/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

نتنياهو يقف وحيداً أمام هجوم الاعتدال الإيراني/ حلمي موسى

2013/10/03 الساعة 07:11 ص

أعدّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو العدة لجعل خطابه أمام الأمم المتحدة لائحة اتهام هي الأقوى ضد إيران ومشروعها النووي، والأهم ضد صورة الاعتدال التي غرسها الرئيس الإيراني حسن روحاني في نفوس العالم. وبكلمات أخرى سعى نتنياهو، عبر اتهامه لطهران، إلى توجيه انتقادات واتهامات مبطنة للعالم بأسره، وخصوصاً الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، لانخداعهم بالذئب الإيراني، الذي يرتدي ثوب الحمل.
ولأن نتنياهو كان يُعتبر، وربما لا يزال البعض يعتبره، "ساحراً في كل ما يتعلق بالإعلام واستغلاله، فإن النتيجة كانت تقريباً مخيبة للآمال لدى مناصريه. فالعالم استمع للخطاب ولكنه لم يتأثر، حتى برغم تهديده بالعمل المنفرد ضد إيران إذا "لم تجد إسرائيل مفراً". وقد استخدم نتنياهو تعابير كلِي القدرة من خلال تأكيده بأن إسرائيل "لن تسمح" لإيران بامتلاك سلاح نووي، مظهراً الفارق بينه وبين الأميركي القادر على "عدم السماح"، ولكنه لا يمارس قدرته ولا يهدد بها. ويرى خبراء أن هذه عملياً لم تكن "ممارسة لفظية"، بل تغيير لسياسة إسرائيلية كانت تتجنب الظهور بمظهر المترئس للحملة ضد إيران. ولكن خبراء آخرين يعتقدون أن هذا الخطاب "المتنمر" انطوى عملياً على تراجع إسرائيلي في تشخيص الخط الأحمر من وجوب العمل عند امتلاك الإيرانيين ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة إلى امتلاك إيران القنبلة ذاتها. وهو بذلك يتبنى موقف الأميركيين أكثر مما يختلف معهم برغم تأكيده على الخلافات.
وبديهي أن هذا التشخيص التراجعي كان واجب التمويه في خطاب تصويري يبغي نزع الشرعية عن الاعتدال الإيراني ومحاولته "تمزيق القناع" عن وجه الرئيس روحاني المشارك، في نظره، في العمليات الإرهابية والراوي للأكاذيب. وكانت هذه هي الرسالة الفعلية، التي أراد إيصالها للعالم، ما دفع المحيطين به إلى قياس الأمور وفق وصولها من عدمه. فالغاية من وصوله إلى الأمم المتحدة تلخصت بـ"تخريب الحفل" و"تنفيس البالون" وإعادة الصدقية إلى الخيار العسكري. وإلى جانب كل ذلك أراد نتنياهو الإبقاء على نظام العقوبات المفروضة والتشديد فيها.
ومن الجائز أن المحيطين بنتنياهو يرون أن "الإنجاز" الوحيد للزيارة والخطاب ولقاء أوباما يتمثل في عدم موافقة الأخير على تخفيف العقوبات عن إيران كبادرة حسن نية لروحاني. ولكن هذا الإنجاز كان في الواقع سياسة معلنة من جانب الإدارة الأميركية سبقت وصول نتنياهو وخطابه. الأمر الذي يقود البعض للبحث عن "إنجازات" أخرى لا يجدونها في الواقع الراهن. فحتى في إسرائيل يتحدثون عن نجاح السياسة الإيرانية في إثارة الانطباع بوجود اعتدال وفي اختراق حاجز العزلة الدولية، بل والظهور أحياناً بأنهم من كانوا يحجمون عن التواصل مع الغرب عموماً وأميركا خصوصاً.
