أعادت مشاهد طوابير الغزيين وهم يصطفون أمام محطات الوقود لساعات طويلة من أجل الحصول على السولار أو البنزين، وآخرين وهم يصطفون على جانب الطرقات في انتظار سيارات الأجرة التي خلت الشوارع أصلا منها بفعل اشتداد أزمة شح الوقود في القطاع، إلى جانب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي عن مدن غزة لأكثر من ثماني ساعات متتالية، التذكير مجدداً بأيام الحصار الأولى التي مروا بها في العام 2007 ما أدّى لخنق كافة مناحي الحياة فيها.
هذه المشاهد وغيرها لم تغب كثيراً عن أذهان الغزيين الذي بدأوا يعيشون تفاصيلها لحظة بلحظة، لكنها ألقت بظلالها هذه المرة وبشكل كبير على واقع حياتهم، إذ إنهم كلما تنفسوا الصعداء من أزمة ظهرت أخرى، وأحدثت أزمات خانقة في المواصلات والمخابز والمرافق الصحية والكهرباء وأبار المياه ومحطات الصرف الصحي.
ونتجت أزمة الوقود في قطاع غزة بعد تدمير السلطات المصرية الأنفاق المنتشرة على طول الحدود المصرية – الفلسطينية التي حفرها الفلسطينيون على الحدود كبديل عن المعابر التي تسيطر عليها "إسرائيل" وتمنع دخول كافة احتياجاتهم منها كالوقود ومواد البناء وغيرها من السلع والمستلزمات الأساسية في ظل عدم وجود أفق سياسي ينهي معاناتهم جراء استمرار الخلاف بين الفلسطينيين من جهة، و"حماس" التي تقود القطاع مع السلطات المصرية من جهة أخرى.
انتظار طويل وثمن باهظ
ويقول سائق الأجرة وسام النباهين أنه يضطر إلى الانتظار أمام محطة الوقود منذ ساعات الصباح الأولى وحتى ساعات المساء من أجل الحصول على السولار لسيارته، وحتى أن المحطة لا تعطيه الكمية الكافية، بل تزوده بكمية محدودة كي تتمكن من سد احتياجات الآخرين.
يشير النباهين إلى أنه وبفعل الأزمة أصبح يعمل ليوم واحد أو يومين في الأسبوع على الأكثر، الأمر الذي يؤثر سلباً في الحصول على قوت يوم أسرته المكونة من ثلاثة عشرة فرداً.
ويوضح سائق الأجرة أن السولار الإسرائيلي الذي يحصل عليه من المحطة، أصبح ثمنه باهظاً مقارنة بالسولار المصري الذي كان يدخل عبر الأنفاق، ما جعله يدفع الضعف من أجل الحصول على الوقود الذي سمحت "إسرائيل" بإدخاله بكميات محدودة. ويضيف: "اذا استمر الحال هكذا، فربما أضطر للجلوس في بيتي، سيما وأن الأزمة تتفاقم كل يوم، ولا أستطيع أن أعمل وفق هذه الحال.
ونفدت كميات السولار والبنزين التي كان يتم إدخالها عبر الأنفاق وبشكل كامل من محطات الوقود وشركات البترول في قطاع غزة الذي يحتاج إلى 400 ألف لتر سولار يومياً ونحو 200 ألف لتر بنزين، إضافة إلى 250 طن من الغاز.
الأزمة تلقي بظلالها على الطلاب
إلى جانب النباهين، تشير الطالبة أماني الغزالي إلى أن أزمة شح الوقود التي ألقت بظلالها على حركة المواصلات في غزة، أجبرتها على الوصول إلى محاضراتها متأخرة، مع بدء العام الدراسي الجديد في جامعات القطاع المختلفة.
وتقول الطالبة الغزالي "اضطر للوقوف على جانب الطريق لنصف ساعة وأحياناً لقرابة الساعة في انتظار سيارة لأتوجه إلى جامعتي، وهذا يؤثر على محاضراتي ودراستي".
وتضيف الغزالي: "إضافة إلى ذلك يطلب السائقون أجرة إضافية غير المتعارف عليها كشرط لتوصيلي إلى الجامعة، وأضطر لدفعها كي أتمكن من الوصول، رغم عدم تحديد تسعيرة جديدة من قبل وزارة النقل والمواصلات في حكومة حماس المقالة".
تحذير من كارثة بيئية وإنسانية
من جهته، يؤكد رئيس جمعية أصحاب محطات الوقود في قطاع غزة محمود الشوا أنهم يحاولون بقدر المستطاع إدخال كميات من الوقود الإسرائيلي خلال الأيام المقبلة، رغم ارتفاع ثمنه، مشدّدا في الوقت ذاته على أن الأزمة لا زالت تراوح مكانها.
وفي حديث، يوضح الشوا أن الجمعية طلبت توريد 500 لتر بنزين إلى غزة يومياً، لكن الطلب لم يترجم من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي أدخل ما يقارب 350 ألف لتر بنزين عبر معبر كرم أبو سالم خلال اليومين الماضيين.
ويحذر الشوا من استمرار الأزمة التي بدأت تتفاقم يوماً بعد آخر، في ظل عدم وجود أي حلول جذرية تمكنهم من إدخال السولار بشكل منتظم إلى القطاع.
أخيراً، يبدو أن الأزمة التي بدت في طريقها للتفاقم وشلت كافة المرافق العامة في غزة بل أصبحت تنذر بكارثة بيئية وإنسانية حقيقية مستمرة بعد هدم أنفاق التهريب على الحدود المصرية – الفلسطينية، يقابل ذلك مؤخراً ازدياد تعزيزات الجيش المصري العسكرية على الحدود مع القطاع، وتكثيف عمليات هدم الأنفاق، ليضع الغزيين مجدداً في بوتقة حصار لا يقوون على الخروج منها، إلا بحلول جذرية سياسية مع الجانب المصري والإسرائيلي تنهي معاناتهم.
المصدر: النشرة.