قائمة الموقع

الإدارة الأميركية تربط إقامة الدولة الفلسطينية بموافقة "إسرائيلية"

2025-08-09T12:37:00+03:00
أسماء بزيع

منذ اللحظة التي تحوّلت فيها القضية الفلسطينية إلى ورقةٍ على مكاتب الإدارات الأميركية المتعاقبة، بات واضحًا أن مسارها لا يُرسم في رام الله أو غزة، بل في واشنطن و"تل أبيب". واليوم، تعود إدارة ترامب لتؤكد المعادلة ذاتها: لا دولة فلسطينية إلا بإذنٍ "إسرائيلي"، وكأنّ الاحتلال بات المانح الوحيد لشرعية الوجود الفلسطيني، وهو ما يطرح إشكالية أخلاقية وسياسية عميقة تضع كبش الفداء في مرمى فلسطين

في المشهد الدولي الراهن، ألزمت واشنطن قرار الاعتراف بفلسطين بشروط غير مكتوبة لكنها مضمرة، فقد أظهرت رسميًّا دعمها لـ"حلّ الدولتين". كما أخطرت الإدارة الفلسطينية بأن محاولة السعي للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة ستلقى "فيتو" من واشنطن، مجددة الدعوة للمفاوضات المباشرة فقط.

وفي المشهد الأميركي الداخلي، تتجلى المواقف المتباينة: دعا أكثر من عشرة نواب ديمقراطيين إلى الاعتراف بفلسطين بشرط أن تعترف أولًا بـ"إسرائيل" وتضمن أمنها، إلا أن إدارة ترامب رفضت ذلك باعتباره مكافأة لـ"حماس". وفي الوقت نفسه، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين فلسطينيين بحجة عرقلة جهود السلام عبر التحرك في مؤسسات دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية.

وفي أعقاب الحرب المدمّرة على غزة التي تجاوزت الـ22 شهرا، ومع تصاعد الضغوط الدولية على حكومة نتنياهو، تسابقت بعض العواصم الغربية كفرنسا وكندا والمملكة المتحدة لإشهار نواياها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. إلا أنّ واشنطن، رغم خطابها المتكرر عن "حل الدولتين"، وضعت شرطًا جوهريًا: أن يتم الاعتراف عبر مفاوضات مباشرة مع "إسرائيل"، لا عبر خطوات أحادية. وهو موقف عبّرت عنه الخارجية الأميركية في شباط 2024، قبل أن تكشف وسائل الإعلام لاحقًا عن دراسات وخيارات سرية تبحثها إدارة بلينكن لاحتمال الاعتراف المشروط، بما يراعي مواقف "تل أبيب" ويطمئن مخاوفها.

في المقابل، وجّه أكثر من ثلاثين نائبًا ديمقراطيًا في الكونغرس رسالة في آب 2025 تحثّ الإدارة على اتخاذ خطوات أكثر جرأة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى من دون موافقة "إسرائيلية" كاملة. لكن البيت الأبيض ظلّ متمسكًا بخطوطه الحمراء، واضعًا الاحتلال في موقع "الفيصل" الذي يمنح أو يمنع.

بالنسبة لمحور المقاومة، لا يختلف هذا الموقف عن سياسة الخداع التاريخية التي مارستها واشنطن منذ اتفاق أوسلو عام 1993، حيث وُعد الفلسطينيون بدولة خلال خمس سنوات، لكن النتيجة كانت توسعًا استيطانيًا غير مسبوق، وتهويدًا ممنهجًا للقدس، وحصارًا خانقًا لغزة.

اليوم، يتكرّر المشهد: وعود دبلوماسية تُسكّن الغضب الدولي، بينما تُمنح "إسرائيل" الوقت لترتيب ساحات الصراع لصالحها.

إنّ اشتراط الموافقة الإسرائيلية على قيام الدولة الفلسطينية ليس إلا تأكيدًا على أن واشنطن لا ترى في فلسطين شعبًا صاحب حق، بل "ملفًا" من ملفات الأمن الإسرائيلي. وهي رسالة صريحة بأن أي تسوية سياسية في الشرق الأوسط لن تمر إلا عبر البوابة التي تتحكم بها "تل أبيب".

لكنّ التاريخ الحديث علّم المنطقة أن المعادلات التي تُفرض في الميدان، من حرب تموز 2006 إلى معركة "سيف القدس" عام 2021، وحتى الطوفان، قادرة على قلب الطاولة على كل الحسابات السياسية. فالدول لا تُقام بتصريحات البيت الأبيض، بل بإرادة الشعوب التي تفرض واقعها، حتى لو أغلق الاحتلال كل الأبواب.

اخبار ذات صلة