أعرب رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو عن "قلق شديد" من قرار الولايات المتحدة التعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. ويخفي هذا القلق إشارات إلى أزمة شديدة بين إسرائيل والإدارة الأميركية ظهرت معالمها في الغضب الشديد الذي أبداه عدد من المسؤولين الإسرائيليين جراء عدم التزام الإدارة الأميركية بالموقف الإسرائيلي الداعي إلى مقاطعة الحكومة الجديدة بدعوى استنادها إلى تنظيم حماس المصنف "إرهابياً" في القانون الأميركي.
وقال نتنياهو في مستهل حملة دولية ضد الحكومة الفلسطينية الجديدة وتعامل الولايات المتحدة معها إنّ "على الولايات المتحدة أن تبين بوضوح (للرئيس محمود عباس) لأبو مازن أن الاتفاق مع حماس هو بالمطلق أمر لا يتقبله العقل". وكان نتنياهو قد شعر بالصدمة حينما هاتفه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليبلغه بقرار الولايات المتحدة التعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة لأنها لا تحوي عناصر من حماس و"محاكمتها وفق أفعالها". وكان نتنياهو قد أبلغ وزراءه، أمس الأول، أنّ كيري تعهد له بعدم التعامل مع أي حكومة فلسطينية تستند إلى حماس. ومن المقرر أن يلتقي كيري اليوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العاصمة الأردنية.
وكانت مصادر سياسية عليا في إسرائيل قد سرّبت لوسائل الإعلام أنها تشعر "بالخيبة العميقة" من الموقف الأميركي لأن الحكومة الفلسطينية الجديدة "مدعومة من حماس، التنظيم الإرهابي الملتزم بتدمير إسرائيل". وبحسب هذه المصادر، فإنه إذا كانت أميركا "معنية بتحقيق السلام" فإن عليها أن تطالب الرئيس محمود عباس "بإلغاء تحالفه مع حماس والعودة إلى محادثات السلام مع إسرائيل". وشددت على أن موقف أميركا يسمح لعباس "بالإيمان بأن بالوسع تشكيل حكومة مع منظمة إرهابية".
وقال الوزير الإسرائيلي وعضو المجلس المصغر جلعاد أردان إنّ "السذاجة الأميركية تحطّم الأرقام القياسية" لأنّ "التعاون مع حماس، المصنفة في الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي، يقتل النساء والأطفال، غير مقبول. والخضوع الأميركي مرة تلو مرة لإملاءات الفلسطينيين يمس بشدة فرص العودة ذات مرة إلى المفاوضات، ويدفع إسرائيل لاتخاذ خطوات من طرف واحد لحماية مواطنيها من حكومة الإرهاب التي شكلها (الرئيس محمود عباس) أبو مازن".
وتحاول إسرائيل الرد بعنف على الموقف الأميركي من الحكومة الفلسطينية الجديدة، موحية أنها فوجئت من هذا الموقف واستغربته. لكن الأميركيين في الواقع، منذ إعلان المصالحة بين فتح وحماس في أواخر شهر نيسان الماضي، اتخذوا موقفاً مختلفاً عن الموقف الإسرائيلي. فقد أصرت أميركا على أنها تحاكم الحكومة الجديدة وفق التزامها بشروط الرباعية، فيما طالبتها إسرائيل بأن تحاكمها وفق استنادها إلى تنظيم حماس الذي لا يعترف بشروط الرباعية. وهكذا كانت أميركا أقرب إلى الموقف الأوروبي والروسي منها إلى موقف إسرائيل من الحكومة الجديدة.
لكن الإدارة الأميركية تعرف أنها بموقفها هذا تخاطر بالصدام مع أنصار إسرائيل في الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي الذين بدأوا بحملة لوقف تمويل أميركا لميزانية السلطة الفلسطينية. وكان نائب وزير الدفاع الإسرائيلي داني دانون، وهو من قيادات "الليكود"، قد أشار إلى أنه أدار محادثات مع أعضاء كبار في مجلسي الكونغرس بشأن الحكومة الفلسطينية وأنه سمع منهم "دعماً واضحاً لمشروع وقف تمويل السلطة الفلسطينية على خلفية تحالفها مع حماس". وبحسب دانون فإن "القانون الذي أقره الكونغرس العام 2006 والذي يحظر تمويل الإرهاب الفلسطيني واضح تماماً، وأنه سيتعذر على الإدارة الأميركية التهرب من مناقشة هذا الموضوع".
ومن المهم التأكيد أن إسرائيل التي سارعت إلى إعلان مقاطعتها للحكومة الفلسطينية الجديدة أرادت أن تضع الموقف الأميركي تحت هذا السقف. وقال مسؤول إسرائيلي لـ"معاريف" إنّ "لسرعة قرار المجلس الوزاري المصغر، عدا رمزية ذلك ودلالته الدعائية، أهمية كبرى من ناحية التوقيت. فقد شعر نتنياهو بأنه ملزم بتوجيه رسالة حادة للولايات المتحدة وللاتحاد الأوروبي قبل أن تستقبل الحكومة الفلسطينية الجديدة كحكومة شرعية في العواصم الغربية".
ولكن لا يقل أهمية عن ذلك أن الحكومة الإسرائيلية عندما ناقشت الخطوات العقابية ضد إعلان الحكومة بدأت للمرة الأولى رسمياً بمناقشة خطوات مثل ضم مناطق في الضفة الغربية ومحيط القدس إلى إسرائيل. ولاحظ مراقبون أن قرارات المجلس الوزاري المصغر العقابية تفرض وقائع جديدة على الأرض بينها مصير التنسيق الأمني الذي نال وزير الخارجية الأميركي تعهداً من الرئيس عباس بالحفاظ عليه واعتباره "مقدساً". وفي هذا السياق، ثمة أهمية بالغة لقرار المجلس الوزاري الإسرائيلي بعدم السماح لحركة حماس بالمشاركة في الانتخابات العامة الفلسطينية المقبلة. ويعتبر هذا القرار واحداً من أهم العراقيل التي توضع أمام الحكومة الجديدة التي تعتبر إجراء الانتخابات واحداً من أهم أهدافها. ولكن جهات سياسية إسرائيلية أشارت إلى أنه "إذا جرت انتخابات فعلاً بعد ستة أشهر أو سنة وسيطرت حماس على الضفة، فلن يبقى أي ذكر للتنسيق الأمني. ومنذ الآن تعلن القوات المسلحة لحماس أنها لا تأتمر بأمر الحكومة الانتقالية في رام الله، لذلك علينا الاستعداد لمواجهة كل السيناريوهات ورؤية الخطوات المستقبلية".
المصدر: السفير