قائمة الموقع

اللاجئون الفلسطينيون من سوريا: "كنا نحلم نجي علبنان"!!

2013-09-12T06:48:02+03:00

"كنا نحلم نجي علبنان"..حلم انكسر لدى غالبية اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، الذين انحسر حلمهم في الوقت الراهن بالعودة إلى مخيماتهم السورية والخروج من دائرة البؤس والحرمان ومن واقع مزر ممزوج بعملية تمييز مستجدّ بين فلسطينيي لبنان وسوريا، إلى جانب التشرّد والاضطهاد المصحوب مع أزمات معيشية واجتماعية من الغذاء إلى السكن والطبابة والتعليم، وصولا إلى قلة فرص العمل وبطالة مستشرية يتولّد عنها مشاكل نفسية وانفلات أخلاقي حادّ.
"لو متنا مخيمات في سوريا أشرف، جينا وما عاد فينا نرجع، وهنا نموت مئة موتة"، لسان حال العديد من اللاجئين الذين كشفوا هشاشة الحياة اليومية والمعاناة الانسانية التي يترنحون تحتها، فهم يقاتلون على جبهات متعددة، يحاربون من أجل لقمة العيش ومن أجل خدمات التعليم والايواء والصحة التي "يشحذونها" من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، والتي تبقى دون المطلوب، رغم مناشدات اللاجئين بتحويل الرصيد المخصص لهم من الشام إلى بيروت.
مرارة اللجوء حوّلت حلم العودة اليوم لدى فلسطينيي سوريا إلى حلمين: حلم بانفراج الأزمة السورية والعودة إلى مخيماتهم وحلم بالعودة إلى أرضهم وكيانهم، لتبقى عبارة "الله بدبّرها ونأمل ألا تطول اقامتنا في هذه البلاد"، رجاء يردّده اللاجئون الذين لم يسلموا من انعكاس المحسوبيات على توزيع حصصهم في المساعدات الزهيدة أصلا، فتجعلهم يكتوون بنار التهجير وقساوتها.
غربة الطفولة
أما غربة فاطمة وعلي، الطفلين اللذين اشتاقا إلى رفاق الدرب وساحات اللعب، فيعكسها صمت يختزل شعورا بعدم الاستقرار وبطفولة ضائعة بين أزقة المخيم المختلف، فيشعران معه وكأنهما دخيلان، كما أترابهما، على مجتمع يراه علي مليئا بالمشاكل والسلاح وتراه فاطمة غير مطمئن لمستقبلها ومستقبل اخوتها.
بؤس مخيّم
هو عذاب ممزوج برحلة التهجير والنزوح من مخيم إلى مخيم ومن دولة إلى دولة، ليبقى مصير اللاجئين رهن الأزمات المستجدة والتوترات الأمنية، ناهيك عن حال البؤس التي يرزح تحتها سكان المخيمات، فهم أصلا يعيشون في بيئات مهترئة وظروف نفسية وانسانية صعبة لا توفر لهم الحد الأدنى من مقوّمات الصمود، ما يجعل مخيماتهم قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة من اللحظات.
محمد بسيوني، ابن الأربعين عاما، الذي قدم وزوجته وأولاده الثلاثة من مخيم حمص إلى مخيم صبرا وشاتيلا ليسكن في منزل يبلغ ايجاره 250 ألف ليرة لبنانية، يختصر معاناته بالقول: "الله بدبّرها، ما باليد حيلة. لجأتُ وعائلتي إلى لبنان منذ أن وقعت أول ضربة على حمص، أي منذ نحو سنة و8 أشهر، وقد كنتُ أعمل هناك في عزل السطوح، لكنني اليوم عاطل عن العمل، ما عدا بعض "الحرتقات" في المخيم من تركيب حنفية هنا أو خلاط هناك، لأحصل على 5 آلاف ليرة أو 10 آلاف يوميا، فنحن ننذبح بالايجار ووكالة "الأونروا" لا تقدم الأموال كما يجب، فلا مال ولا مساعدات بالشكل المطلوب، حتى أن عددا من التقديمات لبعض الأحزاب والجمعيات مسيّس ووفق المحسوبيات".
بسيوني الذي يروي كيف يعيش حاليا مجرّدا من أوراقه الثبوتية التي حجزها له الأمن العام اللبناني، مطالبا إياه بدفع غرامات اقامة قدرها 350 ألف ليرة عن كل شخص، يقول: "لا أجرؤ حاليا على الخروج من المخيم، ونعيش هنا حياة بائسة، كما أن فرق العملة قد أثّر بنا كثيرا، فكنا في سوريا وبمبلغ 500 ليرة سورية نطبخ ليومين ولكن هنا الأسعار مرتفعة".
محمد الذي يؤكد أن أولى اهتماماته اليوم هي عودة الأمان إلى سوريا وعودتهم إلى مخيماتهم، يشرح كيف أنه قصد لبنان "بحثا عن الأمان له ولعائلته، ولكن للأسف وجدنا في بيئة المخيمات بيئة متسعة للفساد والخلافات وسحب السلاح والسكاكين والتمييز بين فلسطيني "لبناني" وفلسطيني "سوري"، وبالتالي مستنقعا للطائفية البغيضة. فإذا ما بتعمل مشاكل ما بتعيش، في المخيم لازم تكون أزعر لتعيش، لأنه إذا تأخرنا فرضا على دفع الايجار يأتوننا بالبنادق ورأسمال الزلمي فنجان قهوة بعد الصلاة".
