/مقالات/ عرض الخبر

تونس في ذكرى النكبة : تجريم التطبيع مع العدو يتصدر المشهد..كتبت: راغدة عسيران

2014/05/22 الساعة 07:24 ص

دعا "اللقاء الوطني لمناهضة التطبيع والصهيونية ودعم خيار المقاومة" إلى إحياء ذكرى النكبة يوم السبت 17 أيار مقابل وزارة السياحة في العاصمة التونسية، تحت شعار حق عودة اللاجئين ورفض التطبيع. يضم اللقاء عدة جمعيات وأحزاب سياسية (أغلبها قومية) تطالب بقانون يجرّم تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال. نصب "اللقاء" خيمته وعلق أعلام فلسطين وتونس، ورفع شعاراته المختلفة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية وأبرزها حق المقاومة وحق العودة، والمنددة بالتطبيع.

وبعد ساعات من بدء هذه الفعالية وعلى بعد بضع الأمتار منها، أقدمت جمعيات وأحزاب قومية أخرى على نصب خيمة ثانية لإحياء ذكرى النكبة بعرض صور عن فلسطين والتذكير بتاريخ القضية. تطالب هذه الجمعيات أيضا بتجريم تطبيع العلاقات مع العدو. هذا المشهد هو باختصار حال الموقف التونسي المساند للشعب الفلسطيني وحقوقه، أي تشرذم قواه الفاعلة على الساحة رغم تبنيها الشعارات ذاتها (تحرير فلسطين، تجريم التطبيع)، واعتبارها أن القضية الفلسطينية هي "القضية المركزية لدى الشعب التونسي".

تتصدر اليوم مسألة تطبيع العلاقات مع العدو المشهد السياسي في تونس، وحولها تصطدم الإرادات وتمتحن القوى السياسية لمعرفة مدى صدقيتها وتمسكها بمبادئها أمام الضغوط الخارجية من جهة وميول الطبقة المنتفعة من علاقاتها مع الغرب من جهة أخرى. مما لا شك فيه أن الشعب التونسي يشعر بالتزام كبير وراسخ اتجاه القضية الفلسطينية ويستغل كل ظرف للتعبير عن وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني. وحتى خلال حكم بن علي المخلوع، ولأنها كانت مرفوضة شعبيا، بقيت مسألة التطبيع مع العدو محصورة في دوائر ضيقة، ومضبوطة من قبل النظام وأجهزته الأمنية. فلذلك يمكن اعتبار أن المطروح الآن على الساحة التونسية يشكل سابقة خطيرة وتحدياً واضحاً للإنتماء العربي والإسلامي للشعب التونسي.

لقد فتحت الثورة التونسية وما لحقها من تدخلات أجنبية الباب أمام أنواع مختلفة من المنظمات غير الحكومية تنشط من أجل تعميم التبعية الثقافية والإقتصادية وتغيير الوعي الوطني والقومي وإلحاق الشعب التونسي بالنظام العالمي، بكل أنماطه، ما يعني أن من يعمل على تشجيع التطبيع مع العدو أصبح حراً وغير مقيّد أو ملاحق من قبل الأجهزة الأمنية الحالية، بعد رفع شعار الديمقراطية وحرية التعبير. السابقة الخطيرة هي أن تتسلل مسألة التطبيع من باب الحريات، بعد تضحيات الشعب التونسي من أجل الخبز والحرية والكرامة. تشكل اليوم مسألة التطبيع تحديا واضحا للإنتماء العربي والإسلامي للشعب التونسي، لا سيما أن الحكم السابق (من بورقيبة الى بن علي) لم يستطع فرض التعامل مع الكيان الصهيوني كـ"واقع لا بد من التعامل معه" منذ الإستقلال، بسبب تعلّق معظم فئات الشعب التونسي بالقضية الفلسطينية.