وبرغم حديث نتنياهو المتكرر عن إحياء الخيار العسكري، فإن هذا الحديث لا يثير انطباعات كبيرة في الغرب، ولكنه بات يثير القلق في إسرائيل ذاتها. فالخيار العسكري الإسرائيلي يعني أن إسرائيل باتت معزولة، وأن العالم عموماً وأميركا خصوصاً، لا يقفان إلى جانبها وهذا يقلق الكثيرين في إسرائيل. وربما لهذا السبب بادر رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق الجنرال عاموس يادلين إلى القول إن على إسرائيل أن تمنح أميركا الفرصة وأن تواكب تطور موقفها من الشأن الإيراني وليس أن تختلف معها.
وكتب آري شافيت في "هآرتس" إن خطاب نتنياهو هذه المرة يختلف عن خطابه في العام السابق أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال "لوحظ أن السياسي الاسرائيلي الذي تحدث الى قاعة قليلة الحضور في نيويورك وإلى رأي عام أميركي واهن، كان سياسياً حزيناً. قال بيبي الحقيقة مرة اخرى. وحلل بيبي الوضع الإستراتيجي تحليلاً دقيقاً مرة أخرى. لكنه لم يؤمن حتى هو في هذه المرة بأنه سيوجد من يصغي إليه. ولم يحاول حتى هو أن يؤثر تأثيراً شديداً، ويأسر الجمهور. قال في هدوء شبه كئيب ما كان يجب أن يقوله للعالم الذي يرفض الاستماع".
واعتبر شالوم يروشلمي في "معاريف" أن نتنياهو وقف "وحيداً أمام العالم"، مشيراً إلى أن نتنياهو أيضاً "ذئب في ثوب ذئب"، وأنه "يكشف عن أنياب حادة. وهو يفترس كل المسيرة الديبلوماسية التي يتفانى العالم فيها اليوم، بعدما وقع في الإغواء الساحر لروحاني. نتنياهو غير مستعد لأن يصدق، وغير مستعد لأن يعطي فرصة لأي خطوة معتدلة تجاه الإيرانيين: لا النووي المدني ولا التنمية الجزئية للنووي".
ويخلص يروشلمي إلى أن "نتنياهو يضع اسرائيل في رأس الجبهة حيال إيران، حتى لو اضطرت الى أن تقوم وحدها بالمهمة وتنقذ العالم. هذا نوع من التهديد المخيف الذي يعيدنا الى الايام التي كانت فيها المعركة متحفزة وكانت الطائرات توشك على الانطلاق. السؤال الكبير هو إذا كان لنا اليوم ايضاً القدرة على ان نعمل وحدنا، أم أن القطار قد فاتنا، وفي الطريق فقدنا أيضاً العالم، الذي يريد بالذات أن يسير في طريق آخر، وأن يرتبط بالروح الجديدة والمضللة التي تهبّ من جهة ايران".
يصعب الحديث عن نجاح نتنياهو في تحقيق مراده، على الأقل وفق التعليقات في الصحف الإسرائيلية. فقد كتبت سيما كدمون في "يديعوت" أن نتنياهو أقنعها. وقالت "لقد أقنعني. اذا كان رئيس وزراء اسرائيل قد اتجه في خطبته الى الجمهور الاسرائيلي فقد نال مطلبه". ولكن "هل اقتنع العالم؟ وهل اقتنع اوباما؟"، وأجابت "ثمة شك كبير. يُخيل إلي أن طلب الاستسلام بلا شروط لن يجوز على اوباما. فهو في شخصيته محامٍ. ومُقرب بين وجهات النظر ورجل مصالحات. وهو بخلاف نتنياهو يؤمن بأنه حدث تغيير في روحاني وينوي أن يعطي ذلك أملاً. وبرغم وعوده لنتنياهو وتصريحاته المطمئنة بعد حديثهما أمس الأول (الاثنين الماضي)، قد يتجه الى مطالب أكثر مرونة من ايران من تلك التي يعرضها رئيس الوزراء. فقد شبع اوباما مثل سائر العالم، الذي شاهد نتنياهو، من الحروب وهو يدير ظهره للمواجهات المسلحة ويختار الخيار الديبلوماسي حيث أمكن ذلك".
ويعتقد إسرائيليون أنه خلافاً لما أراد نتنياهو فالتركيز المطلق على الشأن الإيراني وتجاهل المسألة الفلسطينية تقريباً أثارا الانطباع بأن هذه هي الرؤية الاستنسابية لإسرائيل: تريد وقوف العالم إلى جانبها في ما يخدمها وترفض التجاوب معه في ما يخدم العالم.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/44381

اقرأ أيضا