ولم يساعد المستوى الثقافي والعلمي الذي يمتلكه عمر عواد محمد، القادم من مخيم خان الشيح، عائلته، المؤلفة من خمسة أولاد، على التمتع بظروف عيش أفضل. فعمر الذي كان يعمل في سوريا مساعد مهندس ودليلا سياحيا في القطاع الخاص والذي قدّم استقالته جراء الأحداث السورية طمعا بتأشيرة تنقذه وعائلته من تداعيات الأزمة وانعكاساتها، لم يسلم من عملية نصب عبر أحد المكاتب السياحية في لبنان، ليعود أدراجه إلى العيش في مخيم صبرا وشاتيلا في منزل يدفع قيمة ايجاره 250 دولار أميركي.
عمر يتحسر على الأيام الغابرة في سوريا وعلى الرفاهية التي كان يعيشها، كاشفا ما يقاسيه من معاناة لناحية تعليم أبنائه وتأمين الغذاء والدواء لهم. "فلقد عانينا الكثير بالنسبة للمدارس اللبنانية وللامتحانات الرسمية، حيث اشترطوا أن تكون كل الوثائق والمستندات مصدّقة من وزارة الخارجية السورية وليس فقط من وزارة التربية، ما استدعى أن أقصد الشام 3 مرات تحت القصف والنيران، حيث استأجرت منزلا في منطقة سورية مسيحية، باعتبارها أكثر أمنا"، مشيرا إلى أنه "وبعد كل هذا العناء تمكن ابني من الحصول على المستندات واجراء امتحانات الثانوية العامة، لكنه لليوم لم يتمكن من الحصول على شهادته، وبالتالي لا يمكن تسجيله في لبنان، وهو حاليا يعمل في أعمال الباطون داخل المخيمات".
ويقول عمر: "لا "الأونروا" ولا الحكومة اللبنانية معترفة فينا. نحن هنا نشحذ الأكل والتعليم، فـ"الأونروا" غير جادة في كل طرح تطرحه، وهي تلفّ وتدور على العالم، ولا سيما الموظفون العرب داخلها الذين يترجمون للأجانب أمورا مغلوطة عن واقعنا ويتآمرون علينا".
ويردف بالقول: "لو متنا في سوريا كان أشرف من نأتي إلى هنا. كنا معززين مكرمين وهنا بتنا نموت مئة موتة، فنحن نعيش في مستنقع"، لافتا إلى أنه أُصيب بجلطة في عينه نتيجة الحصر والحزن، وأنه اضطرّ إلى شراء نظارات على حسابه بقيمة 50 دولارا أميركيا وأخرى لابنته التي أُصيبت بانحراف في عينها بقيمة 20 دولارا أميركيا.
عمر الذي يناشد "الأونروا المطالبة بتحويل الرصيد المخصص للاجئين الفلسطينيين في سوريا من الشام إلى لبنان"، يأسف كون "العلاج هنا يتوقف على اعطاء حبوب مسكنة للآلام، وزوجتي تعاني منذ نحو شهر التهابا في الأذن ولا وجود لطبيب أذن في المخيم ومساعدات "الأونروا" متوقفة منذ 17 حزيران/يونيو لغاية الآن، رغم الوعود".
ويضيف: "نحن نقاتل على جبهات متعددة، فنحارب من أجل لقمة العيش ومن أجل تعليم أبنائنا. كنا نحلم نجي علبنان وهلق صرنا نتمنى ما تطول قعدتنا بلبنان، وأملنا الوحيد بالهجرة إلى الدول الأوروبية، فلا يمكننا العيش ضمن المافيا والعصابات. المسألة بحاجة إلى حل، خصوصا أننا نشهد مشاكل اجتماعية عديدة وحالات طلاق وانتحار وخلافات عائلية متشنجة".
أبو علاء البصل، الذي قدم من مخيم اليرموك إلى مخيم مار الياس منذ نحو سنة، يعيش في منزل أهل زوجته مع عائلتين اضافيتين، دون أن يجد عملا يسدد به حاجات أولاده الثلاثة، ما دفع بابنه الشاب اليافع إلى العمل داخل المخيم. ويقول: "الطبابة مؤمّنة من قبل "الأونروا" ولكن ليس كما يجب، أما الطعام فمن "قريبو". حلمنا اليوم هو العودة إلى بيتنا ومخيمنا حتى لو تدمّر والعيش بأمان وسلام. فأنا راض أن أعيش في خيمة داخل سوريا على أن أعيش هنا في هذا الواقع المتردّي"، متحدثا عن "سلسلة قيود تٌفرض على الفلسطينيين، فإذا خرجنا من لبنان لا يمكننا العودة وأنا أطمئن على أقاربي في سوريا فقط عبر الهاتف. كما أن السلطات اللبنانية تتعاطى معنا باعتبارنا أجانب، حيث ندفع ثمن تأشيرة مثلنا مثل الأوروبيين".
وبحسرة تقول ابنته: "كنت أعمل في مستشفى السلام التخصصي في سوريا واليوم أنا عاطلة عن العمل في لبنان. هناك عيشة غير شكل وهنا عَدم".


المصدر: المستقبل

 

اخبار ذات صلة