180 شخصًا قضوا جوعًا و40% من المباني دمرت.. والصامدون يستغيثون
• أكلنا الكلاب والقطط وورق الصبير و"رجل العصفورة" والخبيزة!
• أبو مجاهد: الأوضاع الصحية كارثية.. وكانت لنا مساهمات في الإدارة والإغاثة
قفز مخيم اليرموك، الذي أنشئ عام 1957، على مساحة تقدر ب2.11 كلم2 فقط، ويبعد عن دمشق مسافة 8كلم، إلى واجهة الأحداث نتيجة مآسيه الإنسانية والاجتماعية التي ألمَّت به، جرَّاء الأحداث المؤلمة الأخيرة، والاقتتال الدامي والحصار الشديد، ما تسبب بوفاة حوالي 180 شخصًا بين طفل وامرأة وكهل، آذار / مارس 2014، وبنسبة دمار فاقت الـ40%، حسب إعلان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيلبو غراندي، ولم يبقَ في المخيم سوى 20% من سكانه البالغين مئتي ألف لاجئ، يعانون الجوع والبرد والمرض، لنقصٍ في التموين والدواء وضعف الإمكانات، كما أشار تقرير الأمم المتحدة.
ما الذي يجري داخل هذا المخيم؟ كيف يتكيف الصامدون من سكانه مع الحياة القاسية في ظل القنص والقصف والموت، وغياب المساعدات، وانقطاع المياه والكهرباء؟ إلى متى يستمر هذا النزف ولمصلحة من؟ ماذا يقول الناس، ما رأي الفعاليات حول ما يحدث؟ وكيف يعيش النازحون الذين دفعوا الضريبة مرتين؟
"الجهاد" استطلعت الواقع كما هو، والتقت أطراف المعاناة كافة، فكان التحقيق التالي:
وسط الأشلاء والمعاناة:
تحولت شرفات المنازل والمحلات التجارية والمؤسسات إلى أشلاء، وباتت الأشباح تسيطر على "ساحة البطيخة" و"حي الناصرة" و"ساحة الريجة" وغيرها، فالشوارع تفتقد أحبَّتها وأصوات البائعين المتجولين، المشهد حزين، السيارات محروقة، وبقايا أثاث المنازل مرمية في الطرقات، والمستشفيات تعاني من شح الدواء، والمرضى لا يتمكنون من المغادرة، وعائلات تبحث عن رغيف خبز وما تيسّر لها من أعشاب الأرض!!
يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في سوريا أبو مجاهد: "منذ دخول المجموعات المسلحة إلى اليرموك، عبّر شعبنا الفلسطيني عن رفضه الانخراط في الصراع الداخلي السوري، وكانت الهجرة تعتبر نكبة أكبر من نكبة الـ48 بالنسبة للاجئي المخيم، لما يمثله من رمزية لهم، باعتباره عاصمة اللاجئين بالشتات. ومع بداية النزاع، بدأت قصة جديدة من مأساة أبناء مخيم اليرموك على الحواجز، ومنع دخول الدواء والغذاء إليهم، ما فاقم الأزمة الإنسانية لديهم".
وحول الأوضاع الصحية لأبناء المخيم، يقول أبو مجاهد: "الأوضاع الصحية كارثية ومأساوية، بسبب النقص الخطير في الدواء والغذاء، وانعدام أبسط الاحتياجات من الأدوية المتعارف عليها لمرضى الضغط والسكري ولقاحات الأطفال، ناهيك عن انتشار الأوبئة مثل الجرب والقمل والكبد الوبائي، وارتفاع حالات الوفيات نتيجة الإهمال الطبي والجوع، حيث أصبحت الحشائش هي المصدر الغذائي الوحيد، فضلاَ عن الانقطاع الكلي للكهرباء. وأدى الإهمال الطبي والجوع والحصار الخانق خلال عام إلى استشهاد 180 فلسطينيًا، إضافة إلى إخراج أكثر من 3500 حالة مرضية وإنسانية وطلبه جامعيين، كما أدت الحرب إلى دمار 20% من الأبنية دمارًا كليًّا، وحوالي 40% دمارًا جزئيًا".
وأضاف: "في بداية الأزمة كان موقف الفصائل الفلسطينية متباينًا بخصوص الأزمة في سوريا، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة، أصبح هناك إجماع بإخراج الفلسطينيين، وعدم الزج بهم في الصراعات الداخلية العربية. وهناك قناعات لدى المسلحين بأنهم تورطوا في الأزمة وزُج بهم في أتون هذه الحرب، ورغم تعثر المفاوضات، إلا أن الحل السياسي هو الخيار الوحيد، وهناك رغبة من الحكومة السورية بعدم زجهم في الصراع".