ترفع الجمعيات المناهضة للتطبيع شعار "لا للتطبيع لا للصهيونية لا للتجويع" للرد على معادلة التطبيع مقابل الجوع، التي يطرحها الحكم الجديد، مبرراً زيارة السياح "

 

ين" إلى جزيرة جربا لأداء طقوس دينية، بحجج إقتصادية، كما أفصحت عنها حكومة مهدي جمعة المشكّلة من التكنوقراط، بالقول أن "قدوم السياح من كل الجنسيات إلى تونس ينعش السياحة، القطاع الأساسي في الإقتصاد التونسي، والتي تراجعت بتأثير تداعيات الثورة التونسية قبل ثلاث سنوات" (آمال كربول). أثارت قضية السياح "الإسرائيليين" تساؤلات عدة حول توقيتها ومغزاها، ويعتقد بعض المراقبين أنها مفتعلة من أساسها، من قبل الكيان الصهيوني الذي نصب فخا للسياسيين التونسيين، ك"بالون اختبار" لرصد جاهزية الحكم التونسي الجديد لتطبيع العلاقات معه.

بعد امتناع المجلس التأسيسي عن تجريم التطبيع في الدستور التونسي وإلغاء كلمة "الصهيونية" في التوطئة، كعدوة للشعوب الى جانب العنصرية، تحت الضغوط الأوروبية وخاصة الألمانية، أتت قضية السياح "الإسرائيليين" بطريقة إستفزازية لتطرح مسألة التطبيع من منظور إقتصادي وإثارة الجدل حولها وكأنها مسألة حيوية للشعب التونسي تهدد مستقبله و"خبزه". ساهم الإعلام التونسي وغيره عمدا بإخفاء كل معطيات المسألة للتغطية على مغزاها الحقيقي، أولها أن السياح "الإسرائيليين" يحجون سنويا الى المعبد الموجود في جزيرة جربا منذ عشرات السنين، وثانيا أنهم يحصلون على تصاريح خاصة من السفارات التونسية في أوروبا أو يدخلون بجوازات سفر أوروبية، وذلك لأن السلطات التونسية السابقة كانت تمنع زيارتهم بالجواز "الأسرائيلي". لماذا إذا فرضوا هذا العام جوازهم "الإسرائيلي" على الحكم الجديد سوى لجس نبضه، في حين كان باستطاعتهم الدخول الى جربا كالسنوات الماضية دون أي ضجيج ؟ المسألة الأولى والوحيدة المطروحة فعليا هي الدخول الى تونس بجواز "إسرائيلي"، وليس زيارة الأماكن العبادية أو إعادة النظر بدور السياحة في تونس.

ولكن الضجة الإعلامية التي أثيرت حول المسألة، مدعومة بتصريحات بعض السياسيين التونسيين، دعمت الطرح الغربي الصهيوني الذي أراد أن يُنظر الى الموضوع من باب حرية العبادة وممارسة الطقوس الدينية أو التنمية الإقتصادية، وليس كما هو في الحقيقة، أي من ناحية "الجواز الإسرائيلي" الذي سمح له العبور الى الأراضي التونسية بشكل رسمي وعلني.

تم مواجهة هذا الإختراق الصهيوني الصريح لتونس بفتور ملفت للنظر من قبل الطبقة السياسية. لقد تم استدعاء الوزير المكلف بالأمن الوطني رضا صفر ووزيرة السياحة آمال كربول أمام المجلس التأسيسي للمساءلة فقط، ثم تمت هذه المساءلة دون أي إجراء عملي، قبل أن يُقرأ بيان الحكومة الذي أكّد على "التزام تونس دولة وشعباً بمساندة الشعب الفلسطيني وتمسكها بعدم التطبيع مع الاحتلال الصهيوني". وانتهى الموضوع بهذا الشكل بالنسبة للحكم الجديد. أما بالنسبة للكيان الصهيوني، فإنه رصد، من خلال هذه القضية المفتعلة، أين يكمن الخلل في الحكم الجديد الذي لم يتخذ خطوات واضحة وصريحة ضد المطبّعين والداعين الى التطبيع مع العدو، مكتفيا ببيان حكومي يؤكد على ثوابته. ينتظر المراقبون محاولات صهيونية أخرى وخطوات إضافية في هذا الإتجاه، لتمرير التطبيع دون ضجة إعلامية صاخبة. وهنا يبرز دور الأحزاب والجمعيات المناهضة للتطبيع في تونس، المدعوة الى اليقظة والعمل وتوسيع شبكاتها الإعلامية للوقوف بجدية أمام كل مبادرة صهيونية ولمطالبة السلطات التونسية بتشريع تجريم التطبيع كخطوة أولى للحد من الضغوط الغربية والتأكيد على استقلالية القرار التونسي.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/59517

اقرأ أيضا