تكثفت المساومات الدائرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لمنع انهيار المفاوضات الجارية برعاية أميركية للتوصل إلى اتفاق إطار. وفيما عرضت إسرائيل الإفراج عن 400 معتقل فلسطيني آخر بعد الدفعة الرابعة من معتقلي ما قبل أوسلو في مقابل تمديد المفاوضات لستة أشهر أخرى، أشارت مصادر إسرائيلية إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلب الإفراج عن ألف معتقل وتجميد الاستيطان وتسليم قسم آخر من المنطقة "ج" للسلطة الفلسطينية.
ويعتقد خبراء أن الأميركيين دخلوا في "بازار" شرقي حقيقي حيث يتخوف الطرفان، كلٌ لاعتباراته، من تفجير المفاوضات من ناحية ومن تحميل الأميركيين والأسرة الدولية لأحدهما المسؤولية عن فشل المساعي الأميركية. ولهذا السبب، وبرغم المخاطر التي يشير إليها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والتي تهدد ائتلافه، فإنه عرض الإفراج عن 400 معتقل آخر شرط أن تحدد إسرائيل أسماءهم في مقابل تمديد المفاوضات لستة أشهر أخرى.
ويبدو واضحاً أنّ العرض الإسرائيلي يستهدف إفشال المسعى الفلسطيني للحصول على تجميد الاستيطان في مقابل تمديد المفاوضات. ولهذا ارتفعت حدة التهديدات من جانب شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي، وخصوصاً من جانب وزير الاقتصاد زعيم "البيت اليهودي" المتشدد نفتالي بينت. وقد أعلن بينت أن الإفراج عن الدفعة الرابعة، الذي كان مقرراً أمس الأول، كفيل بتفكيك الائتلاف "فما بالكم بالإفراج عن 400 معتقل آخر". ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى حقيقة أن نتنياهو سبق واختار الإفراج عن معتقلين حتى لا يضطر لتجميد الاستيطان، باعتبار أن الخيار الأخير كفيل فعلا بتفكيك ائتلافه الذي يستند إلى الكثير من أنصار الاستيطان المتحمسين.
ونقلت مصادر إعلامية إسرائيلية عن جهات فلسطينية رفيعة المستوى قولها إنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس استبق اقتراح نتنياهو بمطالبة الطاقم الأميركي للمفاوضات بعرض مطالب فلسطينية عدة على الإسرائيليين، مقابل التمديد إلى ما بعد 29 نيسان المقبل. وبموجب هذه المطالب فإنّ الفلسطينيين على استعداد لتمديد المفاوضات نصف عام أو حتى نهاية العام الحالي في مقابل الإفراج عن ألف معتقل وتجميد البناء في المستوطنات وتسليم جزء من المنطقة "ج" الخاضعة كلياً للسيطرة الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية. وأشارت هذه المصادر إلى أن اقتراح نتنياهو بالإفراج عن 400 معتقل كان في الأصل نوعاً من الاستجابة الجزئية لجانب من المطالب الفلسطينية.
ويبذل طاقم المفاوضات الأميركي برئاسة مارتين إينديك جهوداً كبيرة في هذه الأثناء لتقليص الفجوة بين المطالب الفلسطينية والاقتراحات الإسرائيلية في محاولة لمنع انهيار المفاوضات. وبرغم التشاؤم الأميركي السابق، هناك الآن من يبدي تفاؤلا حذراً باحتمال التوصل إلى صيغة لتمديد المفاوضات ومنع انهيارها.
وقد اعترف رئيس الطاقم الفلسطيني للمفاوضات صائب عريقات بأنه يواصل اتصالاته الحساسة مع كل من إسرائيل وأميركا بعيداً عن الأضواء. وشدد على أن الرئيس عباس يبذل أقصى الجهد لتحرير الدفعة الرابعة من معتقلي ما قبل أوسلو مع الرفض لأي ربط بين تحرير الأسرى وتمديد المفاوضات.
وفي كل حال فإنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أشار في جلسة وزراء "حزب الليكود"، صباح أمس، إلى التقارير المتزايدة عن المفاوضات والمساومات مع الفلسطينيين، وأعلن "إما أن يبرم اتفاق أو تنفجر المفاوضات. وفي كل حال، لن تبرم أي صفقة من دون مقابل واضح".
وكانت قضية الإفراج عن المعتقلين قد أثارت عاصفة كبيرة في إسرائيل بعدما قررت عدم الإفراج عن المعتقلين في الموعد المقرر طالما ليس هناك قبول فلسطيني بتمديد المفاوضات. وأعلن وزير المواصلات إسرائيل كاتس أن "مكان قتلة اليهود هو على فوهة البندقية، وإن لم يكن ففي السجن". وأضاف أنه "جيد أن الفلسطينيين فهموا أن إسرائيل لن تعطي، إن لم تحصل على مقابل".
وخلافا للإسرائيليين فإن الفلسطينيين يشيعون أن الدفعة الرابعة لم تلغ وإنما أجل تنفيذها بناء على طلب أميركي، وأنها على الأغلب سوف تنفذ في منتصف الأسبوع الحالي. ويضيفون أن الاتصالات بين الأميركيين والإسرائيليين تكثفت في هذا الشأن وأن الفلسطينيين ينتظرون النتائج.
وقد فاجأت الإسرائيليين الأنباء التي نشرتها مواقع إسرائيلية وأفادت بأن حكومة نتنياهو والأميركيين عرضوا على الرئيس الفلسطيني الإفراج عن 30 أسيراً، وهم الدفعة الرابعة، الذين تأجل الإفراج عنهم، وبينهم عرب من مناطق 48 وأيضا 400 معتقل آخر تحدد هي أسماءهم مقابل تمديد المفاوضات. وبحسب موقع "والا" الإخباري فإن هذا كان الاقتراح الذي أريد منه تلطيف معارضة الفلسطينيين لتمديد المفاوضات.
وكانت الصدمة الأكبر من نصيب زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت الذي أعلن أنّ الإفراج عن 400 معتقل لن يتم أبداً. وأضاف "سأكون واضحاً: لن يحدث ولن يكون". كما أن وزير الإسكان أوري أرييل أعلن أنه "إذا كان الخبر صحيحاً، فسوف أوصي أعضاء حزبي بالانسحاب من الحكومة".
وكان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، الموجود في النمسا، أكد أمس أنّ جميع الأطراف "يعملون على مدار الساعة في مسعى للتوصل الى اختراق في المحادثات"، مضيفاً، في تصريحات وزعها مكتبه، "آمل في أن تحدث تطورات إيجابية في المفاوضات في الأيام المقبلة".
في سياق منفصل، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة، أمس، برئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، وفق ما ذكرت الإذاعة الإسرائيلية. وأوضحت الإذاعة، أنّ رئيس الأركان الأميركي اجتمع أيضاً في وقت سابق أمس بوزير الدفاع موشيه يعلون، الذي أثارت انتقاداته الأخيرة للسياسة الخارجية الأميركية انزعاج واشنطن.