وتطرق أبو مجاهد، في حديثه عن موقف حركة الجهاد، قائلا: "كان موقف حركة الجهاد الاسلامي منذ بداية الأزمة ثابتًا، يتجلّى بعدم التدخل في الشؤون العربية، لأن معركتنا مع الكيان الصهيوني هي قمة الأولويات لها. وهي لم تتخلَّ عن واجبها في تضميد جراح أبناء المخيمات، وساهمت في إدارة وإغاثة أبناء شعبنا في مراكز الإيواء، ومعظم كادر الحركة تحول للعمل الإنساني والإغاثي ممثلاً بالهيئة الخيرية لإغاثة الشعب الفلسطيني. يعتبر الشعب الفلسطيني من أكبر المتضررين من الأزمة السورية، ما دفع بخيرة شباب المخيمات للبحث عن الهجرة والموت في أعالي البحار، وقد هاجر معظم الأطباء والمهندسين والخبرات المهنية والعلمية، للبحث عن ملاذات آمنة في أصقاع الأرض".
مأساة أشبه بالنكبة!:
تحدثت الحاجة حسنة حسين علي، 75 عامًا، بصوت مرتعش تخنقه العبرة والحسرة، حزناً وألماً لما ألم بها وبعائلتها جراء الحصار والجوع والموت والخوف، فقالت: "لقد مررنا بأيام عصيبة لم نشهد مثلها، فقد أنهكنا الجوع ولم نجد ما نأكله من شدة الحصار المفروض علينا منذ شهور، لقد أكلنا كل أنواع النبات، الخبيزة وورق الصبير ورجل العصفورة حتى نسد رمقنا من الجوع. لقد ساء وضعي الصحي، وأصابني النشاف في جسدي، وبدأت أشعر بدوار وألم في الرأس، وعجز عن المشي على قدمي، كنا دائماً ندعو الله أن يخفف عنا هذه الأزمة".
ولفت نور الدين خالد، إلى أن المخيم بات خالياً من مقومات الصمود التي يحتاجها الناس من الطعام والشراب، فسكان المخيم باتوا يعيشون على النباتات وبعض السوائل، وكانوا يطهون "الطعام" على الحطب بعد تكسير الأبواب والخزائن، لأن المحروقات مفقودة. إنها حياة مريرة وصعبة وشاقة كتبت على الأهالي، وتحولت الحياة إلى الجحيم بعد النعيم.
وقال أحمد حسين خالد، 35 عامًا، أبٌ لخمسة أطفال أحدهم يعاني الشلل الدماغي: "لقد شهدنا حالة صعبة ومريرة طيلة فترة الحصار، عانينا الجوع والمرض والقتل، وكنت أواجه مشكلة إبني الصحية الذي لم أتمكن من تأمين العلاج والدواء اليومي الذي يحتاجه، بسبب فقدان الدواء ونقص الكادر الطبي والمستلزمات الطبية، فالصيدليات باتت خالية من جميع أنواع الأدوية سوى المسكنات، ولم يكن هناك أي طبيب تخصصي، بل اقتصر العمل على الطاقم التأهيلي، فطبيب الأسنان أجرى عملية جراحية لمصاب تم قنصه، وما ذلك إلا تلبية لنداء الواجب".
وأشار أ.ع.ب، إلى أنه وبعد ثلاثة أعوام من الصراع الدائر في سوريا، كان هنالك اتفاق يقضي بإخلاء المسلحين للمخيم، والذي كان يشكل الأمل الأخير لأهله بفك الحصار عنه بعد أن وصلت الحالة الإنسانية إلى أسوأ حالاتها، حيث مات أكثر من 100 شخص، من بينها مصابين يتم إنقاذهم وعلاجهم بسبب شح المواد الطبية. وقال: "إن هناك مجموعات مسلحة من داخل المخيم قامت باغتصاب أكثر من عشرة نساء وقتلهن مقابل الغذاء أو حليب الأطفال، وقيام مجموعة مسلحة أخرى بسرقة المنازل وقتل الناس، وهناك حالات انتحار قام بها بعض الأشخاص كي لا يتعرضوا للذل والإهانة من قبل المجموعات المسلحة الموجودة بالمخيم.
ويقول الطالب الجامعي أحمد: "أعرف أشخاصًا قاموا بذبح الكلاب والقطط وتناولوا لحمها. أما الحالة النفسية لسكان المخيم فالبعض قام بأخذ حبوب المخدر كي ينسى الأحداث، وهناك ما يقارب المئة شخصٍ لجؤوا إلى المواد المخدرة.
واعتبر الكاتب جمال أيوب، أن مصلحة مخيم اليرموك وأهله تفترض العمل وفقاً لحالة التوافق الفلسطيني العام الذي اختار الحياد الإيجابي لشعبه عما يدور في سوريا.
وأعرب أمين سر تحالف فصائل المقاومة الفلسطينية في دمشق خالد عبد المجيد، عن تفاؤله في الخطوات الأخيرة المتبعة من أجل تنفيذ بنود المبادرة، معتبرًا أن مخيم اليرموك سيفتح بابه على مصراعيه للحل أخيرا بعد سبعة اشهر من الحصار المفروض عليه. ويهمَّ بالخروج من معاناته بأقل الخسائر الممكنة بعد أن قدم الغالي والنفيس خلال إقحامه في الأزمة عنوة.