمني تمت معالجته في اتفاقية الوفاق الوطني عام 2009، الموقعة في أيار (مايو) 2011 بالقاهرة، فيما يتعلق بتوحيد الأجهزة الأمنية والعمل فيها وعددها وفق قانون الخدمة المدنية في قوى الأمن الفلسطينية" لسنة 2005.
وبالنسبة للأحمد، فإن حديث "حماس" عن عمل ومفهوم الأجهزة الأمنية وإخراج سلاح المقاومة من إطارها، لا يستقيم مع ما جرى الاتفاق عليه سابقاً.
فيما أوضح المتحدث باسم حركة "فتح" فايز أبو عيطة بأن "أي دمج للأجهزة الأمنية سيتم وفق المنصوص عليه في اتفاق القاهرة، في ظل حكومة التوافق الوطني وبالتنسيق مع مصر لأنها الجهة المشرفة على إعادة صياغة وترتيب الأجهزة الأمنية في قطاع غزة".
وقد جاء في البند الثالث من الاتفاقية "احترام الأجهزة الأمنية لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن الوطن والمواطن"، و"حظر إقامة أي تشكيلات عسكرية خارج إطار الهيكل المقرر لكل جهاز"، و"تجريم وتحريم استخدام السلاح لأسباب خارج المهمات الوظيفية وبعيداً عن اللوائح والأنظمة المنصوص عليها".
فيما حدّد عديد الأجهزة الأمنية من قوات الأمن الوطني وجيش التحرير الوطني الفلسطيني، وقوى الأمن الداخلي (الشرطة، الدفاع المدني، الأمن الوقائي)، بالإضافة إلى المخابرات العامة، بينما تندرج "أي قوة أو قوات أخرى تكون موجودة أو تستحدث ضمن القوى الثلاثة".
بيد أن مسؤول قيادي في "حماس" أكد "رفض حركته المساسّ بسلاح فصائل المقاومة في غزة"، لافتاً إلى "ادخال 3 آلاف عنصر أمني من الضفة الغربية إلى غزة، ودمج عدد منهم في إطار الأجهزة الأمنية في القطاع".
وقال القيادي، الذي طلب عدم نشر اسمه في حديث صحفي، إن "حماس طبقت بشكل أمين اتفاق 2009، ولكن السلطة لم ترد على ذلك بالمثل".
بينما يقف تباين البرنامج السياسي حجر عثرة عند الإيغال بعيداً في تطبيقات لجنة تفعيل وتطوير المنظمة، التي تستهدف دخول حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تحت مظلتها.
ويأتي التحدي إزاء استلال "حماس" مطلب برنامج وطني وفق أسّ المقاومة المسلحة للمرحلة القادمة، وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتحرير فلسطين التاريخية، مقابل أخذ "فتح" بمسار التفاوض خياراً استراتيجياً أوحد، وبالمقاومة الشعبية السلمية فقط ضدّ عدوان الاحتلال.
ورأى نائب رئيس المجلس التشريعي حسن خريشة إن "البرامج السياسية لكلا الحركتين متغايرة"، لافتاً إلى ضرورة "عقد اجتماع قريب للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير في القاهرة، إلا أن القيادة المصرية لم تعط أي إشارة ايجابية حتى الآن بهذا الخصوص".
وكانت مصادر فلسطينية تحدثت عن اعتراض مصر على ما اعتبرته "تجاهلاً فلسطينياً لدورها في المصالحة" مقابل دور قطري، رغم تأكيد الرئيس محمود عباس المتواصل على الدور المصري الحيوي في إنجازها.
وقال خريشة، من فلسطين المحتلة، إن "كل الظواهر تشير إلى توافق الحركتين على تأجيل موعد إجراء الانتخابات لما بعد الستة الأشهر المتفق عليها مسبقاً، وربما السنة، رغم أنه كان يفترض بعد تشكيلة حكومة الوفاق الوطني إصدار مرسوم رئاسي بإجراء الانتخابات، إلا أن ذلك لم يحصل".
وتوقف عند "أجواء التوتر السائدة في الساحة المحتلة بسبب أزمة الرواتب، والاعتقالات المستمرة وبقاء قضايا آثار الانقسام والمصالحة المجتمعية عالقة".
واعتبر أن "هناك تحديات عديدة تقف أمام تنفيذ خطوات المصالحة، فبرغم حاجة الطرفين لها لانتفاء الخيارات الأخرى أمامهما، إلا أن الوحدة الوطنية ما تزال بعيدة المنال".
بينما رأت عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليلى خالد أن "هناك تحديات عديدة تحيط باتفاق المصالحة، وعقبات داخلية وخارجية تقف أمام الحكومة بما يهدد مصيرها بالفشل".
وقالت، لـ"الغد"، إن "ما تشكل باتفاق ثنائي، وليس إجماعاً وطنياً، حكومة لإدارة الانقسام فقط، وبلا برنامج محدد لمعالجة الإشكاليات القائمة، مثل الأجهزة الأمنية وموظفي غزة والمعبر والقضايا الحياتية، والتي تم تجاهلها رغم أنها تصبّ في صميم مهام الحكومة، حتى وإن كانت مؤقتة".
وتوقفت عند "قرار إلغاء وزارة الأسرى وإصدار مرسوم رئاسي بتشكيل هيئة تابعة لمنظمة التحرير، بضغط إسرائيلي، تزامناً مع إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال، وذلك بدل أن تطورها للقيام بواجبها تجاه قضية الأسرى العادلة".
ولفتت إلى "الضغوط الخارجية، الإسرائيلية والأمريكية، المضادّة لخطوات المصالحة، بما كان يستلزم مواجهتها بالتفاف وطني وليس اتفاقاً ثنائياً، أنتج حكومة ستعجز عن مواجهة التحديات".
ودعت إلى ضرورة "التسريع بخطوات المصالحة، وعقد اجتماعات موازية للجان المشكلة، إزاء توقف عملها حالياً، بينما لم تتم حتى الآن دعوة الإطار القيادي للمنظمة للاجتماع بذريعة الإنشغال المصري الداخلي".
المصدر: الغد